في الفترة بين مايو وديسمبر من العام الماضي  هاجم تنظيم داعش الإرهابي ثلاثة مقرات حكومية حساسة في العاصمة الليبية طرابلس  مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى وأضرار واسعة النطاق، وجميع المواقع الثلاثة المستهدفة ترمز إلى سيادة الدولة والسيطرة وقوة الحكومة.

 في 2 مايو الماضي  دمر داعش جزء كبير من مقر اللجنة العليا للانتخابات في منطقة غوط الشعال بغربي طرابلس، وفي نهار 10 سبتمبر الماضي  قام التنظيم الإرهابي مرة أخرى  باستهداف المؤسسة الوطنية للنفط الليبي في قلب طرابلس وفي 26 ديسمبر استهدف مقر وزارة الخارجية  الواقع على الواجهة البحرية ليس بعيدا عن وسط المدينة. وفي الهجمات الثلاثة  يبدو أن الإرهابيين لم يواجهو أي مقاومة تذكر. 

ويبدو أنهم  -في كل حالة- كانوا يسيرون ببساطة بدون مراقبة إلى المبنى المستهدف أثناء ساعات العمل. كيف يمكن أن يحدث ذلك في بلد يتوقع مثل هذه الهجمات؟ يجب أن يكون لدى شخص ما في جهاز الأمن اليقين بأن تنظيم داعش لن يتخلى عن موقعه بهذه السهولة، ولكن للأسف هذا غير موجود في ليبيا!.

وفي أعقاب كل هجوم  كان تنظيم داعش هو من يعلن مسئوليته عن الهجوم  لكنه لم يقدم أي دليل يثبت ادعاءاته. وقد ألقت وزارة الداخلية وغيرها من الأجهزة الأمنية المعنية باللوم على داعش دون أي دليل على ذلك. وبعد كل هجوم يقول مسؤولون  -بما في ذلك وزارة الداخلية- إنهم يحققون ، لكنهم فشلوا حتى الآن في إحراز أي نتائج.

ومر أكثر من ثمانية أشهر على هجوم مايو ولم يتم الإعلان عن أي نتائج نهائية. ولقد مرت ثلاثة أشهر منذ الهجوم على المؤسسة الوطنية للنفط الليبي في سبتمبر  ولم يقدم أي جديد حول كيفية تقدم التحقيق. ومن المحتمل جدا أن يحدث نفس الشيء مع أحدث فظائع وقعت في وزارة الخارجية في أواخر ديسمبر.

هذا الصمت يجعل الليبيين العاديين يشعرون بأمان أقل ويشككون بدرجة كبيرة في من يتحكم حقاً في الجهاز الأمني ولماذا لا تنتهي التحقيقات أبداً بطريقة مرضية، وبعد الهجوم على وزارة الخارجية  -على سبيل المثال- اتهم بعض مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية الحكومة الليبية بأنها تتستر على المخطئين. والشائعات منتشرة لأن الناس لا يتم إخبارهم أبداً بما يجري في أعقاب هذه الهجمات المرعبة.

وبالرغم من ذلك وعقب استهداف وزارة الخارجية مباشرة شن  وزير الداخلية المعين حديثًا فتحي باشاغا نقدا شديدا على أداء الحكومة بما في ذلك أداء وزارته. ووصف الوضع الأمني في العاصمة بأنه "فوضوي". وقال أيضاً إن موارد وزارته  بما في ذلك الموارد المالية والمعدات  "صفر" على حد تعبيره هذا على الرغم من حقيقة أن وزارته تتلقى دائماً أكبر حصة من أي ميزانية حكومية.

إن ما ينطوي عليه الوزير هو أن رأس المال الذي تسيطر عليه الميليشيتا ليس له اليد العليا فقط في الأموال المخصصة لها ولكن أيضا في إدارة الأمن في العاصمة. علاوة على ذلك يبدو أنه يقول إنه  كوزير للداخلية ليس لديه أي سيطرة على الميليشيات رغم أن هذه الميليشيات تدعي الولاء للحكومة.

وهذا يعني أن أي تحقيقات مستمرة أو سابقة تتعلق بالإرهاب لن تؤدي إلى أي شيء من حيث معرفة كيف خطط التنظيم الإرهابي  ونفذ خططه داخل العاصمة.

إن هذا قد يسفر بشكل ما لماذا لم تطالب الحكومة أبداً الشعب - بعد كل هجوم وحشي - بالمساعدة في تحقيقاتها ولماذا تنتظر على الدوام أن يعلن تنظيم داعش مسؤولية على الهجوم رغم عدم وجود دليل.

مثل هذه المواقف لا تعني إلا أن الحكومة لا تأخذ تهديد داعش في ليبيا بجدية كافية أو أنها غير قادرة على فعل ذلك حتى لو رغبت في ذلك.

ومن المتوقع أن يكون هذا العام عامًا مليئًا بالأحداث بالنسبة للبلاد، ففي 2019 من المفترض أن يصوت الليبيون على الدستور الجديد والمجالس التشريعية والبلدية الجديدة وربما رئيس جديد. على الأقل هذه هي الخطة التي وضعها غسان سلامة المبعوث الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا. وليس تنظيمي داعش والقاعدة  هما فقد اللذان يهددان أمن ليبيا فهناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود سيطرة فعالة على الأراضي الشاسعة ، مع وجود أجزاء كبيرة من المناطق الصحراوية ذات الكثافة السكانية المنخفضة والحدود الجنوبية المفتوحة. ويمكن للميليشيات المسلحة من البلدان المجاورة أن تدخل ليبيا في أي وقت تشاء. وفي 28 ديسمبر الماضي هاجم عناصر تنظيم  تشادي متمرد معسكراً عسكرياً تسيطر عليه قوات موالية للمشير خليفة حفتر في تراغن  وهي بلدة صغيرة تبعد 900 كلم جنوب طرابلس.

في الشهر الماضي  نشر موقع ميدل إيست مونيتور مقالا يصف الوجود المتزايد للمتمردين التشاديين  -المعارضين للرئيس إدريس ديبي- في جنوبي ليبيا بسبب عدم سيطرة السلطات على المنطقة. ومنذ الإطاحة بنظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011  أصبحت المنطقة الجنوبية في ليبيا -على وجه الخصوص- ملاذا آمنا لجميع أنواع الأنشطة غير القانونية عبر الحدود بما في ذلك الاتجار بالبشر والأسلحة وتهريب المخدرات وقبل كل شيء الفضاء المفتوح لداعش والقاعدة. هذا بالإضافة إلى أن مختلف الميليشيات القبلية وغيرها من الميليشيات المسلحة التي تهيمن على جنوب ليبيا تتقاتل من حين لآخر على النفوذ والهيمنة.

ويبدو أن المجتمع الدولي  -بما في ذلك الولايات المتحدة- يعتقد أن وجود تنظيم داعش في ليبيا لم يعد يشكل تهديدًا بعد طرده من مدينة سرت  الواقعة على الساحل الليبي في عام 2016، سيثبت قريبا أن هذا خطأ خطير جدًا في الحكم.

في الواقع  تعتبر سرت مدينة خالية من داعش الآن ، لكن بقايا التنظيم الإرهابي ما زالت تتجول في الصحراء الليبية الجنوبية. وما زالوا ناشطين في الاختطاف من أجل الفدية والابتزاز وتهريب أي شيء ذي قيمة.

إن الهجوم الذي وقع يوم 26ديسمبر على  مقر وزارة الخارجية في طرابلس هو تذكرة مقلقة بأن التنظيم الإرهابي يمكنه أن تضرب بشكل عشوائي متى رغب في ذلك. إذا كان للهجوم أن يمثل أي شيء  فهو تذكير مؤلم بأن أجزاء من البلاد معرضة لخطر الوقوع تحت سيطرة داعش مرة أخرى.

وعلى الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة تقود تحالفا دوليا ضد داعش، لا يبدو أن ليبيا مشمولة في هذا الجهد باستثناء الغارات الجوية العرضية التي تقوم بها الولايات المتحدة والتي تستهدف الأفراد المشتبه في أنهم إرهابيون. والتصريح الأمريكي الأخير بأن داعش قد هزم في سوريا لا يعني سوى أن دولاً مثل ليبيا ستستمر في القتال بمفردها. هذا سيترك ليبيا تحت التهديد بينما يراقب العالم تفككها المحتمل.



*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة