قد لا تخلو السير الفنية لمخُرجين سينمائيين مرموقين اليوم، من "فيلم قصير" كان مُنطلقهُم على درب الاحتراف واكتساب دربة في عوالم السينما وفنونها.
ولكن هذه الأفلام ذوات الدقائق المحدودة والصور المُكثفة، وحمالة المعاني المُضمرة، الهامسة قولا دون تصريح، تُجمع مختلف مدارس الفن السابع على أنها صنف سينمائي معقد ومميز، يتجاوز كونه مُسودات إخراجية مُمهِدة لإنجاز أفلام طويلة، تتعقد حبكاتها، وتتعدد شُخوصها، أوفيلم بسيط لا يتعدى الاهتمامُ به حُدود مشاريع التخرج الطلابية.
المغرب وعلى خلاف عدد من دول الجوار العربي، أضحى خلال السنوات القليلة الماضية، يُشكل مركز استقطاب سينمائي لافت، ويعرفُ على وجه الخصوص حركية استثنائية على مستوى إنتاج الأفلام السينمائية القصيرة، وتنظيم مهرجانات فنية خاصة بها.
والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الموعد السينمائي الأبرز في الأجندة الثقافية السنوية في المغرب، ابتدع منذ دورته العاشرة سنة 2010، تقليدا جديدا، يفتحُ من خلاله الباب للطلاب المدارس السينمائية، لإبراز مواهبهم الصاعدة وتشجيعهم على تطوير قدراتهم الفنية في أفق دخول ميدان الاحتراف، حيث تنتقى أجود أفلام التخرج القصيرة لهؤلاء الطلاب للمشاركة في مسابقة "سينما المدارس" التي يرأس لجنة تحكيمها خلال الدورة الحالية المخرج الموريتاني المرموق "عبد الرحمن سيساكو".
"سيساكو" نفسه، يعتبر من المخرجين العرب المميزين في ميدان إخراج "الفيلم القصير"، حيث اختار منذ بداية مشواره نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إفراد الأفلام السينمائية القصيرة بعناية خاصة، فرغم احترافه على مدى ثلاثة عقود وإخراجه لعدد من الأفلام الروائية الشهيرة، حافظ "سيساكو"على صلة وصل وثيقة بالفيلم القصير، وواصل عمله الإخراج مبدعا في هذا الجنس السينمائي.
عدد من الأفلام الروائية المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، تعد أيضا بالنسبة لمُخرجيها الشباب، أول عمل سينمائي طويل لهم في مسارهم الفني، دون أن يعيب ذلك جودة أفلامهم وتمكنهم اللافت من تقنيات الإخراج وإدارة الممثلين، واختياراتهم المُوفقة لسيناريوهات الأفلام.
فالمخرج الكوري الجنوبي "شيم سونك"، والسويسري "سيمون جاكمي"، والهندي "اديتا فيكرام سينغويتا" لاقت أولى أعمالهم السينمائية الطويل استحسانا واسعا من قبل جمهور مهرجانات دولية عدة نافسوا على جوائزها الكبرى، من ضمنها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.
المغرب الذي يقول مسؤولو شأنه الثقافي إنه يتوجه خلال السنوات القليلة الماضية، نحو إعادة هيكلة الحقل السينمائي وتنظيمه وفق قواعد مهنية عالمية، يشترط مركزه السينمائي الوطني (مؤسسة سينمائية عمومية) على كل جهة راغبة في الاستفادة من منح الإنتاج التي يقدمها سنويا، أن يضم سجلها المهني ثلاث أفلام قصيرة على الأقل، قبل الموافقة على منحها دعما ماليا لإنتاج فيلم سينمائي طويل، في إشارة إلى ضرورة العناية بهذا الصنف السينمائي الذي يؤهل كل مخرج مستقبلا لإبداع أعمال سينمائية طويلة مميزة.
وعلى الرغم من أن الفيلم يظل المُتبدأ الحتمي لكل مخرج شاب يتلمسُ طريقه في حقول السينما الواسعة، لاعتبارات مشجعة، ترتبطُ بسهولة توفير الموارد المالية ومعقولية تكلفة الإنتاج، وقابلية سرد محكية ذات معاني عميق في دقائق معدودة، لكنه يبقى في ذات الآن خيارا واعيا لدى عدد من المخرجين الذين في يجدون في هذا الصنف السينمائي، ذاك "السهل الممتنع" الذي يتطلب إخراجه حضورا ذهنيا عاليا، وسيناريو دقيق يختزل مشاهد عدة في صور قليلة، وحوار مُكثف.
ويرتقب أن يعلن مساء اليوم الجمعة، اسم الفيلم الفائز مسابقة "سينما المدارس" من ضمن 10 أفلام متنافسة تمثل مدارس سينمائية في مختلف أرجاء البلاد، القامة على هامش الدورة الرابعة عشر للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، حيث سيُمنح مبلغ للطالب صاحب الفليم الفائز من أجل إنجاز شريطه القصير المُقبل، خلال السنوات الثلاث التي تلي الإعلان عن فوزه بالجائزة، وتتابعُ إدارة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الطالب خلال مختلف مراحل إعداده لهذا الفيلم.
وينظم المغرب سنويا عددا من المهرجانات السينمائية التي تعنى بالفيلم القصير، كمهرجان الفليم المتوسطي القصير بطنجة (أقصى الشمال)، ومهرجان العالم العربي للفيلم القصير بإفران (شمال)، حيث تعرض عدد من التجارب السينمائية للمخرجين شباب من جغرافيات سينمائية مختلفة.