كشف السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، عن كواليس رحلته إلى لاهاي لحضور جلسة المحكمة الجنائية الدولية بشأن محاكمة سيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي.
وقال الفيتوري، في تدوينة بعنوان (رحلة الألف كيلومتر إلى لاهاي) نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ذهبت إلى لاهاي لحضور جلسات الاستماع للاستئناف المقدم من قبل فريق الدفاع عن المواطن الليبي سيف الإسلام معمر القذافي لسببين رئيسين:
1-ان الجلسات كانت حاسمة لأنه بعدها ستقرر المحكمة استمرار ملاحقة المعني أم لا. وفي هذا سيتم تناول ليبيا كدولة وقوانينها وسيادتها وما يجري فيها يعني الموضوع يمس ليبيا أولا وأخيرا ولا علاقة له بأحد مواطنيها الا كونه موضوع الجلسات. انا ذهبت من اجل ليبيا وأهلها. لست محاميا ولا فقيها قانونيا وبالتالي موقفي وكلامي لا يفيد (قانونيا)أحد. ولكنني يمكن ان أفيد ليبيا في معركة الرأي العام وربما أثر كلامي على القضاة وقراراهم ايضا. كلامي مفيدا ايضا في اعطاء القضية بعدا وطنيا كونها تمس ليبيا واهم أعمدتها كدولة الا وهو القانون والقضاء!
2-المعروف عني أنني مهتم بالكارثة التي حلت بنا وتركيزي شديد جدا على قضايا محددةــ تكاد تنساها الأغلبية ــ وهي/ كذبة الاغتصاب كسلاح في الحرب. كذبة الآف الضحايا في الايام الأولى للأحداث. استخدام الأسلحة المحرّمة ضد ليبيا ومنها اليورانيوم المنضب. أنكار حق الضحايا المدنيين لقصف النيتو. واخيرا التدخل الأجنبي في ليبيا وأسقاط سيادتها. ولأنني دقيق فيما أكتب، وأنا كاتب قبل كل شيء، أسعى دوما وراء الحقيقة المجردة وليس وراء التشهير أو التبجح او الاستخدام السياسي للحقائق بشكل يلوي أعناقها. وهذه القضايا محل اهتمامي صعبة ومعقدة ومكلفة سياسيا في الداخل. ولكنني اتحمل مسئوليتي كأبن لبلدي يهمني شأنها وشأن أهلها وأتحسس جدا وأغضب جدا ان رأيت ما يمسها او يحط من شأن أهلها. ليبيا بالنسبة لي أكبر منا جميعا وما نحن الا خدما لها. التفريط فيها أو خيانتها او التقليل من شأنها أمرا مرفوضا مني ولا اناقشه حتى!
ملاحظات فنية:
1-انا لم أذهب الا على مسئوليتي الخاصة. لم أتلق مساعدة من أحد بل ذهبت بإمكانياتي الخاصة وعلى حسابي قطعت مسافة ألف كيلومتر تقريبا ذهابا وأيابا ولم أطلب ولا أرجو اي معونة في هذا لأنني أجزم أن هذا واجبي فقط لا غير. من أغضبه ذهابي كمن أرضاه لهما ما يريان ولي ما أرى. وكوني كاتب الموضوع يهمني أيضا. تفسير حضوري بأنني منحاز هو تفسير غير دقيق وتفسيره بأنني محايد هو تفسير خاطئ جدا. في ليبيا لست محايدا ولن اكون!
2-دخولي إلى القاعة الرئيسية في المحكمة (عادة ممنوع الا لدوي الاختصاص) مكنني من مراقبة كل شيء من الداخل. وبروتكول المحكمة ألزمني بما قد لا أرضاه مثل ارتداء الثوب الأسود وياقته البيضاء. الجلسات تمت وفق أليات التحقيق المفتوح حين تتاح الفرصة لعدد ممن لهم مصلحة او صلة بموضوع الجلسات وأنا لي مصلحة وصلة كما أسلفت كما كان أخرون موجودون هناك ليسوا أطرافا مباشرة ولكن لهم مصلحة بشكل ما وليس بالضرورة مصلحة خاصة او مباشرة. منهم من يرى مصلحته في انصاف الضحايا المزعومين ومنهم من يرى مصلحته في حماية القانون الليبي ومنهم من يرى مصلحة في حماية القانون الدولي..وهلم جرا..أنا كانت مصلحتي ليبيا وما وقع فيها وما قد يقع في الجلسات. كنت كمراقب أقرب الي كوشنير في محكمة لوكربي مني الي جيم سواير في نفس المحكمة!
3-في أتصال هاتفي مع المحكمة يوم الجمعة 8 نوفمبر فهمت بعض الجوانب الإجرائية مما شجعني على الحضور. كان ذلك الاتصال مهم جدا لأنه مكنني من أيجاد طريقة بديلة للحضور فيما لو تم منعي من الدخول الي القاعة الرئيسية.
4-تعاني المحكمة من مشاكل كبيرة في الترجمة ولأنني لاحظتها خلال متابعتي في اليوم الأول قررت التحدث بالإنجليزية لأن من أستهدفهم بكلامي يفهمونها ولم أكن أعلم أن المحكمة ستبث جلساتها حية. وهذا إيجابي لأنه ان علمت لربما ساورتني نفسي أن أخاطب جمهور خارج المحكمة في ليبيا مثلا وهذا قد يؤثر على مصداقيتي وجدية قولي. سوء الترجمة حرّف بعض قولي أيضا. وهالني حين أتصل بي أحدهم وأنا مرهق ومتعب في نهاية اليوم ليثني علي! فسألته كيف عرفت ما قلت؟ فقال إن المحكمة تبث الجلسات! ولأنني نمت مبكرا في تلك الليلة لم أشاهد اي شيء الا في فجر اليوم التالي! والحقيقة استغربت ردود الفعل بكل أطيافها ومحل استغرابي هو ان الناس ليست غافلة وتتابع باهتمام هذا الموضوع مما يعني أنني على صواب وأنني أتحمل مسئولية ما في توضيح بعض خفايا ما جرى.
5-كل الليبيين الذين حضروا جاءوا على الأرجح من اجل ليبيا ويستحقون التحية. ليبيا كانت همي كما كانت همهم وما موضوع الجلسات الا وسيلة اليها.
6-فهمت أنني سأحظى بقرابة 15 دقيقة وهذا كان كافيا ولكن القاضي الرئيس قلّص وقت الجلسات لأسباب تخصه ولم يعترض أحد. في اليوم الأول كان يفترض ان ترفع الجلسة الساعة 5 ونصف فاذا بها تنتهي قرابة الخامسة الا ربع يعني خسرنا 45 دقيقة وفي اليوم الثاني انتهت حوالي 4 وربع يعني ساعة اخرى ضاعت. ولأن الجدل القانوني أستغرق وقتا طويلا ومرهقا تقلص الوقت أمام أمثالي ولهذا بالكاد تحصلت على 5 دقائق وتمت أضافة دقيقة اخرى. أقسم بالله العظيم لو تحصلت على ربع الساعة كاملة لسمعتم وقرأتم ما قد يفاجئكم سلبا أو ايجابا ولكن؟ ومع أنني بدلت جهد داخل القاعة وفي الكواليس للحصول على وقت أكبر ولكن للأسف دون جدوى.
7-كنت حريصا على الا أثير القاضي الرئيس او أغضبه حتى لا يحرمني من الكلام ولهذا استخدمت لغة بسيطة وسهلة ومؤدبة ولكنني في قرارة نفسي كنت أغلي غضبا وكنت احيانا لا اميز من أمامي بسبب غضبي الشديد خاصة بعد ظهر يوم الثلاثاءــ اليوم الأخير من الجلسات ويوم العار الليبي علنا وعلى مسرح دولي! ولكنني كنت أيضا اعتمد استراتيجية أن أمرح بالقاضي قليلا حتى يتسع صدره لي ومن ثم لأقول ما أريد كاملا فأن لم يعجبه سيصبح في حيرة. أن أسكتني والعالم يشاهد ستحسب ضده وأن تركني حينها سيسمع ما لم يكن يتوقعه! مقاطعته لرئيس فريق الدفاع السيد عيسى فال حين تطرق الي جدية المحكمة والسياسة فيها نبهتني الي توخي الحذر!
8-حين وصلت لم اعلم من هو ممثل السلطة الليبية ولم اتذكر وجهي من كانوا ممثليها حينها ولم أعرف من هم! أنا لا اعرف الجهاني ولا لملوم ولا حتى صورتهما وأن كنت أتذكر الجهاني جيدا كاسم وكتبت عنه. وحين ألتقينا في غرفة جانبية وعرفت ان وزير العدل حاضر أزداد غضبي ولكن سرعة اللقاء وغرابته (لم يعرفني من كان حاضرا الي الرجلين) وقصره لم تمكنني من مخاطبته بأن هذا ليس مكانه ولا عيب أن يحضر بنفسه! تذكرني الجهاني من التلفزيون وتذكرته من ندوة قديمة في التسعينيات. وبداء وكأنه لا يطيقني!
9-ونظرا لأنني لم أتمكن من اعداد اي شيء مكتوب اضطررت الي اعداد ملاحظات قصيرة أثناء الجلسات منها ما تعلق ببعض ما قيل وبعضها مما أردت قوله.
توقعاتي/
القاضي الرئيس بداء لينا وباسما ومرحبا بالجميع وفق عمله ولفت نظري دقته وأسالته الدقيقة حول القضية وخاصة حين يسأل ممثلي الوفاق وصناع العار في لاهاي! بداء لوهلة ان القاضي أستغرب لماذا تقول السلطات الليبية أنها توافق على ان تستمر القضية ضد أحد مواطنيها! وبداء أيضا مستغربا وربما ساخرا من ان وزير العدل بشحمه ولحمه يشكك في أهلية القضاء الليبي وجديته وقدرته على تناول هذه القضية! وبناءا على هذا فأن التوقع المنطقي هو أن تسقط المحكمة القضية وتسقط ملاحقة المتهم. ولكن حضور وزير العدل (ليس وزير الداخلية مثلا ولا وزير الخارجية) بل العدل (يعني الدراع التنفيذي والتنظيمي للقضاء وحامي القضاة ومحل ثقتهم وراعي القوانين) وقبوله للدعوة امام المحكمة ومطالبته باستمرار القضية سوف يلعب دورا حاسما في قرار المحكمة بدون اي شك. ولهذا فأن الاحتمال المبني على التداول والترافع ــ وليس التحليل ــ ستستمر القضية وستستمر المحكمة في المطالبة بتسليم المتهم.
طبعا لا ننسى ان هذه محكمة مسيسة بصفة عامة وأنها تبحث عن نصر في ليبيا بعد تسع سنوات من الملاحقات التي تكاد تنتهي الي لا شيء. وعلينا أن نتذكر أن المدعي العام بن سودا في أفادتها أمام مجلس الأمن يوم 5 نوفمبر، اي أسبوع قبل الجلسة، قالت وبالحرف الواحد "بغض النظر عن نتيجة الجلسات في الاستئناف القادم فسيظل على ليبيا التزام القبض على سيف الإسلام وتسليمه اليها" يعني هي قررت مسبقا مسار القضية ونتيجة الجلسات. وهذه كانت أحد النقاط التي كنت أنوي الخوض فيها ولكن..؟
طبعا هذه الجلسة أهم من كل الجلسات التالية التي قد تأتي على الأقل بالنسبة لي لأن ما سيأتي سيكون جدلا قانونيا معقدا وخاليا من اي حديث عن جدوى المحكمة وهدفها النهائي. وأحد النقاط التي لم أتمكن من قولها هي أن التدخل الدولي ــ وأن كان قانونيا ــ في النزاعات المحلية يجب ان يكون هدفه واحد ووحيد الا وهو: مساعدة البلد محل النزاع على الوصول الي حل توافقي تقبله الأغلبية وليس استخدام العقاب والجزاء بأفراط مما يؤدي الي تأجيج الصراع وتجدير الفتن والخلافات بين أهل البلد الواحد وللأسف هذا ما يجري في ليبيا. فالمتهم اليوم يمثل تيارا لا يمكن انكار وجوده أو التقليل من قوته وشعبيته وبالتالي الحاق الضرر به ــ وأن كان باسم القانون ــ سيفسره أنصاره على انه مسيس ومقصود وينطوي على نوايا سيئة وبالتالي هذا يعيق اي محاولات تصالح ويعيق اي توافق بين الناس في ليبيا!