أن يعلن اللواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية الليبية تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة الليبية والإعلان الدستوري ،وأن يهدد المجلس العسكري لمدينة الزنتان بسحق كل من يمس الشعب الليبي وقبائله، متهماً المؤتمر الوطني بالرغبة في إقامة دكتاتورية جديدة ، وأن يتحدث عبد الله الثني، وزير الدفاع الليبي، عن إحباط محاولة انقلاب عسكري، يقوده قادة عسكريون سابقون وسياسيون، بهدف إسقاط المؤتمر الوطني العام وتشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد، وأن يبدأ المؤتمر الوطني العام في دراسة ملفات شخصيات جديدة قصد ترشيحها لرئاسة حكومة جديدة تكون موالية في المطلق لتنظيم الإخوان المنسحب من حكومة علي زيدان 

وأن يخرج الشعب الليبي من جديد رافضا إعلان التمديد 

فهذا يعني أننا أمام مستجدات سياسية بالغة الأهمية في بلد يرتدي ثوب المأساة ، ويعاني من تبعات مؤامرة دولية لا تزال مستمرة في شكل صمت مريب على مايدور داخل ليبيا ، حيث يستمر  الغموض ، وتتسع مع كل يوم جديد دائرة الأسئلة عن المرتقب من واقع إجتماعي مفكك ، وواقع أمني متدهور ،وواقع إقتصادي في غاية السوء 

 

معركة الإخوان

تحولت ليبيا الى ساحة لصراع إقليمي ودولي ، والى الفرصة الأخيرة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بعد هزيمته المدوية في مصر وتراجع حضوره في تونس ، وتحول القوى الداعمة للتنظيم أن تجعل من التراب الليبي مصدرا لتأزيم الوضع في مصر عبر تصدير السلاح والأفراد ومن خلال التمويل المباشر ، فليبيا كانت « بيت مال المسلمين » بالنسبة للجماعة المحظورة التي فشلت في الوصول الى خزائن الخليج ،وسعت الى تعويضها بإيرادات النفط والغازالليبيين ، وعلى أمتداد عامين  قام المرشد العام للجماعة في مصر محمد بديع بأكثر من عشر زيارات الى ليبيا ، حيث كان يصدر تعليماته لأتباعه فيها ، كما كان لخيرت الشاطر مشاريع كبرى مع إخوان ليبيا ، تهدف بالإساس الى تكريس مشروع إقتصاد الجماعة وتطوير رصيدها المالي ،لتكون في مستوى طموح الإخوان الى توسيع نشاطها التخريبي في المنطقة بدعم مباشر من الأوصياء الجدد على ليبيا وخاصة في الدوحة وأنقرة 

وقد لمّح رئيس التحالف الوطني محمود جبريل الى المؤامرة التي تقاد من داخل ليبيا لضرب الإستقرار في الدول المجاورة ،في حين تستمر عملية ترهيب الليبيين يوميا عبر الإغتيالات وتصفية المعتقلين في السجون السرية ومكاتب التحقيق الميلشياوي ورميهم في مصبات القمامة ،وبلغ الأمر الى حد إستعمال غاز السارين الكيمياوي المحرم دوليا من قبل مسلحي المؤتمر الوطني العام ضد قبيلة ورشفانة أواخر الشهر الماضي في إشارة الى المصدر الحقيقي لهذا الغاز الذي باتت كميات مهمة منه تحت سيطرة العصابات المتشددة ، والذي أثير جدل واسع حول العثور عليه في شمال سوريا العام الفائت 

المفتي والقائد الأعلى 

وعمل مفتي ليبيا الصادق الغرياني على أن يكون في قلب المشروع إنطلاقا من قناعاته الإيديولوجية الثابتة ،ومن إيمانه بضرورة الإستفادة من التديّن كسمة بارزة للمجتمع الليبي المحافظ ، وباللعب على وتر تكفير وشيطنة كل من يناويء المشروع الإخواني ،مثلما تم تكفير وتخوين وشيطنة كل من رفض الإندماج في حرب الناتو ضد نظام الزعيم الراحل معمر القذافي ، 

وتحول الغرياني الى زعيم روحي لطائفة بدل أن يكون مفتيا للديار الليبية ، كما صار مكتبه مركزا أسياسيا لصنع السياسات الموجهة ضد القبائل الليبية وضد بعض الدول العربية الرافضة للمشروع الإخواني في المنطقة ومنها دولة الأمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية التي وصفها مرحلتها الإنتقالية الحالية بأنها مرحلة ظلام 

ويعتبر الغرياني الوجه الآخر ليوسف القرضاوي في مواقفه التفتيتية للمجتمع ، والتحريضية على كل من يقف ضد الإخوان ، والتمييزية ضد الفئات المجتمعية المدافعة عن مبدإ سيادة الدولة ومواجهة التدخل القطري التركي السافر 

ومن جهته ، عمل نوري بوسهمين رئيس المؤتمرالوطني العام على التواصل مع فكرة الهيمنة على ليبيا وتخزينها في حقيبة الإخوان ، من خلال بعث ما يسمّى بغرفة ثوار ليبيا وتمويلها بأكثر من نصف مليار دولار ،ومنح قيادتها لجماعات قد يختلف بعض رموزها فكريا ومرجعيا مع الإخوان ولكنهم يلتقون معهم في الولاء لقطر وفي الخوف من ثورة الأغلبية الصامتة أو الأغلبية الرافضة لخطف ليبيا بالشكل الذي تم منذ أكثر من عامين ،وفي إعتماد فزاعة الأزلام والفلول وإمكانية عودة رموز النظام السابق الى واجهة الحدث 

الخوف على الجماعة

وصلت المخابرات التركية والقطرية الى نتيجة أزعجت حكام الدوحة وأنقرة والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي بحث في إجتماعاته الأخيرة ضرورة الإبقاء على ليبيا تحت يده ، نظرا لموقعها الإستراتيجي كعنصر ربط بين الساحات التونسية والجزائرية والمصرية ، وكساحة فوضى غير مؤهلة للرقابة ، وكملجأ للفارين من القانون من دولهم ،وكذلك كمصدر للتمويل والتسليح والتجنيد

ومصدر إنزعاج حكام الدوحة وأنقرة هو حالة التململ العام في الشارع ،وضعف حضور الإخوان وخاصة في مستوى القبائل ، وإنحصار سلطاتهم في بعض المدن وخاصة طرابلس ومصراتة والزاوية ، وأن أية إنتفاضة شعبية في البلاد ستعصف بهم ،كما أن أنتخابات حرة ونزيهة لن تكون نتائجها لفائدتهم ، ومن هنا كان لابد من الإستمرار في خوض معركة الإخوان ضد الشعب ، وضد من يختلف معهم من التيارات السياسة ، وعبر التركيز على فزاعة الأزلام ومشروع الإنقلاب ،وهو ذات ما إعتمدت عليه حركة النهضة التونسية عند مواجهتها لغضب الشارع وحراك المعارضة في الصيف الماضي ، وما إعتمدته حكومة أردوغان بعد إكتشاف ملفات فسادها وخروج  المحتجبن الأتراك ضدها 

وجاء الإعلان عن التمديد للمؤتمر الوطني العام إنطلاقا من « حالة طواريء » داخل التنظيم العالمي للإخوان وداخل إخوان ليبيا وحلفائهم الخارجيين ، ليكون أنقلابا إخوانيا بإمتياز لا يقل « إنقلابية » عن الإنقلاب على الأغلبية عندما تم إستبعاد قوى التحالف الوطني عن الحكم ،وشراء ذمم عدد من النواب المستقلين بصكوك مضمونة الدفع بمليون دولار أمريكي لكل واحد منها دفعته الخزانة القطرية 

شعب ضد جماعة

يأتي  خروج الليبيين الى الشارع ضد قانون التمديد إعلانا عن « عودة الوعي » لنسبة مهمة من الليبيين المندمجين في العملية السياسية ، في حين لا تزال القبائل الرافضة لتلك العملية ، ترفض الإعتراف بالمؤتمر وبشرعيته ودوره وتبعات قراراته 

وعناما إختارت بعض الأطراف الأمنية والعسكرية والسياسية الإنخراط في وقفة الرفض للتمديد ، كان الإتهام الجاهز بأنها تسعى للأنقلاب على الشرعية ، رغم أن تلك الشرعية فشلت في نيل الإعتراف من أغلب الليبيين ،وبقيت حكرا على بعض المناطق التي إنخرطت في معركة الإطاحة بنظام القذافي وخاصة على سواحل المنطقة الغربية ، بينما باتت مرفوضة من مناطق الشرق والوسط والقبائل ، وكذلك من قبائل الزنتان التي قررت الإنحياز لأغلبية الشعب وهددت بإستعمال القوة ضد كل من يحاول منع أو قمع المسيرات  والإعتصمات السلمية المناهضة  لحكم الإخوان 

ويحاول إخوان ليبيا وهم أقلية ،مقارنة بالشعب المناهض لهم ، التمسك بالحكم الى حين تبيّن حقيقة ما ستكون عليه الساحتان المصرية والتونسية ، حيث تأتيهم « التطمينات » من  التنظيم العالمي ومن مخابرات الدوحة وأنقرة بأن هناك خططا مدروسة لإسقاط ما يسمونه ب« حكم العسكر » في مصر وبعودة  قوية لإخوان تونس الى الحكم ، ولا تبتعد هذه التطمينات عن جوهر ما تم الكشف عنه مؤخرا من إتفاق مخابرات سبعة دول على الإعداد لإغتيال المشير عبد الفتاح السيسي لخلط الأورق الأوراق من جديد في الجارة الشرقية ، مقابل دور مهم يقوم به إخوان تونس في إقناع الغرب بصحة تعاملهم مع الإنتقال الديمقراطي ومحاولة تجيير ذلك لتلميع صورة إخوان الدول الأخرى 

الثروة المنهوبة

كان التوافق في مستوى الحلف المهيمن على الحكم في ليبيا ذا صلة مباشرة بالثروة المنهوبة والتي تحولت الى شركات كبرى وأرصدة ضخمة على ذمة قيادات سابقة في القاعدة وحليفتها الجماعة المقاتلة ، والى مخازن سلاح ومناطق نفوذ لميلشيات تحاول أن تخضع الشارع لإرادة الإخوان ،ولم يسلم من عنجهيتها مسؤولون في الحكومة العاجزة على رأسهم علي زيدان الذي تم إختطافه من فندق كورنتيا في ملابس النوم ، 

في حين يقود حلفاء الإخوان في الشرق حرب التصفيات والإغتيالات اليومية ردا على موقف القبائل الرافض لحكم الجماعة ولهيمنة الدوحة ، وكان مشهد حرق العلم القطري في بنغازي منعطفا للأحداث ، زاده المفتي الغرياني لهبا عندما أفتى بأن من « لا يعترف لقطر بالفضل أقل من كلب » 

وكان التحالف القطري التركي الإخواني قد جعل من مدن شرق ليبيا مثل البيضاء ودرنة وشحات ساحة لنشاطه المسلح الذي كان يستهدف بالأساس تدريب الشباب الليبي والقادم من دول عربية وإسلامية على حمل السلاح ونقلهم الى ساحة المعارك في سوريا ، ولتجنيد الشباب المصري في إطار ما تم الإعداد لتسميته بالجيش المصري الحر بهدف زعزعة الأمن في الجارة الشرقية وقيادة حرب ضد الدولة والجيش والشرطة فيها ، وكذلك لبناء قوة إحتياطية لخوض أية معارك تدعى إليها في إطار مشروع التخريب الذي يستهدف المنطقة ،وتسعى أطراف عدة لتحويل إقليم برقة الى « أنبار » ليبيا تمثّلا بالمشهد العراقي ،إنطلاقا من فكرة إفراغها من حضور الدولة ، ووضع اليد على مقدراتها ، وإخضاع القبائل سواء بالترهيب أو الترغيب ، 

وتحوّل جنوب ليبيا الى ساحة للخراب الممنهج ، حيث بات ملجأ لأكثر من 27 كتيبة أرهابية بعضها فرّ من شمال مالي بعد الحرب التي خاضتها فرنسا ضدهم ، وبعضها الأخر منحدر من الشمال ومن الدول المجاورة وخاصة الجزائر وتونس وموريتانيا والمغرب ، ومن الفارين من السجون ومن الملاحقة الجنائية ،إضافة الى الجماعات العاملة في مجال تهريب السلاح والمخدرات والأفراد والسلع الإستهلاكية ممن تحالفوا مع الإرهاب 

وزاد الصراع القبلي بخلفياته العنصرية والإجتماعية والسياسية في تفكك المجتمع بالجنوب ،وفتح ممرات عبر هذا التفكك للجماعات الإرهابية التي حذرت حكومات فرنساو النيجر وتشاد من خطرها ، في حين تحاول الحكومة الليبية الحالية التقليل من أهمية تلك التحذيرات ، وإتهام موالين للنظام السابق وقوى مجاورة بقيادة المعارك ضد الدولة ،غير الموجودة أصلا هناك 

المارد الجبار الصامت

تطرح مواقف اللواء خليفة حفتر بما يمثله من موجعية عسكرية وسياسية وقبلية ، والمجلس العسكري للزنتان في حالة ربطه بالتحالفات القبلية العريقة لما قبل معركة الإطاحة بنظام القذافي ،إحتمالات عدة منها بناء تحالف قبلي وعسكري لخوض معركة الحسم ضد الإخوان والميلشيات المسلحة الخاضعة لغرفة ثوار ليبيا بما فيها ميلشيات أنصار الشريعة والقاعدة ومرتزقة السلاح والمخدرات المسيطرة على مراكز نفوذ داخل العاصمة وبعض المدن الساحلية ، وفي هذه الحالة سيكون الحسم سريعا خصوصا مع عودة نسبة مهمة من المسلحين الخارجين عن القانون الى أحضان القبائل 

وسيكون أمام قبائل الزنتان التي شاركت بقوة في معركة الإطاحة بالقذافي فرصة الإندماج من جديد في محيطها القبائلي بعد أن إتخذت موقفا وطنيا مناسبا في تصديها لديكتاتورية الإخوان وإعلانها الإستعداد للإنضمام الى الشعب ودفاعها عنه وهو ما سيجعلها في مواجهة معلنة مع ميلشيات طرابلس المدعومة بميلشيات مصراتة التي باتت تعاني من عزلة شعبية عامة ، 

ومهما يكن الأمر فإن أية معركة قادمة في ليبيا ،أو أية إنتفاضة شعبية ضد السلطات الحاكمة وضد المشروع الإخواني ، ستؤدي الى إستعادة ليبيا الداخل من مشروع خارجي عبر مصالحة وطنية ، حصوصا وأن أي حسم لن يتم إلا بإستنهاض المارد الجبار المتخفي حاليا في جرة الصمت وهو الشعب الليبي الذي ستفرض عليه قيمه الأصيلة أن يتمثّل بالمثل العربي « أنا وإخي على إبن عمي وأنا إبن عمي على الغريب » والغريب في ليبيا اليوم هو المشروع الإخواني وداعموه الأجانب الذين نجحوا الى حد الأن في تهجير ثلث الشعب الى الخارج وتهميش ثلاثة أرباع الشعب المتبقي في الداخل لفائدة ربع يخضع ثلثاه المخدوعان لمشروع ثلث يلعب للإبقاء على إنهيار الدولة وتهميش الشعب ونهب الثروة