المال السياسي، كلمة السر التي تقف خلف حالة السيولة في التكتلات الانتخابية التي سرعان ما يعلن عن توافق مبدئي عليها، حتى يدب الخلاف من جديد، لتتفكك وتعلن الأحزاب والقوي السياسية عن مشاريع جديدة، كان آخرها تحالف الأمة المصرية، الذي سعى عمرو موسى إلى تشكيله لإنقاذ القوى المدنية من منافسة غير محمودة العواقب، في ظل ترقب قوى الإسلام السياسي للمشهد، للعودة لاقتناص مقاعد في البرلمان.

“العرب” غاصت في عمق التكتلات للوصول إلى الكلمة الفصل في حسم الانتخابات البرلمانية المقبلة، ونسب الأحزاب في التكتلات والقوائم الانتخابية، ليس القوى المدنية وحدها بل والدينية أيضا، وإن كانت الأخيرة ستتأثر سلبا بفشل تجربة جماعة الإخوان في الحكم وتصنيفها على قوائم الإرهاب ومحاصرة اقتصادها الداخلي، وإحكام قبضة الدولة على الجمعيات الأهلية التي استخدمها السلفيون وتيار الإسلام السياسي من قبل في خلق قواعد جماهيرية عبر المساعدات الاجتماعية للفقراء، وسط قصور دور الدولة في عهد نظام مبارك وما أعقب ثورة 25 يناير.

في الوقت الذي أعلن فيه حزب المصريين الأحرار الموافقة المبدئية على المشاركة في تكتل واحد يجمع تحالف “الوفد المصري” الذي يقوده حزب الوفد مع تحالف عمرو موسى الذي يضم العديد من الأحزاب والتكتلات لتخوض القوى المدنية المنافسة الانتخابية تحت لواء “تحالف الأمة المصرية” فإن الحزب عاد ليعلن مراجعة قراره والتفكير في خوض الانتخابات منفردا، عقب اجتماع عقده مع نجيب ساويرس الملياردير المعروف، ومؤسس وممول الحزب مع قياداته، مع أنه لا يشغل أي موقع تنفيذي.

في المقابل يفرض سيد البدوي، رئيس حزب الوفد، قبضته على قرارات تكتل الوفد المصري، لما له من سطوة في التمويل كرجل أعمال يملك استثمارات كبيرة، ما يعكس سيطرة التمويل، خاصة في ظل العجز المالي للأحزاب السياسية المصرية التي يبلغ عددها نحو 96 حزبا، معظمها يعاني من عجز في تغطية نفقاته.

عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد قال لـ”العرب” إن تحالف الأمة المصرية دخل مرحلة جديدة من التفاوض لحشد القوى المدنية في تحالف واحد من المقرر الإعلان عنه بشكل نهائي قريبا، فور حسم الخلافات.

وأضاف أن رجل الأعمال نجيب ساويرس عرض تمويل التحالف بـ300 مليون جنيه، للإنفاق على 120 مرشحا سيدفع بهم التحالف في الدوائر الانتخابية على القوائم، مشترطا أن يتحول اسم التحالف من الوفد المصري إلى الأمّة المصرية، وأن يحصل على عدد مرشحين بالقائمة يكفل لحزبه (المصريين الأحرار) أن يحل ثانيا من حيث عدد المقاعد بالبرلمان، إلا أن البدوي يتمسك باسم تحالف الوفد المصري، وتجري مفاوضات بمشاركة الدكتور عمرو الشوبكي عضو لجنة الخمسين والباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والدكتور عماد جاد الباحث السياسي، والقريب من نجيب ساويرس للوصول لصيغة نهائية للتحالف.

وأضاف شيحة أن المال السياسي سيظل متواجدا في العملية السياسية وحاسما في المنافسات الانتخابية، ولا بديل عن تمويل قوي للتيار المدني في مواجهة تمويل التيارات الدينية، لكن التحالف المدني الذي نسعى إليه مشروط بأن لا تكون هناك شبهات على صاحب رأس المال الذى يقدم الدعم، مستطردا أن الوفد لديه مصادر تمويل تجعله قادرا على خوض المنافسة بتحالفه، حال تم الاتفاق أو الاختلاف مع الصيغ المطروحة.

وحول الخروج من مأزق خطورة دفع رجال الأعمال بمرشحين تحت قبة البرلمان يعبرون عن مصالحهم ويحمون مكتسباتهم من خلط المال بالسياسية في عهد النظامين السابقين، قال شيحه: هنا نختار من ليست عليه شبهات من الممولين، ونختار المرشحين على أسس موضوعية، منها أن يتمتع في دائرته بعصبية وقبلية، وشعبية، أو أن يكون خاض الانتخابات السابقة وحقق منافسة قوية إلى جانب النواب السابقين المشهود لهم بالنزاهة.

من النقاط الخلافية بين أصحاب رأس المال أن ساويرس اشترط أن يضم التحالف خمسة أحزاب قوية فقط، إلا أن موسى والبدوي رفضا وطالبا بتوسيع التحالف، ويعكس هذا محاولة التحكم والسيطرة على كتلة انتخابية تحت البرلمان توزع معها المقاعد بدءا من رئيس المجلس ومرورا باللجان وتشكيل الحكومة، فعمرو موسى يسعى لرئاسة البرلمان، والبدوي يسعى لأغلبية لحزبه تمكنه من تشكيل حكومة اتئلافية، على أقل تقدير يأتي على رأسها، وساويرس يسعي لتواجد حزبه برقم فاعل في المعادلة السياسية تمكنه من حماية مصالحة وما يراه مناسبا من الناحية السياسية وفق معتقداته عبر التشريعات تحت قبة البرلمان وحصول الحزب على حقائب سياسية بحسب مقربين.

في الوقت الذي كشف فيه شيحة تلقي الوفد عروضا للتمويل، فإن الحزب، يشترط على طالبي الترشح على قوائمه التبرع بـ 10 آلاف جنيه للتحالف لإثبات الجدية وعقب الانتهاء من القوائم يحدد مسؤوليات كل مرشح وكل حزب في صندوق حملة الدعاية.

وكشف مصدر مطلع لـ”العرب” أن نائبا للحزب الوطني المنحل بمحافظة الشرقية بدلتا مصر وهو رجل أعمال أيضا، خاض الانتخابات الأولى عقب ثورة يناير على قائمة الوفد وحصل على عضوية البرلمان، مقابل تبرعه للحزب بـخمسة ملايين جنيه، الأمر المطروح تكراره في الانتخابات المقبلة، بما يجعل من تمويل تحالف الوفد المصري مسألة سهلة ويعزز من الموقف التفاوضي مع ساويرس.

المال السياسي يتشعب داخل كافة التيارات، فتيار الإسلام السياسي يحصل على تمويلات خارجية، والإخوان منتشرون في دول كثيرة ويتلقون تمويلا من التنظيم الدولي للسيطرة على الفقراء عبر مساعدات مالية وخدمات اجتماعية، لتربية ما يمكن تسميته بمزارع الأصوات، لاستغلالها في أوقات الانتخابات، ومع تراجع الإخوان بسبب سيطرة الدولة، سار على خطاهم التيار السلفي، الذي يملك شبكة تمويلات عبر مشاريع داخلية ودعم خارجي مكنه من خلق قاعدة في أوساط الفقراء والعشوائيات رغم اهتزازها بعد فشل تجربة الإخوان، لكنّ السلفيين يسعون للبناء عليها خاصة المسيسين منهم وفي المقدمة حزب النور.

اللافت أن هناك تداخلا في المال السياسي بين ليبراليين وإسلاميين، فقد كشف الدكتور سعدالدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون لـ”العرب” أنه حضر لقاء توسط لعقده، جمع رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو مسيحي الديانة، ومجموعة من أعضاء الجماعة الإسلامية الذين خرجوا من السجون بعد إعلانهم مراجعات فكرية، تم عقب ثورة 25 يناير 2011 وقدم لهم ساويرس حقيبة بها مليون جنيه تثريبا خلال الاجتماع وحصلوا على المبلغ مساعدة لهم لتأسيس حزب للإسلاميين المتراجعين عن العنف والانخراط في العمل السياسي.

 

*أيمن عبدالمجيد - العرب اللندنية