أصبحت ليبيا دولة تتنازع عليها القوى الغربية للسيطرة على مواردها النفطية ولفرض الهيمنة على سواحلها الاستراتيجية شمال القارة الإفريقية، وذلك بعد أكثر من عقد من الفوضى السياسية والانقسامات التي عصفت بالبلاد منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، فكان آخر ما وصلت إليه الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، هو تشكيل فيلق عسكري أوروبي – ليبي، في شكل جديد من أشكال التدخل والهيمنة.
حيث تناقلت وسائل الإعلام الليبية والإيطالية، عن تكوين فيلق جديد هدفه المعلن "حفظ الأمن وحماية الحدود"، بينما في حقيقة الأمر يسعى لمواجهة النفوذ الروسي المتنامي وإضعاف معسكر الشرق الليبي، بدعم مالي ليبي، مبينة أن الفيلق الجديد سيتكون من عناصر مسلحة ليبية وأجنبية على أن توكل مهمة قيادته والإشراف عليه لعناصر عسكرية أجنبية.
وفي تطور ملفت أشار مراقبون إلى أن إيطاليا قد بدأت بالفعل بممارسة ضغوطات كبيرة على المعسكر الشرقي في ليبيا، وبدأت بتعزيز التعاون مع الحكومة والجيش في طرابلس.
حيث قالت شرطة وهيئة الجمارك في إيطاليا، الثلاثاء، إن السلطات صادرت طائرتين عسكريتين مسيرتين صنعتهما الصين كانتا في طريقهما إلى مدينة بنغازي، إذ كانتا مخبأتين ضمن معدات لتوربينات الرياح.
وقالت الشرطة وهيئة الجمارك في بيان مشترك أن السلطات عثرت على الطائرتين مفككتين في 6 حاويات بميناء جويا تاورو في منطقة كالابريا بجنوب إيطاليا، وكانتا مخبأتين بين شفرات لتوربينات الرياح. وأضاف البيان أن السلطات صادرت الطائرتين بذريعة خضوع ليبيا لحظر دولي على الأسلحة.
من جهته بحث رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، محمد الحداد، مع الملحق العسكري للدفاع الإيطالي لدى ليبيا، فرانشيسكو مارينو، آليات التعاون العسكري المشترك بين البلدين، ومناقشة عمل اللجنة الليبية الإيطالية للتعاون العسكري.
وكانت قد أفادت مصادر عسكرية لوسائل الإعلام، أن الملحق العسكري لوزارة الدفاع الإيطالية ناقش بعيدًا عن عدسات الإعلام مسألة نشر قوات إيطالية إضافية في ليبيا، وإمكانية توزيعها في عدد من المدن الساحلية وخصوصًا في مصراتة، لتعزيز خطط تشكيل الفيلق الأوروبي – الليبي.
بينما تباحث رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، في اتصال هاتفي مع نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني، الملفات السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
وتناول الطرفان منتدى الهجرة عبر المتوسط المزمع عقده في طرابلس منتصف يوليو الجاري، وإنشاء إطار استراتيجي يعزز الحوار والتعاون بين أفريقيا وأوروبا في هذا الملف.
وبحسب مراقبين فإن إيطاليا تسارع لتشكيل الفيلق الأوروبي والتغلغل في جميع النواحي السياسية والعسكرية في ليبيا، قائلين : "إيطاليا متخوفة من زيادة النفوذ الروسي في القارة الإفريقية خصوصًا بعد أن شاهدت جارتها فرنسا تخسر مناطق نفوذها واحدة تلو الأخرى، وبذلك فهي تحاول تأمين مصالحها في ليبيا التي تعتبر شريانًا حيويًا من النفط والغاز والاستدامة".
وأضافوا : "ليبيا تعتبر الباحة الخلفية للدول الأوروبية، وامتدادًا لمحور اهتمام أوروبا والغرب، وتشكيل الفيلق الأوروبي – الليبي ليس إلا بداية سلسلة من التدخلات التي تهدف لإضعاف موقف معسكر الشرق الليبي، وخنقه اقتصاديًا وسياسيًا، من أجل الانفراد بليبيا كدولة حليفة وخاضعة لإرادة واشنطن وحلفائها".
وتكمن معضلة التدخلات الخارجية في ليبيا في وجود حكومة مؤقتة غير منتخبة من قبل الشعب وفاقدة للشرعية في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي لم تنفك تبرم صفقات نفطية وتعقد اتفاقيات ملزمة لا تتمتع بالشرعية لإتمامها، وبدلاً من أن يتم تسخير أموال الشعب الليبي المجمدة في بنوك الغرب وصرفها على إعادة اعمار البنية التحتية ودعم المشاريع الاقتصادية، يتم استخدام هذه الأموال لبناء فيلق أوروبي يحفظ الأجندات والمصالح الغربية على حساب مصالح الشعب الليبي.