لا يمكن بأي حال من الأحوال تفهم أو تبرير أو تسويغ الهجوم الدموي المروع الذي شنته حركة الشباب الصومالية علي جامعة مدينة غاريسا - حاضرة محافظة الشمال الشرقي الكيني - في فجر يوم الخميس 2 من أبريل الجاري، والذي أودى بحياة أكثر من 148 شخصا، غالبيتهم الكاسحة من طلبة الجامعة وكوادرها. وقد وصف الهجوم علي جامعة غاريسا بأنه أفظع وأبشع الهجمات التي شهدتها كينيا منذ التفجير الانتحاري الذي استهدف السفارة الأمريكية في نيروبي في 7 أغسطس عام 1998، والذي أوقع 213 قتيلا وعشرات الجرحى.

اعتبرت كينيا منذ فترة طويلة ''بحيرة'' تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي والرخاء المعيشي في محيط يموج بالقلاقل والاضطرابات الأمنية والحروب الأهلية، وتميزت كينيا بالتسامح الديني والتعايش السلمي بين مواطنيها المتنوعين على أسس قومية وإثنية ودينية، وحققت كينيا طفرة اقتصادية وتنموية هائلة في العقدين الماضيين نتيجة لتحول نيروبي إلي قبلة اقتصادية لكبار المستثمرين وشركات الاتصالات العملاقة والمؤسسات التجارية الدولية والبعثات الديبلوماسية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، لكن تورط الجيش الكيني في المستنقع الصومالي - بعد إطلاق نيروبي لحملتها العسكرية المعروفة إعلاميا ب "ليندا إنشي" في 16 أكتوبر 2011 لتعقب حركة الشباب في داخل الصومال بعد اختطافها لبعض السياح وموظفي منظمات الإغاثة الدولية - وتكثيف الحركة للهجمات والعمليات الانتحارية التي تنفذها في كينيا هو الذي وضع البلاد في قلب الصراعات الدامية، وجعل القلق يساور الكثيرين من مآلات المستقبل بعد أن سيطر عليهم هاجس الوضع الأمني، ودفع بعض المستثمرين لنقل أعمالهم واستثماراتهم إلي بلدان أخري في منطقة شرق أفريقيا

هجوم جامعة غاريسا دفع كينيا لإتخاذ قرار وصفه البعض بالإنتقامي .حيث أمرت الحكومة الكينية، مساء السبت 11/أبريل/2015 بنقل مخيم، داداب للاجئين، أكبر مخيم فى العالم، الذى تديره الامم المتحدة، إلى الصومال، فى غضون ثلاثة أشهر.ويضم المخيم، الذى يقع فى شمال شرقى كينيا، حوالى 350 ألف لاجئ صومالى، كانوا قد فروا من الحرب والمجاعة فى وطنه، وقال نائب الرئيس وليام روتو، إنه إذا فشلت المفوضية العليا للأمم المتحدة، لشؤون اللاجئين فى نقل اللاجئين، فإننا "سننقلهم بأنفسنا"

و  ردا على إعلان كينيا بوجوب إغلاق مخيمات داداب للاجئين حثت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الثلاثاء  2015/4/14 الحكومة على إعادة النظر في قرارها. وقالت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية كارين خْريل للصحفيين الثلاثاء في جنيف، "لقد صدمت المفوضية أيضا وروعت من هجوم غاريسا. ويقف المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريش وموظفوه متضامنين مع شعب كينيا. ونحن نكرر الإعراب عن خالص تعازينا لأسر جميع الضحايا. لقد تكرمت كينيا باستضافة اللاجئين الصوماليين وحمايتهم من العنف والاضطهاد في الصومال لأكثر من عقدين من الزمن".

و أضافت:"تعمل المفوضية بشكل وثيق مع حكومة كينيا، ونحن نفهم جيدا الوضع الأمني الإقليمي الحالي وخطورة التهديدات التي تواجهها كينيا. ونحن ندرك أيضا التزام الحكومة بضمان أمن مواطنيها وغيرهم من الذين يعيشون في كينيا، بما في ذلك اللاجئون"

من جهة أخري شددت  خْريل على أن وكالة اللاجئين مع ذلك تشعر بالقلق من أن إغلاق مخيمات داداب فجأة وإجبار اللاجئين على العودة إلى الصومال ستكون له تداعيات عملية وإنسانية بالغة، وسيكون خرقا للالتزامات الدولية في كينيا." وأضافت: "نحن بالتالي نحث السلطات الكينية على أن تولي مزيدا من الدراسة لهذه المسألة، ونؤكد على استعداد المفوضية للعمل بشكل وثيق مع حكومة كينيا على تعزيز إنفاذ القانون في داداب ودعم تدابير أخرى لحماية اللاجئين والكينيين على حد سواء ضد احتمال التدخل المسلح من الجهات الفاعلة عبر الحدود".