خصص الصحفي والسياسي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي للحديث عن الخطايا التي ارتكبها المجتمع الدولي في تعامله مع النزاع المرير الذي تشهده ليبيا.
وقال الفيتوري كان من المقرر أن يجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس للتشاور حول ليبيا، لكن جرى تعديل الموعد إلى اليوم. وجرى الاتفاق على الاجتماع خلال مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير واستضافته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. وكان يتعين على المجلس اعتماد قائمة طويلة من التزامات مؤتمر برلين؛ وهي خطوة اعتمدتها الأمم المتحدة للمساعدة في وقف تصعيد الوضع على الأرض في ليبيا. وكان التأجيل مؤشرا آخر على أن مؤتمر برلين قد خذل ليبيا كما فعلت التجمعات السابقة في العاصمة الفرنسية باريس وبمدنية باليرمو في إيطاليا.
والخاصية الأساسية لجميع تلك المؤتمرات بما في ذلك برلين هي عدم احترام القانون الدولي والنفاق الواضح الصريح من قبل القوى الكبرى في التعامل مع ليبيا. ودفع التنافس على النفوذ وعقود إعادة البناء المربحة المحتملة القوى الدولية والإقليمية إلى دعم الفصائل المختلفة في ليبيا الغنية بالنفط والتي أدت إلى حرب بالوكالة. فينما تدعم كل من فرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا والأردن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، فإن تركيا وقطر تساعدان حكومة الوفاق الوطني. وجميع الدول المعنية تبشر بشيء آخر غير ما تمارسه بالفعل.
وأقرت تركيا مؤخرًا قانونًا يسمح بنشر قواتها المسلحة في ليبيا "للدفاع" عن طرابلس ضد هجوم الجيش الوطني الليبي الذي شنه في أبريل الماضي لإسقاط حكومة الوفاق الوطني دون نجاح يذكر. وبالأمس اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بانتهاك وعده بالامتناع عن التدخل في ليبيا. وقال ماكرون "تم رصد سفن حربية تركية يرافقها مرتزقة سوريون يصلون إلى ليبيا". وهذا يؤكد فقط التقارير الإعلامية المحلية وغيرها التي رصدت مرتزقة سوريين في الخطوط الأمامية بجنوبي طرابلس. وتؤكد العديد من التقارير الصحفية حقيقة جود مقاتلين سوريين في ليبيا.
واستخدام المرتزقة السوريين في ليبيا أمر منطقي. لماذا يجب أن يواجه الجنود الأتراك الموت أو الأسر المحتملين من قبل قوات الجيش الوطني الليبي -مع كل الحرج والسعر السياسي-إذا توفر المرتزقة؟ من المنطقي أن يرسل أردوغان السوريين لخوض حربه في ليبيا. وهو يدعي وجود أسس أخلاقية وقانونية عالية بقوله إنه لم يستجب إلا لطلب المساعدة الذي قدمته حكومة الوفاق الوطني الحكومة الوحيدة المعترف بها في الأمم المتحدة في ليبيا. وفي حين أن هذا صحيح إلا أنه مضلل لأنه يتجاهل حقيقة أن الحكومة الوطنية غير شرعية لأن البرلمان الليبي لم يقرها. ويتطلب الاتفاق السياسي الليبي الذي أنتج حكومة الوفاق الوطني أن تفوز في تصويت بالثقة من البرلمان قبل أن تعمل قانونًا. لكن الأمم المتحدة التي سارعت إلى إنهاء النزاع الليبي اعتمدت القرار 2259 في 23 ديسمبر 2015 الذي يعترف بحكومة الوفاق لوطني الليبية باعتبارها السلطة الشرعية الوحيدة قبل أن تكتسب الشرعية الوطنية.
وما سيحدث في مجلس الأمن اليوم يمكن تخمينه بسهولة. في حين أن التأخير ربما كان لاستيعاب "صفقة القرن" التي وضعها دونالد ترامب، إلا أن المجلس منقسم مرة أخرى بشأن ليبيا. وكانت سلطات النقض الخمسة جميعها في برلين والتزموا خلف أبواب مغلقة بوقف تدخلهم في شؤون ذلك البلد. لكن حتى قبل اجتماع اليوم في نيويورك أظهروا القليل من الاحترام لالتزاماتهم. إنهم يواصلون إرسال المزيد من الأسلحة والمقاتلين إلى ليبيا مهددين الهدنة الهشة حول طرابلس والتي لن تستمر لفترة أطول بعد اجتماع اليوم.
والهدوء الذي تم التوصل إليه بوساطة روسية تركية في 12 يناير لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه. ولاحظت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "أونسميل" أن نقل الأسلحة والمقاتلين إلى ليبيا مستمر. وأبلغ سكان طرابلس عن تزايد أصوات إطلاق النار والقصف العنيف هذا الأسبوع.
واتفقت روسيا وتركيا علناً على هدنة، لكنهما وراء الكواليس لم يفعلا ما يكفي للضغط على وكلاءهما لوقف القتال. وقبلت حكومة الوفاق الوطني الهدنة لكنها استمر في تلقي الدعم العسكري بما في ذلك المقاتلون من أنقرة. سيكون من السخف توقع قيام الجيش الوطني الليبي باحترام وقف إطلاق النار بينما تعزز حكومة الوفاق الوطني قدراتها.
وتستفيد موسكو وأنقرة عن طريق الصدفة من المقاتلين السوريين في ليبيا. وبينما تستخدمهم أنقرة بدلاً من استخدام جنودها. فأن موسكو -التي تساعد بشدة الحكومة السورية على استعادة سيطرتها على إدلب-سعيدة للغاية لرؤية عدد أقل من المقاتلين حول إدلب. وقد تختلف موسكو وأنقرة حول العديد من القضايا المتعلقة بسوريا لكن يبدو أنهما متفقان عندما يتعلق الأمر بإرسال مقاتلين سوريين -بمن فيهم إرهابيون مشتبه بهم-إلى ليبيا. وفي حين لا تزال موسكو تدعم حليفها الليبي المشير حفتر إلا أنها لا تمانع في رؤية المرتزقة يقاتلون ضده. ومع ذلك لن تسمح لهزيمته.
ومن غير المريح أن يرى قوم غسان سلامه المبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا -الذي عمل بلا كلل للتوصل إلى بعض التسوية في ليبيا-عمله الشاق يتعرض للقصف من قبل القوى الكبرى غير المسؤولة. ومما لا شك فيه أن سلامه كان جادًا ومصممًا على تحقيق السلام السياسي في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، ولكن مع عدم الإخلاص الدولي فإنه محكوم عليه بالفشل لسوء الحظ.
وهذا النفاق الدولي وعدم الالتزام بإنهاء البؤس في ليبيا تلقي بظلالها على إحباط أي جهود قبلية ليبية للمساعدة في الحفاظ على الهدنة والبناء عليها. ويتم عقد مؤتمر قبلي كبير في بني وليد -جنوب غرب طرابلس-لمحاولة إضفاء بعض المعاني على المشهد السياسي الفوضوي الذي لا معنى له. ومع ذلك فإن الجو السائد في الاجتماع هو جو من الإحباط وخيبة الأمل. وأخبرني ناصر أبو حمرة -الناطق باسم مجلس بني وليد القبلي-"لا يوجد الكثير للقيام به بفضل نفاق القوى الإقليمية والغربية".
ويجب على القوى الأجنبية أن تقدم للأمم المتحدة كل الدعم للمساعدة في التوسط في ليبيا. وإلا فلا تلوم أوروبا ولا جيران ليبيا إلا أنفسهم إذ تتحول ليبيا إلى سوريا أخرى.