في ليبيا وحدها تجد الدبابات على قارعة الطريق ومضادات الطائرات على رأس الشارع والكلاشينكوف في أيدي الجميع، في ليبيا وحدها تجد بدلا من البرلمان الواحد برلمانيين ودون الحكومة حكومتين، وتجد الشعب الذي ينعم بانخفاض التعداد وثروات النفط بين لاجئ ومشرد ومختبئ من عنفوان المعارك.

طرحت مصر مؤخرا مبادرة لوقف نزيف الدماء في ليبيا تبنتها دول الجوار في اجتماعها بالقاهرة نهاية الشهر الماضي، المبادرة تضمن وضع نهاية لفوضى القتال الدائرة في طرابلس وبنغازي لكنها لم تجد آذانا تسمع أو عقلا يتفهم ويتفاعل ويستجيب، حيث السباق في ليبيا يجري على الأرض بين الميليشيات المسلحة متعددة الانتماءات لكسب مساحات جديدة من المطارات ومعسكرات السلاح وآبار النفط.

المبادرة المصرية تنص على الوقف الفوري لكافة العمليات المسلحة، وتنازل جميع الميليشيات بالتدريج عن السلاح، والتزام الأطراف الخارجية بالامتناع عن توريد وتزويد الأطراف المتصارعة في ليبيا بالسلاح، ومراقبة كافة المنافذ البحرية والجوية والبرية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتجفيف منابعه، ودعم دور المؤسسات الشرعية للدولة وعلى رأسها مجلس النواب، وتأهيل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والشرطة، ومساعدة الحكومة في جهودها لتأمين وضبط الحدود.

إذن فالحل قابل للتحقيق ونزيف الدم يمكن أن يتوقف، ولكن الحقيقة أن الأطراف المتصارعة في الداخل تتسابق نحو حتفها وانهيار دولتها بفرض الواقع على الأرض بسطوة السلاح.

طرابلس العاصمة تقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة ذات الانتماء الإسلامي "فجر ليبيا" .. قام المتشددون القادمون من مصراتة بتعطيل العمل بالحكومة والقضاء وأعادوا المؤتمر الليبي "ذا الأغلبية الإسلامية" والمنتهية ولايته رسميا، وأعلنوا عن حكومة جديدة برئاسة عمر الحاسي، وسيطروا على الطائرات المتوقفة بمطار طرابلس في خطوة جددت المخاوف داخل الولايات المتحدة الأمريكية من تكرار سيناريو 11 سبتمبر، لا بعثات أجنبية تقريبا ولا اعتراف دولي ولا غطاء رسمي لكل ما يجري في طرابلس حاليا، لا شيء سوى المسلحين والسلاح.

بنغازي العاصمة الثانية في شرق البلاد تحت سيطرة نسبية من جماعة "أنصار الشريعة" المنتمية فكريا لتنظيم القاعدة وكتائب مسلحة ذات انتماءات متشددة مثل "مجلس شورى ثوار بنغازي"، المعارك دائرة هناك على أشدها بين هذه الجماعات وقوات الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر وطائراته مدعوما بعناصر الصاعقة من الجيش الليبي، ليبيا التي لا يزيد عدد سكانها على 6 ملايين نسمة تحول ربع مليون منهم لنازحين، ولا يزال أفق الصراع فيها مفتوحا على كل الاحتمالات.

طبرق المدينة القريبة من الحدود المصرية في شرق ليبيا صارت منفى للبرلمان الليبي الرسمي المنتخب والحكومة المعترف بها دوليا برئاسة عبدالله الثني، وفقد كلاهما، البرلمان والحكومة، السيطرة تقريبا على ما يجري في البلاد، بينما الأموال تتدفق من الخارج على الجماعات المسلحة المتشددة والبلاد تتمزق أوصالها في معارك أهلية بلا نهاية.

ومثلما حدث في غزة، لا مناص أمام هذه الأطراف المتصارعة سوى مائدة المفاوضات، ولا بديل معقولا يمكن أن يطرح على هذه المائدة مثل المبادرة المصرية، ولكنها المؤامرات والأطماع والسلاح والنفط والجماعات المتشددة، لم تزل تعصف بواقع ليبيا كما في سوريا والعراق .. والشعب دائما هو من يدفع الثمن، حسب بوابة الاهرام.