بعد التحولات التي شهدتها ليبيا العام 2011 والإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي، كانت البلاد مسرحا كبيرا لهواية الاقتتال التي سهلها انتشار السلاح وغياب أي سلطة للدولة، كما كانت فضاء لتشكل عدد كبير من المليشيات مختلفة العناوين كل واحدة تمارس سلطتها بطريقتها وفي منطقتها، حتى أصبحت ساحة حرب حقيقية، زاد تعقيدها التحاق التنظيمات الإرهابية بقائمة المقاتلين إلى درجة مكنها من احتلال جزء كبير من الجغرافيا الليبية، لم تنهه إلا تطورات الأوضاع الإقليمية. وعلى خلاف الاستقرار الذي عرفته المنطقة الشرقية بعد نجاح الجيش الليبي في فرض سيطرته على الأرض بقيت المنطقة الغربية وأساسا العاصمة طرابلس فضاء لانتشار المليشيات رغم انتساب أغلبها لسلطة حكومة الوفاق بعد العام 2015 وما شهده من تطورات سياسية.

ليس غريبا أن تشهد طرابلس صراعا مسلحا بين المليشيات منذ العام 2011 بسبب الخلافات العميقة التي ضربت حتى أنصار "الثورة". فرمزية العاصمة الليبية كانت دائما مطمعا لفرقاء السياسة، وأيضا لفرقاء السلاح، من أجل فرض الأمر الواقع فيها كل حسب مقدرته ونفوذه على الأرض مثلما هو واقع الآن بشكل يؤكّد أن تطورات ما ستحصل في ظل العجز الظاهر لحكومة السراج، التي كانت الطرف الأضعف في كل ما تشهده العاصمة بظهور أطراف جديدة قديمة تنظيميا يفترض خضوعها لسلطة الوفاق لكن على الأرض أظهرت أخيرا أن لها مشروعا مختلفا لم يفهم الليبيون أنفسهم خطوطه وأهدافها مثل وضعية اللواء السابع الذي يعتبر الحلقة الأقوى في صراع العاصمة الأخير.

إلى وقت قريب كان اللواء السابع تابعا لوزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق بطرابلس. اللواء تم ضمه مع بقية الفصائل المسلحة تحت ما يعرف بسلطة الدولة، التي يبدو أنها غائبة وضعيفة في وسط التراكمات الكثيرة الواقعة في العاصمة. ففي تصريح للناطق باسمه سعد الهمالي يوم 04 سبتمبر أشار إلى أنه "جسم يتبع حكومة الوفاق الوطني بقرار قانوني،  وإذا كان قد صدر قرار بحله فهو قرار باطل، لأنه من المعروف قانونا أن القرارات التي تصدر بالقوة الجبرية أو تحت التهديد قرارات باطلة" في إشارة إلى ما أعلنه رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بحل اللواء منذ أبريل الماضي، حيث ذكر في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية وأجنبية أنه لا يوجد جسم عسركي يتبع وزارة الدفاع اسمه اللواء السابع.

 يتمركز اللواء في مدينة ترهونة جنوبي طرابلس معتمدا في قيادته على العنصر الاجتماعي الذي مازال يعتبر الحاضن الأساس لعناصره والداعم لها. يقوده محمد الكاني بمساعدة عدد من عائلته وعلى ذلك سمي بالـ"الكانيات" الذي بقي ملازما له حتى في مستوى الاستعمالات الإعلامية. لا يعرف عدد مقاتليه تحديدا رغم أن بعض الأطراف تقول إنه في حدود 5 ألاف مقاتل برتب ضباط وضباط صف، وعلى ذلك يفسر المراقبون قوته وتنظيمه. والمعطى الاجتماعي والجغرافي أصبح ظاهرة معروفة في مستوى التشكيلات المسلحة باعتبار أن أغلبها يعرف أنه لولا وجود سند قبلي أو اجتماعي فإن إمكانية المحافظة على التواجد صعبة.

وسائل إعلام كثيرة حاولت التعرف على اللواء السابع سواء تبعيته أو قياداتها لكن أغلبها خلص إلى غموض التعريف وعدم دقة المعلومات حوله، فهو يعتبر نفسه إلى فترة قريبة منضويا تحت حكومة الوفاق لكنه مع التطورات الأخيرة اعتبر نفسه "جيشا مكونا من ضباط وضباط صف وجنود نظاميين يخوضون حرباً لتطهير العاصمة طرابلس من دواعش المال العام، وممن رهن مصير البلاد للخارج، وينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية، ويتبع الحكومة التي يتفق عليها الليبيون"، والبعض ينسبه لبعض القيادات الميدانية من مدينة ترهونة ذات التوجه السلفي هناك مصادر أخرى من داخل المدينة أيضا تنسبه للجيش الليبي بقيادة المشير حليفة حفتر وهذا ما أشار إليه المحلل السياسي صلاح عبدالكريم في تصريحات إعلامية في سؤال عن هوية اللواء، رغم أنها تصريحات مرتبطة بضرفية القتال أكثر منها معلومات دقيقة.

بعض وسائل الإعلام سمت اللواء السابع بالقوة الغامضة التي تخوض حربا في طرابلس، وتساءلت عن الأطراف التي وراءها والداعمين لها بعد أن ظهرت في موقع المتحكم في زمام الأمور والدارس الجيد لتحركاته على الأرض. ورغم أن اللواء حاول التنصل من كل ارتباط معتبرا أن هدفه هو تطهير العاصمة من مظاهر التسليح والانفلات المليشيوي، إلا أن المتابع للشأن الليبي يفهم جيدا أن الأمور تتحكم فيها موازين قوى داخلية وخارجية وهي القادرة على فرض الأمر الواقع على الأرض. ومهما كان ارتباط اللواء فإن تعاطفا شعبيا ما لقيه خلال العملية منذ بدايتها الأمر الذي يؤكّد أن الليبيين أصبحوا أشبه بالغريق الباحث عن قشة يحلم أنها قد تنجيه من الغرق رغم تعقيدات المشهد لا تنبئ بانفراجة قريبة وليس أدل على ذلك العجز عن ضبط تلك التنظيمات جميعها للاتفاقيات التي تحصل بهدف تهدئة الأوضاع.

الوضع في طرابلس ما يزال متوترا رغم الاتفاقات المتتالية على وقف التحارب، ومع هذا التوتر يبقى وضع البلاد غامضا وصعبا، وتبقى معه هوية اللواء السابع غامضة إلى حين وجود جرأة حقيقية من قياداته لتعريف ولاءاته، وفي ظل ذلك يبقى الشارع الليبي منتظرا للحظة هدوء حقيقية تنهي سنوات الفوضى وتفضي إلى انتخابات قد لا تقدّم المطلوب شعبيا لكنها على الأقل قد تتقدم بالبلاد خطوة إلى الأمام تعطي أملا ولو ضئيلا في استعادة جزء من لحظة افتقدها الناس منذ ورطة فبراير 2011.