سلط السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، الضوء على ملف مصادقة البرلمان التركي لإرسال قوات إلى ليبيا.
وقال الفيتوري، في تدوينة بعنوان "عام تركي مجيد (2)" نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "بداية أكرر موقفي الثابت/ أنني ضد اي تدخل في ليبيا الا للإصلاح بين أهلها وهذا عمل لا تجيده الحكومات الصديق منها والشقيق والعدو بل تجيده المنظمات والأفراد متى كانوا على الحياد وأخلصوا النية. وأقول: خطورة التدخل التركي تكمن في أمرين: الأول أن فرسانه جاءونا يحملون طلبا رسميا بضرورة التدخل ممهورا بتوقيع رسمي. والثاني أنه يدعي شرعية دولية وهمية وغير موجودة وانه طبعا أتي في ظرف استثنائي تمر به بلدنا ولم يسبق أن شهدت له مثيل الا تجربة 2011 التي "جردتها من قيادتها" (هذه الجملة القصيرة السابقة استعرتها من الأستاذ رمضان العماري) واحكمت وثاق الشر حولها! والتدخل التركي مختلف جذريا عن اي تدخل اخر يجري حاليا ولا يشبه الا تدخل (غزو الحقيقة) عام 2011 ولهذا فهو لا يشبه سواه وكما فرقنا تدخل 2011 يفرقنا الان التدخل التركي بدل أن يوحدنا على الأقل في التعبير والحجة والبرهان والموقف الوطني! فتركيا تتدخل بناء على طلب رسمي من سلطة مسبوقا أسمها بجملة سحرية هي "المعترف بها دوليا" وهذه الجملة أضفت شرعية وهمية وغير موجودة ولا حقيقية وغير وطنية (قانونا وليس بالضرورة انتماءا) على التدخل عكس اي تدخل خفي أخر وهذه أحد مخاطر التدخل التركي. فباسم "المعترف بها دوليا" وجدنا أنفسنا ندين لتركيا بالشكر على الأقل حتى لا نصبح كالذين لم يشكروا قطر في رأي المفتي المفدى أياه! وهنا يتقاطع التدخل التركي مع غزو 2011 فيومها غزانا النيتو وحلفائه من العرب والعجم بأسم "الشرعية الدولية" مع ان سلطتنا يومها كانت شرعية وطنيا ومعترف بها دوليا وان لم يكن أسمها مسبوقا بـ "معترف بها دوليا" وقال لنا النيتو باختصار: انا جئت لأنفد فيكم حكم الشرعية الدولية متمثلا في القرارين 1970 و1973 ولم يكن أمامنا الا التصدي او التأييد وهكذا انقسمنا الي فئات أبرزها المتصدون للغزو والمؤيدون له ومنذئذا ونحن منقسمون وان بقي كثيرين من صامتون!".
وتابع الفيتوري، "أردوغان اليوم يقول: انا لم أتدخل الا بناء على طلب رسمي من حكومة "معترف بها دوليا" مسبوقا بمذكرة امنية موقعة رسميا بين بلدي و"المعترف بها دوليا" وبموافقة برلمان بلدي الذي أحترم شرعيته! اعوجاج هذا المنطق يكمن في أثنين: الأول أن الـ"معترف بها دوليا" ليست سلطة وطنية قانونيا لآن الاتفاق السياسي الذي أنشأءها وفي مادته الرابعة يشترط أن تنال ثقة البرلمان الليبي أولا لتعمل وهذا لم يحدث! يعني برلمان تركيا مقدس ومحترم وبرلمان ليبيا تافه وغير جدير بالاحترام! ثم أن الـ"معترف بها دوليا" ليست محل اجماع وطني بل لا سيادة لها على الأرض الا على جزء قليل من مساحة ليبيا وحتى هذه السيادة منقوصة ومختلة وليست ثابتة. والآعوجاج الثاني في المنطق الأردوغاني أنه يقفز على الشرعية الدولية خاصة في القرارين 1970و1973 اللذان سبق له الإعتراف بهما بل وشارك في تنفيذهما كون تركيا عضو في النيتو! أضف الي ذلك أن الـ"معترف بها دوليا" ووفق الأتفاق السياسي الذي أوجدها هي وضع مؤقت كان مقررا له عاما واحد أو أثنين على الأكثر تتولى خلال عمرها القصير أمرين وطنيين أثنين فقط: اتمام الدستور والاستفتاء عليه وتنظيم الانتخابات وتسيير أوضاع البلد مؤقتا الي أن تنهي وتحل نفسها بعد أنجاز تلك المهام. وهذا أحد ألغام الاتفاق السياسي الليبي لأنه لم ينص صراحة على فترة عمل "الوفاق" بل ربط عمرها بما تحققه على الأرض! وبالتالي فأن ما تفعله "الوفاق" وأن كانت "معترف بها دوليا" لا علاقة له بواجباتها الحقيقية المنصوص عليها في شهادة ميلادها حتى وان كانت موصوفة بما أسلفت! هي سلطة تسيير أعمال مؤقتة ولا ألزام لليبيا بما تتخذه من إجراءات خاصة على المستوى الخارجي! ولكنها وفي تغوّل أصحاب المصالح أفرادا وتنظيمات تحولت الي سلطة أمر واقع أقرب الي العصابة منها الي السلطة الرسمية وهذا قد لا ينتقص من انتماء ولاة امرها لأنه ببساطة توافق مع واقع أشمل في ليبيا ومفاده/ الأقوى يحكم وحين يفعل يستعين بمن أراد! يعني: نحن أمام تدخل رسمي و"قانوني" وشرعي وبالتالي محاججتنا له وضده ليست سهلة! في عام 2011 كان النيتو يقول أنا أنفذ الشرعية الدولية وفي عام 2019 أردوغان يقول أنا أنفذ طلبا رسميا من الـ"المعترف بها دوليا" وكلاهما محق في قوله وأن كان على باطل في موقفه وهنا لب المشكلة وعقدتها مع أردوغان!".
وأردف، "ولاشك عندي ان أردوغان ومستشاريه يدركون هذا كله وكذلك من هم يسيرون "المعترف بها دوليا" ولكنهم لم يجدوا بابا أخر ليدخلوا منه. ولكن سؤالي هنا هل يدرك بقيتنا هذا؟ التدخل التركي جاء بثمن وطني مستحق السداد وهذا ما لا نعرفه كليا لأنه مخفي في المذكرة الأمنية الموقعة في 27 نوفمبر الماضي بين تركيا و"المعترف بها دوليا". وأردوغان يعرف ان "الوفاق" وضعا مؤقتا كان مقررا أن ينتهي في أبريل الماضي وقد ينتهي في يناير الحالي ان أنعقد مؤتمر برلين كما يجب وبالتالي اي ترتيب دولي تنائي (بين ليبيا وسواها) شاركت فيه "الوفاق" يجب ان ينتهي مع نهايتها ولكن ليس مع أردوغان! أردوغان سيحاججنا أن نحن رفضناه امام المحاكم الدولية (أن لم يكن بالقوة) بأن اي سلطة تأتي بعد "الوفاق" عليها أن ترث الوفاق وتحمل كل أوزراها وهذا السر الأخر لمشكلة التدخل التركي الرسمي! تذكروا أن أيطاليا أستخدمت اتفاقها مع تركيا العثمانية لأحتلال ليبيا تحت دريعة بعضها "شرعي"! طبعا انا لست في حاجة الي القول إن سلوك أردوغان في سوريا كان درسا تعليميا لبقيتنا وخاصة في أستخدام الآرهاب والإرهابيين لتحيق أهدافه ولهذا توقعت منذ شهرين أن يأتي ألينا ببقايا الدواعش وسواهم من شتات الإرهاب من سوريا وهذا كلام منطقي جدا اد لماذا يترك أردوغان جنوده يتعرضون للأدى أو القتل أن توفر غيرهم؟ وأخيرا: التدخل التركي وأن كان بطلب من "المعترف بها دوليا" لن يرجح كفة أحد وأن فعل فلن يحل مشكلة الصراع وأسبابه في ليبيا ولن ينهي الحرب وما نتج عنها! لسنا ضد هذا الطرف أو ذاك ولكننا مع ليبيا وأن أقتضى هذا أن نكون ضد طرف بعينه فليكن!"، بحسب تعبيره.