مهّدت التطورات الميدانية الأخيرة في ليبيا خاصة منها استهداف منطقة الهلال النفطي وتفجير زليتن، لعملية عسكرية ضد تنظيم داعش،وأحدث ما يتمّ تسريبه عن تحضيرات الحملة العسكرية نقلتها مواقع غربية على شاكلة تقارير أشبه بنصائح عسكرية أو أقرب إلى تسريب سيناريوهات يجري الإعداد لها بالفعل.

وقد أعربت العديد من الدول في مناسبات عدّة عن قلقها من تعاظم نفوذ تنظيم داعش في ليبيا، وتمكنه من السيطرة على مدينة سرت وبعض المناطق المحاذية، لها ممّا يزيد من احتمال تحوّل ليبيا إلى منطقة تدريب للجماعات الجهادية بدل العراق وسوريا، وهو ما يحصل بالفعل بالنظر إلى وجود العديد من معسكرات التدريب التي يشرف عليها قادة أنصار الشريعة ومقاتلون في صفوف داعش. وفتحت هذه المخاوف من تغلغل داعش في ليبيا وتمكنه من استقطاب الآلاف من المقاتلين من جنسيات مختلفة الباب أمام احتمال تنفيذ تدخل عسكري في ليبيا.وتنطلق تحضيرات الأمريكيين وحلفائهم من فرضية تقول إن 5 آلاف مقاتل من"داعش"يسيطرون حاليا على نحو عشرة مواقع نفطية في البلد استنادا إلى أرقام مصدرها استخباري.

وجذبت التطورات الأمنية التي تفرض نفسها على المشهد الليبي، كثيراً من المبادرات الإقليمية والدولية التي رأت في نفسها مشروعاً يمكن التعويل عليه للخروج من الأزمة المتفاقمة. فإلى جانب الجهود المبذولة على المسار السياسي لاستئناف الحوار الوطني، ودعوة جميع الأطراف للجلوس إلى طاولة البحث عن حلول جوهرية، لا تزال الإشكالية الأمنية وما ينطوي عليها من خلط لأوراق سياسية وتوجهات فكرية، تشي بأن الخروج من المأزق يحتاج إلى مبادرة إصلاح الداخل الليبي.يجمع المتابعون للمشهد الليبي أنّ رئيس الحكومة الليبية المكلف فايز السراج، في وضعية لا يحسد عليها إطلاقا، بسبب استمرار تعنت المؤتمر الوطني العام ورئيس مجلس النواب الليبي، لذلك بات السراج يعوّل كثيرا على دعم القبائل وممثلي المجالس البلدية ومكونات المجتمع المدني . حيث تعددت لقاءاته واجتماعاته في تونس مع الوفود القادمة من ليبيا.

وفي حين تُجمع المصادر على تأكيد أن الشكل العام للحملة سيكون هجوما جوّيا وبحريا صاروخيا كاسحا ومركزا ضد التنظيم إلاّ أن أحدا لا يدّعي امتلاكه تفاصيل عن ماهية الأدوار التي ستكون موكلة للقوّات البرّية وعمّا إذا كانت الجيوش الليبية النظامية أي الفِرق التابعة لكل من القيادتين في طرابلس وطبرق ستشارك بشكل مباشر.وعبّر العديد من السياسيين الليبيين ونواب برلمان طبرق عن رفضهم للحل العسكري، مطالبين بتسليح الجيش الذي رغم إمكانياته المحدودة إلا أنه تمكن من محاصرة داعش في مدينة درنة وضرب خطوط إمداداته البرية والبحرية.ويستدعي الوضع في ليبيا تضافر جهود المجتمع الدولي، وخاصة رفع حظر السلاح عن قوات الجيش الوطني حتى تتمكن من دحر الميليشيات الإسلامية وتفكيك الكتائب الإرهابية في مختلف مناطق البلاد. وتعالت الأصوات المنادية بضرورة دعم الجيش الليبي في حربه ضدّ التنظيمات الجهادية ورفع حظر الأسلحة عن ليبيا، وهو ما لم تستجب له الأمم المتحدة لاعتبارات عدّة أهمها أن قرارا مماثلا سيكثّف حالة الفوضى وسيحوّل ليبيا إلى خزّان للأسلحة التي من المرجح أن يستفيد منها المتشددون. وفي هذا الصدد، أكدت حكومة الوفاق المقترحة بقيادة فايز السراج، في بيان سابق لها، أنها ستعمل جاهدة لرفع حظر السلاح عن قوات الجيش نظرا للدور البطولي لأفراد القوات المسلحة في مقارعة الإرهاب، وتخليص البلاد منه

من جهتها قالت جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية إن تنظيم "داعش" يسعى بشكل جدي لإبقاء ليبيا في "خانة الفشل"، وإفشال جهود تشكيل حكومة وفاق وطني مع تأسيس تجارته الخاصة لبيع النفط الليبي.وعزت الجريدة في تقريرها الأحد الماضي ذلك إلى أن التنظيم كثف هجماته ضد المنشآت النفطية تزامنًا مع توقيع الأطراف الليبية الاتفاق السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة، لعرقلة تشكيل حكومة وفاق وطني.وأن هدفه هو إفشال الحكومة عن طريق حرمانها من عوائد النفط التي تحتاجها لإعادة بناء مؤسسات الدولة وقوات نظامية تستطيع مواجهة التنظيم، وبعدها يستطيع تأسيس تجارته الخاصة لبيع النفط الليبي بطرق غير قانونية، وجاءت هجمات ميناءي السدرة ورأس لانوف ومدينة زليتن تأكيدًا على هذا النهج الذي يتبعه التنظيم.

ويرى مراقبون للشأن الليبي أنّ "داعش"يخشى من توسع الشرائح الداعمة للسراج في الداخل الليبي، حيث سيواجه تهديدًا إذا نجحت الأطراف المتنافسة في تشكيل حكومة وفاق تستطيع توفير الأمن، ولهذا يسعى لحرمان الحكومة المقبلة من عائدات النفط اللازمة لذلك سارع بارتكاب الجرائم الإرهابية الأخيرة واختيار المكان الذي يحمل رمزية مهم، فزليتن متاخمة لطرابلس والهلال النفطي ايضا يحمل بعدا رمزيا. فالقطاع النفطي من بين اهم القطاعات الحيوية اذ يعدّ عماد الاقتصاد الليبي ودون استقراره لن تتمكن الحكومة القادمة من التحرك مهما كان حجم الدعم الخارجي.وأشارت عدة تقارير نشرتها وسائل إعلام أن التنظيم يعمل حاليًا على استقطاب وتجنيد مهندسين وخبراء يستطعون العمل في مجال النفط وتشغيل المنشآت النفطية، من بين آلاف الليبيين الذين لا يجدون عملاً مناسبًا بسبب ظروف الحرب.

وطلبت الحكومة الليبية المؤقتة وبعض دول الجوار وعلى رأسها مصر من مجلس الأمن تسليح الجيش الليبي ورفع الحظر المفروض عليه، حتى يتمكن من القضاء على التنظيمات الجهادية التي تغوّلت مستفيدة من حالة الانقسام السياسي والفوضى المستشرية.ويجمع المتابعون للمشهد الليبي أنّ الحرب ضد الإرهاب تستوجب توحيد الصفوف، وانه لا مستقبل للإرهاب و"داعش" في ليبيا التي عرفت على مدى التاريخ بالاعتدال والتعايش السلمي.