فتح صدره ل"بوابة افريقيا" كما لم يفتحه من قبل، وتحدث بإطناب عن أسباب فشل حزبه في الإنتخابات معترفا بوجود أخطاء في التسيير والإتصال وفي أعلى هرم القيادة.

وشدد على أن الاستقطاب الثنائي بين نداء تونس والنهضة شفط القاعدة الإنتخابية للجمهوري وأفرغ ساحة الوسط بهدف إبرام صفقة للتحالف واقتسام الحكم في المرحلة المقبلة.

هذا ما جاء على لسان القيادي والرجل الثاني في الحزب الجمهوري عصام الشابي في حوار ل "بوابة إفريقيا الإخبارية " تطرق فيه إلى واقع حزبه بعد هزيمة الانتخابات المدوية ورهاناته في قادم الأيام وأهم الإجراءات المتخذة لإنقاذ السفينة إضافة إلى كل التحديات التي تشهدها البلاد وهي تستعد لإنهاء المرحلة الإنتقالية.

عصام الشابي اعتبر كذلك أن نداء تونس جنى على حزبه وكل من اقترب منه مؤكدا من جهة أخرى أن اللقاءات والمشاورات بين الندائيين والنهضويين ليست وليدة اللحظة بل هي متواصلة منذ لقاء باريس الشهير بين السبسي والغنوشي. وأشار إلى أن النهضة تسعى إلى لجم قواعدها حتى لا تصوت للمرزوقي في الدور الثاني من الرئاسية مضيفا أن معركة الرئاسة لم تحسم لفائدة مرشح نداء تونس مثلما يعتبر البعض.

وفي ما يلي نص الحوار.

ما جديد هيكلة الحزب بعد الإعلان عن النتائج الهزيلة وغير المسبوقة في الانتخابات التشريعية والرئاسية؟

اجتمع أعضاء المكتب السياسي وقيادة الحزب الجمهوري لتدارس الأوضاع الداخلية للحزب بعد النتائج الهزيلة في الإنتخابات بوجهيها التشريعي والرئاسي. وذلك من أجل الوقوف على الأسباب الموضوعية والسياسية العامة التي ساعدت على حصول مثل هذه النتائج، ليس فقط بالنسبة للجمهوري بل كل الأحزاب الاجتماعية والديمقراطية في تونس. إلا أن هذا الأمر لا يعفينا من تحمل مسؤولياتنا الخاصة في هذا الصدد والوقوف على مختلف العناصر المتداخلة سواء على المستوى السياسي أو التنظيمي أو التسييري أو الاتصالي.

وماهي أهم القرارات التي تم اتخاذها في الغرض؟

تقرر حديثا تكوين 4 أو 5 مجموعات عمل لتوسيع قاعدة التشاور والتقييم حتى تشمل الإطارات الوسطى والقاعدية وكذلك إقتراح سبل الإصلاح والتجاوز. في كل الأحوال نحن نعتقد أنه لا بد من إصلاحات جوهرية وعدم الإقتصار على القشور لأن الحزب في حاجة إلى سياسة تواصلية جديدة للوقوف على بعض الأخطاء السياسية وتقييم دورها في ما حصل وتوضيح تموقع الجمهوري في الخارطة السياسية المقبلة إضافة إلى تطوير الهياكل التسييرية وضخ دماء جديدة من عناصر جديدة بمعنى تشبيب وتأنيث بعض المواقع في الحزب. وهذا سيكون في أفق المؤتمر القادم أي خلال 5 أشهر تقريبا وذلك بغاية مأسسة كل القرارات والإصلاحات التي سيتم إقرارها من خلال الجولة التقييمية التي قمنا بها.

ولكن بماذا تفسرون الهزيمة المدوية التي مني بها حزبكم في الإستحقاقين التشريعي والرئاسي؟ وهل صحيح أن أخطاء القيادة هي من جنت على الجمهوري إضافة إلى غياب الديمقراطية داخله حسب ما اعتبرته بعض الأطراف؟

هناك أسباب موضوعية، فالجمهوري كغيره من الأحزاب الأخرى تعرض إلى عملية سحب لقاعدته الإنتخابية وشفطها لفائدة الإستقطاب الثنائي الحاد الذي سيطر على الإنتخابات. هذا عامل هام في هذه النتيجة لأنه لو اقتصر الأمر على الحزب الجمهوري لأمكن البحث عن أسباب أخرى. ما حدث أنه كان هناك فراغ في الوسط وعندما وقع إستقطاب حاد راح ضحيته كل من اقترب من أحد القطبين. المؤتمر والتكتل اللذان اقتربا من النهضة حصدا نتائج هزيلة في الإنتخابات وحزب المسار وغيره كذلك دفعوا ثمن إقترابهم من نداء تونس.

أما بالنسبة للأسباب الذاتية أو الداخلية، أقول إن المسار السياسي للجمهوري سليم والأحداث أثبتت ولو بعد حين، صحة المواقف التي اتخذها. نحن كان هدفنا البحث عن المصلحة الوطنية وتهيئة تونس للخروج من مرحلة الإنتقال الديمقراطي وبناء الجمهورية الثانية. لكن ربما أن هذه المواقف لم تجد ما يكفي من الترويج للرسائل السياسية التي نحملها، ربما كانت مواقفنا عقلانية أكثر من اللزوم ولم تنفذ بما يكفي إلى أذهان التونسيين ولم تجسد لهم حلما يمكن أن يسيروا وراء الحزب من أجل تحقيقه.

خطابنا السياسي إضافة إلى رسائلنا كان عقلانيا يتجه نحو تقديم المصلحة الوطنية العليا على المغانم والمكاسب الحزبية، لكنه بكل تأكيد لم ينفذ إلى الشرائح الأوسع من التونسيين. وبالتالي لم يكن هذا الخطاب قادرا على تعبئتهم في المعركة الإنتخابية. ومن الأكيد أيضا أن العملية التقييمية مازالت جارية والقيادة السياسية هي من تتحمل المسؤولية في هذا الإخفاق ولا بد أن تشمل عملية التقييم أداء القيادة.

كيف ذلك؟ ومن أي جانب؟

من حيث حسن إدارة دواليب الحزب و من حيث اختيار أساليب وتوقيت المعارك السياسية التي خاضها.

وهل يتحمل رئيس الحزب نجيب الشابي هذه الأخطاء السياسية التي ارتكبها الجمهوري؟

بقدر ما يكون السياسي مناضلا وبقدر ما يتقدم في المواقع الأمامية بقدر ما تتعاظم مسؤوليته عن النتائج التي يتحصل عليها الحزب إن سلبا أو إيجابا. وبالتالي، فالأستاذ نجيب الشابي ومحدثك وباقي أعضاء المكتب التنفيذي هم من يتحملون المسؤولية الأولى في هذه النتائج. وهذا الأمر لا يعفي الهياكل الجهوية والقيادات الوسطى من تحمل المسؤولية إلى درجة ما.

هل جنى التقارب مع حركة النهضة على الجمهوري؟

نحن لم نتأخر يوما عن مصارحة التونسيين بقراءاتنا للأوضاع وما تستلزمه من حلول. وكنا أول من أعلن معارضته لحركة النهضة بعد إنتخابات 2011 وكان لنا دور رئيسي في الوقوف ضد عديد المنزلقات التي تتهدد البلاد. وكنا في نفس الوقت الذي نخوض فيه معارك سياسية ضد أداء حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة نرى أن هذه الحركة من صميم المجتمع وأحد أهم المكونات السياسية التي لا يمكن إستئصالها أو اقصاءها من الحياة السياسية دون أن يحدث ذلك شرخا مجتمعيا دفعت تونس ثمنه زمن الإستبداد ولا نرى أنها قادرة على تحمله في الأوضاع الإنتقالية. لذلك كنا دعونا إلى الحوار والتوافق معها لتجاوز الأزمة التي مرت بها البلاد ولم يكن ذلك من منطلق التقارب معها بل من منطلق الحرص على إنجاح الإنتقال الديمقراطي والنأي ببلادنا عن الهزات العنيفة وتجنيبها سيناريوهات بعض عواصم الربيع العربي وهو ما انتهى إلى الحوار الوطني ونجحت فيه تونس بفضل قدرة أبناءها على التوافق لا على الإختلاف.

وتبعا لذلك تعرض الحزب إلى حملة تشويه استهدفته وروجت أنه يعمل على مد حبل النجاة لحركة النهضة والتحالف معها. هذه الحملات قادتها أطراف كنا نعتقد أنها قادرة على بناء تحالف مدني وديمقراطي واسع. إلا أنها خيرت مهاجمة الأحزاب التي قامت بحمايتها في الظروف الصعبة وكانت سياستها تعمل على إخلاء الساحة السياسية وإضعاف الأحزاب الديمقراطية والإجتماعية حتى تتمكن من التفاوض مع حركة النهضة باعتبارها القوة الوحيدة المقابلة لها.

هل تقصدون أن الجمهوري من ضحايا حركة نداء تونس، سياسيا بالطبع؟

يمكن أن نعتبر أن الجمهوري هو أول الضحايا للحملة التي قادها نداء تونس، في حين كان ثاني ضحاياه حزب المسار. واليوم نرى أن الجبهة الشعبية هي الضحية الثالثة لهذا الحزب. نحن نعلم أن نفس الجهات المالية والإعلامية التي دعمت نداء تونس هي من دعمت كذلك الجبهة الشعبية في الإنتخابات. ولكنها اليوم انتقلت إلى شن هجمات عليها بمجرد أن الجبهة لم تندفع في تأييد مرشح النداء في الرئاسية.

لكن بعض الجهات أفادت بأن نجيب الشابي تلقى وعدا بالدعم من حركة النهضة كرئيس توافقي، بماذا تردون؟

أولا، نحن لم نبحث إطلاقا ولم نسع إلى طلب دعم من النهضة ولا غيرها في الإنتخابات. ثانيا، نحن توجهنا إلى التونسيين برؤية وبرنامج وكنا نعلم ونحن على يقين بأن النهضة حركة مصلحية لا تقبل أن تساند إلا من سار في ركابها والجمهوري ورئيسه ليس من طينة هؤلاء السياسيين. نحن أصحاب قضية وأصحاب مبادئ لا نقبل أن نمارس السياسة بالمناولة لدى أحد. كما أن الأحداث ورغم مرارة النتائج قد أثبتت معدن الحزب وسفهت كل الحملات التي استهدفته واستهدفت زعيمه بالتشويه.

وماذا بشأن تموقعكم في المرحلة المقبلة؟

الجمهوري سيكون دائما في نفس الموقع. الخسارة الإنتخابية لا يمكن أن تؤثر في تموقع الحزب أو توجهه السياسي. لكن نحن في حاجة إلى مراجعات وإصلاحات بالتشاور مع كل الأحزاب الاجتماعية والديمبراطية.

هل الدخول في تحالفات عبر جبهة موحدة أو إئتلاف مع هذه الأحزاب يبقى قائما؟

ممكن. هذا الأمر سابق لأوانه. نحن سنتدارس الوضع لأن التحالف يخضع إلى مشاورات طويلة ولكنها ضرورية.

كيف تنظرون إلى التقارب بين النداء والنهضة والذي فهم على أنه مؤشر لتحالف مرتقب بينهما؟

ما نشاهده اليوم ليس تحالفا بين النهضة والنداء، لكنه سعي إلى إبرام اتفاقات لم يتم الإتفاق على تخومها النهائي. حركة نداء تونس أجلت تعيين رئيس الحكومة المقبل إلى مابعد الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية وهي صوتت بكثافة لعبد الفتاح مورو وأيضا هي تخضع كل القضايا السياسية اليوم لحشد الدعم والتأييد لمرشحها في الدور الثاني وهي تضغط على حركة النهضة من أجل توضيح موقفها كما ورد مؤخرا على لسان الباجي قايد السبسي. ولا أعتقد أن المطلوب من النهضة أن تعلن صراحة تأييدها لمرشح النداء بقدر ماهو مطلوب منها لجم قواعدها عن التصويت للمرزوقي.

لكن ألا ترون أنها ستكون مهمة صعبة بحكم أن الأغلبية الساحقة من القواعد النهضاوية تميل إلى دعم المرزوقي؟

نرى أن هناك استعداد فعلي من النهضة للسير في هذا الإتجاه من خلال تصويتها لمرشح النداء كرئيس لمجلس الشعب. وهي الآن تعمل على تحسين شروط تحالفها مع حركة نداء تونس لضمان وجودها في السلطة التنفيذية مما يؤمنها من تكرار السيناريو المصري. وبالتالي، نلاحظ أن من عمل على دفع البلاد نحو الإستقطاب الحاد ومن عمل على تخويف التونسيين في حملته الإنتخابية وإلغاء الآخر هو اليوم يمد يده للاتفاق مع النهضة بعيدا عن كل أرضية أو برنامج حكم. ومانخشاه هو أن تتكرر صيغة الترويكا في نسخة جديدة قوامها تأمين المصالح الحزبية على حساب المصلحة الوطنية وانتظارات التونسيين في المرحلة القادمة. كذلك نحن كنا قد نبهنا سابقا من لقاء باريس السري بين الشيخين.

هل ترون أن تأجيل الحسم في موقف مجلس شورى النهضة تجاه دعم أحد المترشحين يهدف إلى تحسين شروط التفاوض مع النداء؟

تأجيل الحسم إلى نهاية الأسبوع هو بغاية البحث عن متسع من الوقت لتحسين شروط التفاوض مع نداء تونس.

ولكن نداء تونس أعلن أكثر من مرة أنه لن يتحالف مع النهضة بل سيتعايش معها، في حين أعلنت قيادات نهضاوية أن موقع الحركة في المرحلة المقبلة هو المعارضة، فهل تنم هذه اللخبطة على ازدواجية في الخطاب في نظركم؟

التونسيون أصبحوا يلاحظون أن هناك إنفصام وازدواجية بين خطاب الدعاية السياسية وبين الموقف الحقيقي والممارسة. ولعل قادم الأيام سيثبت أن المفاوضات بين النهضة والنداء التي انطلقت منذ لقاء باريس لم تنقطع لكنها تخضع إلى سياسة عض الأصابع ومحاولة كل طرف تحقيق أكبر مغانم ومكاسب عند حصول التحالف الذي سينكشف يوم نتيجة الإنتخابات الرئاسية.

وكيف تقرؤون خارطة التحالفات في تركيبة الحكومة المقبلة؟

ما يحدث الآن هو تفاوض على تحسين شروط التحالف. والمطلوب من كل طرف في هذه الصفقة هو التخلص من عبء حلفائه وتبرير هذه الصفقة للقاعدة الإنتخابية التي تم التغرير بها.

هل سيتخلص النداء من الجبهة الشعبية حسب رأيكم؟

الجبهة الشعبية في موقف لا يحسد عليه. الجبهة متكونة من عدة أحزاب وهناك خلافات بدأت تبرز للعيان حول دعم السبسي من عدمه ولا نتمنى أن تدفع الجبهة ثمن اقترابها من نداء تونس، كما كان الحال بالنسبة للجمهوري والمسار.

الجمهوري أعلن مؤخرا الحياد في الدور الثاني من الرئاسية، ما أسباب ذلك؟ و ألا يذكر هذا الموقف بحيادية النهضة المشكوك فيها حسب عدة جهات تجاه المرزوقي؟

المكتب السياسي للحزب انتهى بعد اجتماعه الأخير إلى ترك حرية الاختيار للقواعد وذلك تماشيا مع موقفه السياسي ورفضا لأي اصطفاف وراء أحد المترشحين أو أحد القطبين. وهذا الأمر يندرج في إطار تمسكه باستعادة دوره المستقل وفتح طريق أمام القوى الديمقراطية للعودة سريعا إلى الخارطة السياسية. وليس من الصدفة أن أغلب الأحزاب الاجتماعية والديمقراطية اتخذت نفس الموقف ولم تقحم نفسها في معركة انتخابية يراد لها أن تحسم حتى قبل موعد الانتخابات بالاتفاقات والصفقات السياسية.
الجمهوري معروف بجرأته والإعلان عن موقفه ولم يكن في يوم من الأيام من الأحزاب التي تمارس إزدواجية الخطاب. ولو كان الحزب يرى في أحد المترشحين خدمة لمصلحة البلاد لما تأخر عن ذلك.

وهل مترشحي الرئاسة ليسا في خدمة مصلحة البلاد؟

لو أن الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية اصطفت وراء أحدهما لقضت على نفسها وعلى دورها في المستقبل. ونحن حريصون على هذا الدور وعلى تدارك الأخطاء ونرى أنه يمكن أن يكون للتونسيين خيار ثالث عكس ماهو سائد.

يؤكد متابعون أن معركة قرطاج محسومة لفائدة السبسي، بماذا تجيبون؟

لا، المعركة أبعد ما تكون عن أنها حسمت لفائدة السبسي الذي ينطلق بأسبقية.ولعل أولى المفاجآت هي التقارب غير المنتظر بين المترشحين في الدور الأول. كذلك بقدر الأخطاء التي يرتكبها كل مترشح بقدر ما يتقدم منافسه لأن المعركة هي معركة اصطياد الأخطاء وهي عديدة من هذا الطرف أو ذاك.

ما تعليقكم عما تم تسريبه من وثائق مؤخرا حول ما سمي ب "الفساد المالي والإداري" للمرزوقي؟

الوثائق التي تم تسريبها في خضم الحملة الإنتخابية هي من نوع الضرب تحت الحزام. لو كانت حملة السبسي هي من كشفت ما يعتقد أنه سوء تصرف مالي للمرزوقي وحدثت مواجهة بين الطرفين لقلنا إن هذا من قبيل المعارك الإنتخابية. لكن أن تقوم بذلك مجموعة مجهولة تتخفى وراء الأقنعة ، فأنا أعتقد أن هذا الأمر لا يساعد على إرساء الشفافية في المشهد السياسي. هذا بقطع النظر عن التعرض إلى مصاريف رئيس الدولة التي لا بد أن تقارن بما ينفقه رؤساء آخرون في مثل هذه الظروف.