كغيرها من القطاعات الحيوية، فإن النظام الصحة في ليبيا عرف تقهقرًا وتدنيًا في مستوى الخدمات بسبب غياب الأمن وصراع الفرقاء على السلطة، ولم تعد المستشفيات والمرافق الطبية قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية.
ويشتكي الليبيون من ضعف الخدمة الطبية المسداة في ظل النقص الفادح في الكادر الطبي وشبه الطبي إضافة إلى التعطل المستمر للأجهزة نتيجة غياب الصيانة وتجديد قطع الغيار، ما دفعهم إلى السفر للدول المجاورة وخاصة تونس ومصر والأردن وتركيا لتلقي العلاج والرعاية الضرورية رغم تكاليفهم المشطة.
ويعود النقص الواضح في الموارد البشرية كالأطباء والممرضين في المستشفيات إلى غياب الأمن وانعدام الاستقرار، كما دفع النزاع المسلح العاملين في القطاع الصحي من الأجانب الذين يمثلون 20%، منهم ما يُقارب 3 آلاف فلبيني، إلى مغادرة ليبيا.
في ذات الصدد، نشر موقع ميدل إيست آي، المختص بالتحليلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط تقريرا حول الحالة التي يرثى لها التي وصل إليها القطاع الطبي في ليبيا، وجاء هذا من خلال إجراء مقابلة مطولة مع طبيب ليبي شاب، واكتفى الموقع بالإشارة للطبيب باسم محمد للحفاظ على سرية هويته.
وقال الموقع إن تسع سنوات من الصراع الداخلي والإهمال الحكومي تركت نظام الرعاية الصحية الليبي في حالة قريبة من الانهيار - لذلك كان الطبيب حديث التخرج محمد يعرف أن وظيفته الأولى في جناح الصدمات في أحد المستشفيات الرئيسية في طرابلس ستكون صعبة.
ولكن في غضون أشهر اندلعت حرب أهلية أخرى للسيطرة على العاصمة بين الحكومات المتنافسة في ليبيا ووجد الطبيب 28 عامًا نفسه يعالج جرحى الحرب من المدنيين والمقاتلين.
ثم قبل شهر من الآن تم دفعه إلى خط مواجهة طبي آخر عندما أعلنت ليبيا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا.
وقال الطبيب محمد "لقد كنت حاضراً ثلاث مرات عندما استقبلنا مرضى فيروس كورونا المشتبه بهم، وفي كل مرة الأمر نفسه - فوضى".!
وأضاف "لا يتدرب معظم الطاقم الطبي على الأمراض المعدية، لذا فإن الجميع يشعرون بالذعر، ولأن لا أحد يعرف ما يجب القيام به فإن الجميع يخمنون، ويفعلون ما يعتقدون أنه صحيح".
واوضح "العديد من الممرضات يخرجن قائلين إنه ليس لديهن معدات أو ملابس واقية ولا يريدن أن يمرضن خوفا على عائلاتهن. وأنا لا أستطيع إلقاء اللوم عليهن، لأنه صحيح".
وحذرت ستيفاني توركو ويليامز رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الأسبوع الماضي من أن القصف المكثف بالإضافة إلى جائحة فيروس كورونا قد يهدد النظام الصحي المتدهور بالفعل في البلاد.
وناشدت منظمة الصحة العالمية المجتمع الدولي، تقديم 43.5 مليون دولار العام الجاري، لتوفير تدخلات منقذة لأرواح 388 ألف شخص لصالح متضرّري الصراع المستمر في ليبيا.
وقال بهذا الصدد، ممثل منظمة الصحة العالمية في ليبيا،" الاستثمار في صحة الناس بليبيا أمر حاسم في المستقبل، لكن إذا لم يتوافر التمويل الكافي، فسوف يترك مئات الآلاف من الناس محرومين من الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها".
التدهور في الخدمات الصحية في عموم ليبيا، دفع المرضى التوجه إلى المصحات العلاجية الخاصة، على أمل الشفاء من أمراضهم افتقدوا علاجها داخل المستشفيات الحكومية.
فوفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك انهياراً كبيراً في النظام الصحي، مع وجود أربعة فقط من أصل 98 مستشفى تعمل بنسبة 75% من طاقتها، كما وثق تقريرٌ سابق، صدر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حدوث 36 هجوماً على المرافق الطبية أو العاملين أو المرضى بين مايو 2017 ومايو 2018، علاوة على أن الأمراض التي كانت قد اختفت من ليبيا مثل الملاريا وغيرها تعود الآن وبقوة للمجتمع الليبي.
ولا يتوقف قصور أداء المؤسسات الصحية على نقص الأدوية فحسب، حيث تعاني أيضا من نقص في الكوادر الطبية الأجنبية، التي بدأت في مغادرة المستشفيات مع بروز الانقسام السياسي في ليبيا عام 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية.
وفي مارس 2018، أجرى البنك الدولي مسحًا لمرافق الرعاية الصحية الأولية الليبية، كشف فيه أن نفاد الأدوية أمر شائع، إذ أبلغ 57% من مقدمي الخدمات عن نقص الإمدادات الأساسية، على سبيل المثال الضمادات والحقن إلى جانب المعدات الطبية الوظيفية والمواد والإمدادات الإدارية، وهو ما يؤثر سلبًا على قدرتهم على أداء وظائفهم.
من ذلك، يرى مراقبون أنه من أهم أسباب تدهور القطاع الصحي في ليبيا، استمرار النزاع المسلح في ليبيا عمق من تدهور خدمات القطاع الصحي، فالنظام في ليبيا ضعيف وهش من الأساس، ولا يقوم على نظم هيكلية صحيحة أو إدارة ناجحة.