خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، مقاله الأسبوعي للحديث عن للطموحات التركية في ليبيا، وكيف تسعى أنقرة إلى تنفيذ هذه الطوحات وفرض نفوذها على ليبيا.

وقال الفيتوري، صدر أحدث بيان من تركيا حول ليبيا في 10 مايو من قبل وزارة الخارجية التي هددت الجيش الوطني الليبي إذا استهدف أي مصالح تركية في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. "إذا تم استهداف مهماتنا –البعثة الدبلوماسية التركية- ومصالحنا في ليبيا، فسوف نعتبر قوات خليفة حفتر أهدافًا مشروعة".

ولم تذكر الوزارة المصالح التي يمكن أن يستهدفها الجيش الليبي. وعلى أي حال ضربت قوات حفتر بالفعل تركيا وإن كان ذلك على نطاق محدود. وفي الواقع كان بيان تركيا يشير إلى قذيفتي هاون قيل أنهما أطلقهما الجيش الوطني الليبي سقطت بالقرب من السفارتين التركية والإيطالية في طرابلس في 8 مايو.

ومنذ نهاية مارس وسعت تركيا نطاق مشاركتها العسكرية لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وأجرت قواتها الجوية وطائراتها بدون طيار عشرات طلعات جوية ضد خطوط إمداد الجيش الوطني الليبي التي تمتد لأكثر من 1000 كيلومتر من شرق ليبيا إلى مواقع في الغرب. وبفضل هذا الدعم من تركيا فقدت قوات حفتر السيطرة على جميع المدن الرئيسية غرب طرابلس في 13 أبريل. في مقال لموقع ميدل إيست مونيتور بتاريخ 23 أبريل توقعت أن الهدف الرئيسي التالي لحكومة الوفاق الوطني سيكون قاعدة الوطية الجوية الضخمة على بعد 125 كم جنوب شرق طرابلس والتي استولى عليها الجيش الوطني الليبي في أغسطس 2014. وأفادت تقارير حول الهجوم الأخير على القاعدة بمقتل أسامة امسيك أحد قادة الجيش الوطني الليبي المرتبط بالمدخليين من السعودية.

إذا خسر حفتر الوطية  فإن وجوده العسكري الفعال في غربي ليبيا سيضعف إلى حد كبير. وقد يفكر أيضًا في الانسحاب، على الرغم من جهوده التي استمرت طوال عام للاستيلاء على العاصمة الليبية. ومع ذلك  فإن مثل هذه الخطوة غير محتملة في المستقبل المنظور لأنها قد تؤدي إلى زواله السياسي.

والسؤال هنا إلى أي مدى تركيا مستعدة للانخراط في ليبيا؟ وما نوع المصالح التركية التي يهددها الجيش الوطني الليبي؟ عندما بدأت أنقرة عملياتها العسكرية لدعم حكومة الوفاق الوطني في يناير أرسلت نحو 100 ضابط مع حوالي 2000 من المرتزقة السوريين لتعزيز دفاع الحكومة عن طرابلس. وفي ذلك الوقت بررت تركيا إجراءاتها بادعاء أن حكومة الوفاق الوطني دعتها للمساعدة في إجبار حفتر على العودة إلى طاولة المفاوضات وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار وربما اتفاقية سياسية طويلة الأمد في ليبيا. كما لو كانت يعد الأرضية السياسية لخطوته التالية اتفق الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في اسطنبول في 8 يناير على فرض وقف إطلاق النار على حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي اللذين تدعمهما موسكو. ولأسباب واضحة  رفض حفتر التوقيع على هذا الاتفاق عندما كان في روسيا في 14 يناير. ومع ذلك عقدت هدنة لمدة أسبوعين بصرف النظر عن خروقات عرضية.

وتشير الأحداث على الأرض حتى الآن إلى مشاركة تركية أوسع في المستنقع الليبي. وفي الآونة الأخيرة صعدت أنقرة عملياتها العسكرية  ولا سيما استخدام سلاحها الجوي وطائراتها بدون طيار. وقد تم الإبلاغ عن أضرار جانبية في بني وليد وحولها يمر من خلالها مسار إمداد الجيش الوطني الليبي. كما استُهدفت ترهونة القاعدة الرئيسية للجيش الوطني الليبي في غرب ليبيا عدة مرات مع وقوع خسائر بين المدنيين.

وفي غضون ذلك يعمل مؤيدو حفتر الأجانب بما في ذلك الإمارات ومصر على تصعيد دعمهم له، لكنهم لا يبدون على استعداد لمطابقة قدرات تركيا. ومع ذلك شهدت طرابلس الأسبوع الماضي أعنف قتال منذ شهور بقصف طوال الليل.

ويبدو أن أردوغان الآن أكثر تصميما مما كان عليه قبل شهر. والخطاب الصادر عن أنقرة لا يذكر وقف إطلاق النار ولا المفاوضات كأهداف رئيسية فالهزيمة الكلية للجيش الوطني الليبي هي الهدف. ويبدو أن إبقاء حكومة الوفاق الوطني في مكانها في طرابلس -هو هدف أنقرة الرئيسي - نتيجة مضمونة، وقد تحول الهدف الآن إلى طمس الجيش الوطني الليبي  مما أجبره على التراجع أو حتى الاستسلام. وتصريح وزارة الخارجية التركية هذا الأسبوع في حين أكد على الدفاع عن العاصمة الليبية هدد حفتر مباشرة إذا هاجم المصالح التركية في ليبيا دون تحديد ماهية تلك المصالح. وشعورًا بالاطمئنان من الدعم العسكري التركي رفضت حكومة الوفاق الوطني في 1 مايو دعوة حفتر لوقف إطلاق النار الإنساني خلال شهر رمضان المبارك.

ويبدو أن أنقرة تنظر إلى ليبيا كجزء من اهتمامها الجغرافي السياسي الأوسع في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. من الناحية الاستراتيجية، وتعد ليبيا بوابة إفريقيا وتتمتع بأكبر احتياطيات نفطية مثبتة في القارة تقدر بحوالي 46.4 مليار برميل. كما يشعر أردوغان بالقلق من أن خسارة المعركة ضد حفتر وأنصاره الأجانب يعني خسارة المعركة السياسية الأوسع في المنطقة ضد مصر والإمارات العربية المتحدة وبدرجة أقل المملكة العربية السعودية. وخطوط المعركة لهذا تم رسمها قبل تسع سنوات.

إن سياسات تركيا التوسعية في شرق البحر الأبيض المتوسط على وجه الخصوص تثير غضب العديد من البلدان. أدان وزراء خارجية مصر وقبرص واليونان وفرنسا والإمارات العربية المتحدة في بيانهم الصادر في 11 مايو ما أسموه "التدخل العسكري التركي في ليبيا". وهم يتهمون أنقرة بالتوقيع على صفقة بحرية "غير قانونية" مع حكومة الوفاق الوطني التي تنتهك حقوقهم.

وإلى جانب شريكها الأصغر قطر تخوض تركيا أيضًا معركة سياسية إقليمية أخرى بدأت مباشرة بعد "الربيع العربي" عام 2011 الذي اكتسب فيه الإسلام السياسي زخمًا. وانتخبت مصر في 30 يونيو 2012 أول رئيس منتمي لجماعة الإخوان المسلمين  الرئيس المصري السابق محمد مرسي. وفي تونس حقق الإسلاميون بعض المكاسب في 2014. وفي العام نفسه شق الإسلاميون في ليبيا طريقهم إلى السلطة مما أثار المواجهة العسكرية الجارية. يميل الرئيس أردوغان نحو السياسة الإسلامية ويعتبر نفسه عرّاباً لنظرائه الإقليميين، إن لم يكن أولئك الذين حول العالم.

ويريد الزعيم التركي الآن انتصاراً شاملاً له ولوكيله  -حكومة الوفاق الوطني- بغض النظر عن ما قد يعنيه ذلك لليبيا ككل. الوقت وحده سيحدد ما إذا كان مستعدًا حقًا لتحقيق هذا الهدف النهائي والانتصار في الحرب الأهلية الدموية في ليبيا. في غضون ذلك ستستمر مأساة بلدي.