قطع خشبية صغيرة تتشكّل تدريجيا، فتأخذ قوالب فنية جميلة، قبل أن تتحوّل إلى لوحة رسم حاملة لخطوط تكشف جمال الخط العربي المحبّذ لدى مسلمي بيني، شمال شرقي الكونغو  الديمقراطية..مزيج من الفنون وتشكيلة استثنائية تجمع بين النحت ورسوم على شاكلة أسماء الله الحسنى ورسوله محمد (صلعم)، يرسمها الفنان الكونغولي ريتشارد مامبو.

مامبو، البالغ من العمر 34 عاما، ترك جانبا شهادة الحقوق التي تحصل عليها وقرر تخصيص كامل وقته للنحت، هوايته الأولى، ثم تخصص في الخط العربي حين وجد أن القطع الفنية المجسدة له تلقى إقبالا كبيرا في صفوف مسلمي مدينة بيني، لا سيما مع حلول شهر رمضان،  حيث يقتنون تحفا تحمل إسم الله ورسوله لتزيين جدران بيوتهم.ويروي مامبو للأناضول حيثيات دخوله إلى عالم النحت وفن الخط العربي قائلا: "إثر حصولي على الإجازة في الحقوق، لم أجد عملا في اختصاصي، وكنت مغرما بالفن، فكان أن  قرّرت  وضع حدّ لعامين من البطالة جاعلا من النحت مهنتي بوقت كامل".

 ويعاني السكان في بيني من ظروف مادية صعبة، ما عسّر من مهمة بيع المنحوتات الخشبية التي يشكلها مامبو. ومع ذلك، يقوم بمجهود إضافي عبر التوجّه لفئة معينة من الزبائن على  غرار الجاليات الأجنبية والأقلية المسلمة التي تقبل بكثرة على ما تنحته يداه، لا سيما خلال شهر رمضان.  ويقول مصطفى بازايي الذي ينتمي إلى الأقلية المسلمة البالغ عدد أفرادها 400 الف نسمة في المنطقة للأناضول: "نحن متمسكون بديننا ويسعدنا جدا ما يقوم به هذ الفنان".أما في بقية أيام السنة، فإن زبائن مامبو يتكونون أساسا من الجنود التابعين للبعثة الأممية (مونوسكو) المنتشرة في الكونغو الديمقراطية ، لا سيما جنود البعثة الأردنية، والذين  يقبلون على ابتياع تحفه. 

ويوضح بامبو الذي أعاد أمجاد الخط العربي الإسلامي في منطقة الشرق الكونغولي، قائلا إن زبائنه يطلبون منه نحت أشكال عادة ما تكون رسما مستوحى من التراث الإسلامي.الفنان الكونغولي يمضي  نحو نصف ساعة لنحت قطعة خشبية، يعرضها للبيع بما يعادل 5 دولارات، ويقوم يوميا بنحت 3 قطع فنّية، ويحصل أن يزيد من نسق عمله في بعض الأحيان، فيجني ما قيمته 50 دولارا في اليوم، في بلد لا يتجاوز فيه معدل الأجور الشهرية الـ 90 دولارا، بينما يمكن أن يصل سعر بعض القطع الفنية المميزة إلى 600 دولار.

في المقابل، يكشف مامبو عن أن مدخوله غير منتظم بالمرة، فضلا عن الضرائب الحكومية التي تثقل كاهله، ويقول بشأن ذلك: "تجبرني السلطات على دفع 38 دولار سنويا كضريبة ربح، و 50 دولارا كضريبة على الانتماء لإدارة الثقافة والفنون بمدينة "بيني". المشاكل المادية، وإن هي تشكل معضلة لا يمكن التغافل عنها، فإن مشكل مامبو الرئيسي يكمن في غياب السياح، جراء المواجهات المتواصلة بين الميليشيات المسلحة، منذ نحو 15 عاما، والتي كان لها تداعيات سلبية على السكان المحليين.  

 مامبو قال أيضا: "أدعو الحكومة الكونغولية إلى إحلال السلام من جديد، لتشهد عودة السياح، وتنتعش الأنشطة التجارية، بما يمكننا من تنظيم المعارض للترويج لما نقوم بها من أنشطة فنية لدى السكان المحليين".دعوة ردّ عليها عيسى نغيثا، المسؤول عن إدارة الثقافة والفنون  الحكومية في "بيني" إن السلطات، في تصريح للأناضول، قائلا: "ستقوم بكل ما في وسعنا لدعم الفنانين والتعريف بعملهم".