للمرة الأولى، أجرى قاضيان فرنسيان بنفسيهما مقابلات مع بعض الفاعلين الليبيين في فضيحة الأموال الممنوحة من نظام معمر القذافي لحملة نيكولا ساركوزي الانتخابية في عام 2007.
برفقة عناصر من فرقة التدخل التابعة للدرك الوطن، زار القاضيان سيرج تورنير واود بوريسي، مصحوبين بقيادي في شرطة مكتب مكافحة الفساد، طرابلس حيث أمضيا ثلاثة أيام من 4 إلى 6 فبراير.
بزي السجناء الأزرق الذي وُضعت فوقه سترة ومعطف، عُرض عبد الله السنوسي، صهر معمر القذافي، ورئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي على القاضيين الفرنسيين، بحضور محام ليبي، وممثل للنائب العام الليبي.
عبد الله السنوسي، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الليبية، والذي غالبا ما يقال عن الرجل أنه أحد أبرز كاتمي أسرار النظام السابق، بادر زواره بالقول خلال جلسة يوم 5 فبراير : "كان نيكولا ساركوزي زعيم عصابة أكثر منه رئيس دولة،".
وكان مصدر رفيع في مخابرات عربية قد قدمه عام 2012 لرويترز باعتباره "الشاهد الرئيسي على الفساد المالي والاتفاقات التي تورط فيها العديد من القادة والدول، بما فيها فرنسا."
وقال السنوسي أمام المحققين الفرنسيين :" حاول نيكولاس ساركوزي قتلي عدة مرات بتفجير مكتبي، في منزلي، في الجنوب. تم هدم 12 منزلا في غضون دقيقة ونصف. لقد رأيت طائرة بدون طيار تسقط بالقرب مني".
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية أفادت في 19 أغسطس 2011 أن قوات الناتو، بقيادة فرنسا على وجه الخصوص، قصفت منزل السنوسي في حي غرغور السكني في الساعة الخامسة من صباح اليوم نفسه في طرابلس.
وقد مات طباخ هندي في الغارة ودُمرت مدرسة. و نقلت فرانس بريس عن أحد الجيران آنذاك، وهو فوزي علي قوله :"إنه حي سكني. لماذا يقصف حلف الناتو هذا الموقع؟ لا يوجد جنود هنا".
مبكرا، ومنذ سبتمبر 2012، أثار عبد الله السنوسي موضوع مدفوعات إلى نيكولا ساركوزي أمام قاض في المحكمة الجنائية الدولية، قبل تقديم تفاصيل ذلك في يناير 2017 في جلسة استماع للقضاة الليبيين.
وقال عبد الله السنوسي، في 5 فبراير، في تقرير استطاعت Mediapart الاطلاع عليه : "لديكم تصريحاتي الأولى، وهي واضحة للغاية، ولا زلت متمسكا بها."
وفي مواجهة القاضيين الفرنسيين، استذكر المسؤول السابق المراحل المختلفة للمحادثات التي كانت ترمي لدعم حملة الرئيس الفرنسي المستقبلي، إلى أن بلغت المدفوعات التي يقول إنه أشرف عليها، إلى ما يصل إلى 7 ملايين يورو.
وقد وُجهت إلى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اتهامات في هذه القضية، منذ مارس 2018، بتهمة الفساد، وإخفاء اختلاس الأموال العامة والتمويل غير القانوني للحملة الانتخابية.
وزير الداخلية السابق كلود غيان، والمسؤول المالي للحملة الانتخابية عام 2007 إيريك وورث، وهو الرئيس الحالي للجنة المالية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، متهمان أيضا في هذه القضية، مع اتهامات أقوى لكلود غيان، بالإثراء الشخصي.إلا أنهما ينكران معا بشكل قاطع وجود تمويل ليبي.
بالنسبة للعدالة الفرنسية، فإن عبد الله السنوسي ليس شخصا عاديا. فقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1999 في قضية الاعتداء على الطائرة أو تي أ UTA DC-10 .
ومع ذلك، يعتقد القضاة المسؤولون عن قضية التمويل الليبي الآن أن وعودا بإعادة النظر في وضعه الجنائي يمكن أن تكون جزءًا من الاتفاق المبرم مع فريق نيكولا ساركوزي.
كما تمت إثارة هذا الموضوع في الاجتماعات الأولى التي أجراها زياد تقي الدين مع كلود غيان، مدير الحملة في المستقبل، حيث اعترف الرجلان في المسطرة الأولى.
أمام القضاة، أعلن عبد الله السنوسي أنه "منزعج" من الموضوع الذي يربطه بالقضية، لكنه يؤكد: "كلود غيان جاء لرؤيتي في سرت، قدم لي ورقة. [...] أخبرني أن قضيتي في فرنسا ستتم تسويتها خلال ستة أشهر. أخذت الورقة، لكنني لم أوقعها. "
"الشيء المهم الثاني هو أن نيكولا ساركوزي أرسل محاميا شخصيا له، تييري هيرزوغ"، الذي وصل في طائرة خاصة مع وفد. ناقشوا موقفي واتفقوا على برنامج. "
كما قالت ميديا بار بالفعل من قبل، فقد زار تييري هيرزوغ طرابلس في 26 نوفمبر 2005، أي بعد شهرين من الزيارة الرسمية الأولى لنيكولا ساركوزي إلى ليبيا، ليلوح بـ "الإلغاء" الصريح للإجراءات ضد السنوسي.
ووفقا لأربعة تقارير من الزيارة أنجزها قانونيون ليبيون (ثلاثة باللغتين العربية وواحد بالإنجليزية)، فقد رافق هرزوغ إلى طرابلس، فرانسيس زيبنر، أحد المحامين في الحزب الحاكم، و لجمعية SOS Attentats وعائلات لضحايا اعتداء طائرة أوتي أ .
وخلال توجيه الاتهام إليه في القضية، في مارس 2018، كان نيكولا ساركوزي وصف متهميه بـ "العصابة المارقة والإجرامية"، ونفى أي تدخل لتييري هيرزوغ لصالحه. وبرر الرئيس السابق موقفه في مارس 2018 قائلا: "هذا السيد السنوسي حاول بكل الوسائل الاستفادة من مهارات تييري هيرزوغ".
صمت تييري هيرزوغ المحرج
في مقابلة أجريت معه في 12 ديسمبر الماضي، تحصن محامي نيكولا ساركوزي وراء السر المهني ورفض الإجابة على أسئلة المحققين "حتى لا يعيق حقوق الدفاع عن السيد نيكولا ساركوزي"، على حد قوله.
وفي أكتوبر، رفض السيد سزبينير في البداية الامتثال لاستدعاء القضاة، واكتفى بإرسال رسالة نفى فيها أن يكون زار ليبيا أو تواجد فيها عام 2005.
وأخيراً، في 22 أكتوبر، وأمام إصرار القضاء، أنكر السيد سزبينر بشدة أي تدخل لصالح عبد الله السنوسي، على الرغم من المستندات والشهادات المتوافقة التي جمعها المحققون.
بالنسبة إلى عبد الله السنوسي، فإن تدخل تييري هيرزوغ هو "دليل" في قضية التمويل. ويقول السنوسي: "إذا أرسلوا لي محاميهم، فهذا ليس من أجل سواد عيوني". هرتزوغ كمحام جاء بناء على طلب نيكولا ساركوزي لأنه يثق به. "
أمام القاضيين اللذين جاءا لرؤيته في طرابلس، استعاد عبدالله السنوسي التسلسل الزمني للأحداث. واستذكر أنه أثار مسألة تمويل حملة ساركوزي مع كلود غيان عندما وصل إلى طرابلس في سبتمبر 2005.
وقال، :"تناولنا العشاء معا في مطعم في غارغاريش، ناقشنا حقيقة أننا كنا مستعدين لدعم نيكولا ساركوزي حتى يتمكن من لوصول إلى رئاسة الجمهورية".
خلال هذه المقابلة، تم الاتفاق على أن فرنسا ستقدم لليبيا، عبر شركة متخصصة في الأمن، أجهزة للاستماع ومراقبة حركة الإنترنت وجميع الاتصالات. لا تزال هذه الأدوات موجودة لأن الأمن يستخدمها حاليًا. "
ويشير عبد الله السنوسي هنا إلى الاتفاق مع الشركة الفرنسية "أميس"، التي كان مسؤولاً عنها بالفعل في ليبيا، والتي تلقى الوسيط زياد تقي الدين عمولات بشأنها تزيد عن 4 ملايين يورو.
وتذكر السنوسي أن زيارة ساركوزي إلى طرابلس في عام 2005 تبعت مباشرة تقريبا زيارة مدير ديوانه: "لقد تم الترحيب به كرئيس دولة". وقال السنوسي إنه أجرى اتصالات هاتفية مع الزعيم الفرنسي خلال الزيارة.
وأوضح، :"اتصل بي من خلال الوسيط زياد تقي الدين الذي أخبرني أنه كان ينتظرني في فندق كورينثيا في الطابق الخامس عشر في جناحه". لكنه حذره من أن "الاجتماع المباشر" يمكن أن يكون له "تأثير سيء" لأنه "مشبوه في فرنسا" في إشارة إلى قضية أوتي أ.
ويذكر السنوسي أن "الطلب" الذي نقله زياد تقي الدين في أعقاب زيارة نيكولا ساركوزي ارتفع إلى 20 مليون يورو، وأن مبلغ المساهمة الذي كان مسؤولاً عنه بنفسه كان 7 ملايين يورو.
وفصّل في تصريحه السابق، في عام 2017 :"هذا المبلغ تم تحويله عدة مرات من قبل البنك الليبي الخارجي بناء على تعليمات من البنك المركزي الليبي وبناء على طلب من فرع الاستخبارات" ،.
جاءت الأموال من حسابات مديرية الاستخبارات المفتوحة في البنك المركزي الليبي بناء على تعليمات السيد أحمد رمضان، أمين سر الرئاسة [...]، لدفع مبلغ 7 ملايين يورو لحساب مديرية المخابرات العسكرية، وذلك لدعم حملة ساركوزي، وكلها بأوامر من معمر القذافي. "
ووفقًا لروايته، فقد كان بريس أورتفو هو من سلم له أثناء زيارة إلى طرابلس، "ورقة باسم البنك ورقم حساب"، مشيرًا إلى أنه ذلك هو الحساب الذي يجب أن تنقل إليه مبالغ الأموال الليبية لدعم حملة ساركوزي الانتخابية ".
وقال السنوسي في الخامس من فبراير "احتفظت بنسخة لهذا الكشف .. في المنزل لكن القصف الذي استهدف منزلي دمّر كل شيء."
وكان عبد الله السنوسي قال في عام 2017 إنه بمجرد تسلم المبالغ، أخبره زياد تقي الدين أنه "أشرف شخصيا على عملية تسليم المبالغ النقدية لنيكولا ساركوزي، في مكتبه، على عدة مرات" .
وقال الوسيط إنه نقل المبالغ وسلم شخصيا 5 ملايين أورو لكلود غيان ونيكولا ساركوزي، في أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007.
ووجد الباحثون آثار حوالة مصرفية ليبية بقيمة 2 مليون أورو - بتاريخ 20 نوفمبر 2006 - على حساب يدار من قبل تقي الدين، مايرفع المبلغ الإجمالي للتمويل الممنوح عبر قناة السنوسي إلى 7 ملايين أورو.
ومع ذلك، يجب توضيح نقطتين من خلال التحقيق. أولا، السنوسي يقول إنه اجتمع مع بريس أورتفو في نوفمبر عام 2006، في حين اعترف الوزير الفرنسي السابق بأنه رآه في ديسمبر 2005 خلال لقاء سري يحير المحققين بشكل كبير : هذا اللقاء رأسا لرأس عقده بريس أورتفو مع السنوسي خلال رحلة إلى طرابلس، دون أي مبرر حقيقي، وخصوصا في ظل وجود زياد تقي الدين، ولكن في غياب أي مسؤول فرنسي (دبلوماسي، سفير، مترجم، حارس، الخ .).
ثانياً، قال زياد تقي الدين إنه أخذ النقود التي سيسلمها لنيكولا ساركوزي من ليبيا، وليس من شباك حساب أجنبي تم إرسال الأموال إليه. إلا أن عبد الله السنوسي يعترف أنه لا يعرف كل شيء عن "التفاصيل الفنية" للعملية.
في فرنسا، أكدت عدة عناصر شكوك التمويل المشبوه:
* مدير الحملة، كلود غيان افتتح سرا في عام 2007 قبوا ضخما في وكالة BNP في باريس، فقط خلال الانتخابات الرئاسية. وأكد دون أن يقنع أمام الشرطة أن ذلك كان بغرض تخزين خطابات نيكولا ساركوزي.
مبالغ نقدية كبيرة غمرت الحملة، دون أن يقوم أمين الصندوق آنذاك، إيريك وورث، بشرح مصدرها بشكل مقنع، وفقا للمحققين.
مسؤولون ليبيون آخرون من بينهم مدير مكتب القذافي السابق بشير صالح غذوا أيضا عشيرة ساركوزي، وفق تصريحات السنوسي الذي قال للقضاة:"أعلم أن بشير صالح أعطى كلود غيان 8 ملايين يورو لتمويل الحملة. سمعت ذلك من بشير صالح مباشرة. " الشخص المعني أقر بنفسه أخيرا، أمام كاميرات (France 2)، بوجود فساد فرنسي ليبي في انتخابات 2007، دون إعطاء مبالغ محددة.
من جانبه قال عبد الله السنوسي، زميله السابق، إن المبلغ الذي تكلف به صالح، تم نقله عبر "أصدقاء جزائريين مشتركين" و"علاقات بشير صالح وسيف الإسلام القذافي".وبالتالي، فإنه يثير للمرة الثانية الوسيط الفرنسي الجزائري ألكسندر جوهري، الخاضع حاليا لسيطرة القضاء في لندن.
وقال في عام 2017 :" إن بشير صالح كان على علاقة وثيقة مع مجموعة من الأشخاص، بمن في ذلك شخص من جنسية جزائرية مرتبط بشيراك ومستشاريه".
هذا "الشخص"، ألكسندر جوهري، مستهدف منذ يونيو 2017 بأمر اعتقال صدر ضده من قبل القضاة الفرنسيين فيما يتعلق بالعديد من الجرائم التي يشتبه فيها: الفساد، إخفاء الأموال العامة، غسيل أموال، والتهرب الضريبي، وما إلى ذلك.