دعا قادة أفارقة إلى تبني مقاربة جديدة لتقييم الثروة الخضراء للقارة، مؤكدين أن المقاييس الحالية للناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول الأفريقية أصبحت قديمة وتقلل بشكل كبير من قيمة ثرواتها الحقيقية.

جاءت هذه الدعوة خلال فعالية استضافتها مفوضية الاتحاد الأفريقي ومجموعة البنك الأفريقي للتنمية يوم الخميس بمقر بعثة الاتحاد الأفريقي لدى الولايات المتحدة، وذلك على هامش اجتماعات الربيع لعام 2025 لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وأكدت السفيرة هيلدا سودا-مافودزي، الممثلة الدائمة لبعثة الاتحاد الأفريقي لدى الولايات المتحدة، على ضرورة ترجمة الأقوال إلى أفعال، مشيرة إلى أن الوقت قد حان لتحويل الالتزامات والتعهدات إلى إجراءات ملموسة. وأضافت: "علينا الاستثمار في أنظمة حساباتنا القومية. وإذا أردنا قياس ثرواتنا بدقة وبناء مخزون من الأصول، فيمكننا الاستفادة منها لتحقيق طموحاتنا في الرخاء المشترك والتنمية المستدامة".

وشهد الحدث مناقشة مستفيضة لتقرير مجموعة البنك الأفريقي للتنمية لعام 2024، الذي كشف عن أن إدراج قيمة الكربون الذي تحتجزه الغابات الأفريقية وحدها كان سيضيف مبلغًا هامًا قدره 66.1 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للقارة في عام 2022، أي بزيادة تقارب 2.2%. وقدم البروفيسور كيفن أوراما، كبير الاقتصاديين ونائب رئيس البنك الأفريقي للتنمية، النتائج الرئيسية للتقرير الذي حمل عنوان "قياس الثروة الخضراء للأمم: رأس المال الطبيعي والإنتاجية الاقتصادية في أفريقيا".

وشدد القادة على أن التقييم الدقيق للموارد الطبيعية في أفريقيا سيحدث تحولًا جذريًا في المشهد المالي للقارة، مما يفتح آفاقًا واسعة للوصول إلى التدفقات المالية العالمية، وتحسين التصنيف الائتماني للدول، وإيجاد فرص جديدة للاستثمار في الاقتصادات الخضراء والبنية التحتية القادرة على التكيف مع تغير المناخ.

وتكتسب هذه الدعوة إلى العمل زخمًا خاصًا قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في شهر نوفمبر المقبل في بيليم بالبرازيل، حيث من المتوقع أن يضغط القادة الأفارقة من أجل إدخال إصلاحات جوهرية على البنية التحتية الاقتصادية والمالية العالمية، بحيث تعكس بشكل أكثر دقة ثروة أفريقيا الخضراء ومساهماتها القيمة في تحقيق الاستدامة.

وفي حلقة نقاش حول الخطوات العملية نحو تطبيق نظام الحسابات القومية لعام 2025 في أفريقيا، أكد رئيس الوزراء النيجيري علي لمين زين على أهمية إعادة تعريف هوية أفريقيا، مشيرًا إلى أن القارة لا تحظى بالتقدير الكافي، وأن هناك حاجة إلى عمل استراتيجي لتغيير هذا الوضع.

وأشار المشاركون إلى أن العديد من الدول الأفريقية لا تزال تعتمد على أنظمة حسابات قومية تعود إلى عام 1968، في حين أن نظام الحسابات القومية هو نظام دولي موحد للمفاهيم والأساليب المعتمدة عالميًا.

ودعت وزيرة الاقتصاد والمالية في مدغشقر، ريندرا رابارينيريناريسون، إلى تعزيز نقل التكنولوجيا وبناء القدرات التقنية لتمكين الدول الأفريقية من إنشاء أنظمة إحصائية مناسبة لرأس المال الطبيعي. وأوضحت أن مدغشقر بدأت بالفعل مشاريع تجريبية للاستفادة من مواردها الطبيعية وقياس قيمتها، معربة عن أسفها لوضع بلادها الغنية بمواردها الطبيعية ولكنها ليست مصنفة ضمن الدول الغنية.

ووصف إريك ستراسنر من إدارة الإحصاء في صندوق النقد الدولي التقرير بأنه "تحويلي"، مؤكدًا استعداد الصندوق للتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي والحكومات لتنفيذ توصياته، مع التركيز على تحديد الأولويات الخاصة بكل دولة لوضع خطة تمكنها من مواكبة النظام الجديد لتقييم رأس المال الوطني.

واستشهدت السفيرة سودا مافودزي بأرقام البنك الأفريقي للتنمية التي تشير إلى أن إعادة حساب الناتج المحلي الإجمالي للدول الأفريقية بناءً على احتجاز الكربون بواسطة الغابات وحده سيحدث تأثيرًا كبيرًا، حيث تقدر الزيادات بنسبة 38.2% في كوت ديفوار، و36.7% في بنن، و33.5% في النيجر. وشددت على ضرورة ضمان التقييم السليم للثروة الخضراء في أفريقيا لتحسين التصنيف الائتماني للاقتصادات وتعزيز الوصول إلى التمويل اللازم للتنمية.

وفي عرضه التقديمي، لفت نائب الرئيس أوراما الانتباه إلى القيمة الاقتصادية الهائلة للموارد الطبيعية في أفريقيا، والتي تقدر بنحو 6.2 تريليون دولار أمريكي في عام 2018، وإلى حقيقة أن القارة تستحوذ على 26% من احتجاز الكربون العالمي القائم على الغابات على الرغم من مساهمتها المتواضعة بنسبة 4% فقط من انبعاثات الكربون العالمية.

وأوضح أوراما أن التقييمات الاقتصادية غالبًا ما تتجاهل ثروة أفريقيا الخضراء ومساهمتها في توفير سلع عامة عالمية وخدمات نظم بيئية حيوية، مما يؤدي إلى التقليل بشكل كبير من تقدير الناتج المحلي الإجمالي للدول الأفريقية. وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي لا يشمل أيضًا خدمات النظم البيئية والأنشطة الاقتصادية غير الرسمية. وأشار إلى أن إعادة تقييم هذه الأصول من خلال محاسبة رأس المال الطبيعي ونظام الحسابات القومية المحدث، الذي يضم القطاع غير الرسمي، سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا وتحسين فرص الحصول على التمويل المستدام.

وأكد أوراما أن الأمر لا يتعلق فقط بتصحيح الإحصاءات، بل يهدف أيضًا إلى ضمان قابلية مقارنة مقاييس الناتج المحلي الإجمالي للدول في أفريقيا والعالم من خلال تحديث نظام الحسابات القومية للدول لضمان تطابق سلة السلع والخدمات المدرجة في مقياس الناتج المحلي الإجمالي وتجنب المقارنات غير الدقيقة. ودعا الدول الأفريقية إلى تخصيص ميزانيات مناسبة لتطوير أنظمة المحاسبة القومية وإعادة تحديد أساس ناتجها المحلي الإجمالي، مؤكدًا أن هذا يمثل "استثمارًا ذكيًا يمكن أن يحقق نتائج مُرضية".

ووصف البروفيسور فيكتور موريندي، الأمين التنفيذي للاتحاد الأفريقي للبحوث الاقتصادية، النموذج الجديد الذي طوره البنك الأفريقي للتنمية بأنه "نموذج تحويلي"، معتبرًا أنه خطوة جريئة لسد الفجوة المنهجية في كيفية قياس الناتج المحلي الإجمالي للدول، بما يراعي ثروتها الحقيقية، وأن توصياته توفر مادة ثرية للاقتصاديين للعمل عليها في السنوات القادمة لتحسين منهجية تقييم ثروة الدول.

وفي الختام، أكد البنك الأفريقي للتنمية التزامه بالعمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وشركاء آخرين لتنفيذ توصيات التقرير. ويعمل البنك حاليًا على اتخاذ خطوات عملية تشمل وضع أساليب موحدة لتقييم الموارد الطبيعية، وربط الأهداف البيئية بالسياسات الأخرى، وتدريب الخبراء المحليين في جميع أنحاء أفريقيا، ومساعدة الدول الأفريقية على تسويق منافعها البيئية في أسواق الكربون العالمية. كما سيستضيف البنك المجتمع الأفريقي لممارسات محاسبة رأس المال الطبيعي.