بداية عسيرة لحكومة السرَّاج، التي تشكلت بموجب اتفاق الصخيرات، عندما وصل إلى العاصمة طرابلس بحرًّا، ومكث في القاعدة البحرية التابعة للمدينة، بعد إغلاق الأجواء أمام الطائرة التي كان من المقرر أن يستقلها إلى مطار معيتيقة، ثم وقوع اشتباكات بين مؤيدي حكومته ومعارضيها.

اليوم أصبحت إعادة تكوين المجلس الرئاسي، الذي خرج من رحم اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة ووقع في ديسمبر كانون الأول 2015، شبه متفق عليها بين عدد من أعضاء مجلس النواب والقوى السياسية في ليبيا، بخاصة بعد انتهاء اتفاق الصخيرات منذ شهور من جهة، واستقالة عدد من أعضاء الرئاسي، فضلًا عن الفشل الذي أبداه المجلس في السيطرة على الأوضاع في العاصمة طرابلس.

نواب يطالبون بتغير الرئاسي:

في 30 أغسطس 2018، طالب نحو 80 نائبًا بمجلس النواب الليبي بتغيير المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق الوطني”، وتشكيل آخر مكون من رئيس ونائبين، وقال النواب، في بيان لهم إن “المجلس الرئاسي بوضعه الحالي لم يعد يمثل في نظرنا مفهوم التوافق الوطني المنصوص عليه بالاتفاق السياسي”.

وأعلن النواب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “مجموعة داعمي الاتفاق السياسي”، الشروع في “إعادة هيكلة السلطة التنفيذية بحيث تصبح مكونة من مجلس رئاسي برئيس ونائبين ورئيس حكومة يعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تنال الثقة من قبل مجلس النواب”.

وعزا النواب مطالبهم إلى “استمرار حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي بالبلاد وعدم مقدرة المجلس الرئاسي على إنهائها وإخفاقه في تنفيذ الاستحقاقات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي وعلى رأسها الترتيبات الأمنية”. وأكد البيان “عدم قدرة المجلس الرئاسي على بسط سلطة الدولة على المنافذ كافة والسجون وإجراء المصالحة الوطنية ومحاربة الفساد وتحسين الوضع المعيشي للمواطن رغم ما حظي به من دعم محلي ودولي”.

ورفض النواب “حل الخلافات بين الليبيين بالاحتكام إلى السلاح وتعريض حياة المدنيين للخطر والبلاد لمزيد من الدمار، وأنه لا حل للأزمة الليبية إلا عبر الحوار”، داعين الأطراف كافة ذات العلاقة “لإعلاء الروح الوطنية وتغليب المصلحة العامة”.

وشددوا على ضرورة أن تقوم “البعثة الأممية بدعم هذه الخطوة وذلك بدعوة مجلسي النواب والدولة للعودة للحوار في أسرع وقت”.

من جانبهم، أصدر أعضاء آخرون في مجلس النواب، أطلقوا على أنفسهم اسم الرافضون للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق”، أعربوا فيه عن دعمهم لبيان النواب الداعمين للاتفاق السياسي، وقال النواب “الرافضون” في بيانهم: “نثمن الموقف الوطني لزملائنا النواب والذي نرى فيه فرصة لمجلس النواب لتجاوز خلافاته وتوحيد موقفه إزاء العملية السياسية”.

انشقاقات:

بدأت الخلافات على مستوى تشكيلة المجلس الرئاسي تظهر في أولى الجلسات، وتحديدًا حول ما يتعلق بالمادة (8) من الاتفاق السياسي التي فجرت خلافًا حادًا داخل المجلس، كونها تعتبر المناصب السيادية بما فيها المناصب العسكرية والأمنية شاغرة بعد 20 يومًا من التوقيع على الاتفاق السياسي وتشكيل المجلس الرئاسي.

وتنص المادة رقم (8) الواردة في الأحكام الإضافية في الاتفاق السياسي على أن: «تنتقل جميع صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنیة العلیا المنصوص علیھا في القوانین والتشریعات اللیبیة النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء فور توقیع ھذا الاتفاق، ویتعیّن قیام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي ھذه المناصب خلال مدة لا تتجاوز عشرین (20) یومًا، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال ھذه المدة، یقوم المجلس باتخاذ قرارات بتعیینات جدیدة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثین (30) یومًا، مع مراعاة التشریعات اللیبیة النافذة».

وقد بلغت الخلافات وتباين المواقف بين أعضاء المجلس، إلى حد إعلان العضو علي القطراني، تعليق عضويته من المجلس الرئاسي بسبب عدم اعتراف المجلس بالقيادة العامة للجيش وتجاهل حقوق إقليم “برق”، بحسب تعبيره، وتبعه في نفس القرار عمر الأسود الذي علق عضويته، بسبب اعتراضه على آلية عمل المجلس، وتحفظه على عدد من المرشحين لحقائب في حكومة السراج، التي لم تنل ثقة البرلمان الليبي المنعقد في طبرق حتى اليوم .

وفي 02 سبتمبر 2017، قدم وكيل وزارة الصحة فى حكومة الوفاق الوطني "د. علي الزناتي"، في خطوة مفاجئة، استقالته من منصبه، موجها من خلال رسالة الى رئيس المجلس الرئاسي، نقلتها وسائل إعلام محلية، اعتذاره للشعب الليبي بسبب عدم قدرته على تأدية مهامه، مؤكداً على أنه في خدمة كل المرضى داخل الاراضي الليبية.

وأرجع الزناتي سبب استقالته الى عدم مقدرته على تقديم الخدمات واستجلاب الأدوية للمرضى وعدم تمكنه من تقديم أي مساعدة لجرحى القوات المسلحة بعد مرور أكثر من 3 أشهر على استلامه لمهامه كوكيل لوزارة صحة الوفاق.

وفي تواصل لأزمة حكومة السراج، أصدر ثلاث أعضاء من المجلس، هم فتحي المجبري، وعلي القطراني، و عمر الأسود بياناً مشتركاً ما وصفوه بــ" الخروقات التي يمارسها رئيس المجلس الرئاسي للاتفاق السياسي".

مؤكدين رفضهم لما يتخذه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج من قرارات خارج إطار صلاحياته المنصوص عليها في الاتفاق وبصورة فردية واصفين بأنها تؤدي إلى تأزم المشهد السياسي والأمني في ليبيا وتلحق الضرر بالمساعي الجادة للوصول إلى الوفاق بين كل الليبيين.

وفي يناير الماضي، قدم نائب رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني، استقالته مؤكدا في مؤتمر صحافي، "فشل المجلس الرئاسي في إدارة الدولة كما توضح ذلك المعطيات الأمنية والسياسية على الأرض".

من جهته، أعتبر عضو مجلس النواب وعضو لجنة الحوار النيابية عيسى العريبى، إن المجلس الرئاسي غير الدستوري بشكله الحالي قد سقط بعد البيان الثلاثي لكل من القطراني والأسود والمجبري، داعيا المبعوث الأممي غسان سلامة إلى "عدم إضاعة الوقت وتحديد موعد الاجتماع وتعديل الاتفاق السياسي في أقرب وقت".

اتهامات :

تواجه حكومة السراج علاوة على الانشقاقات والاستقالات، سيلا من الاتهامات، آخرها ما أورده رئيس مجلس إدارة مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، عارف النايض، في رسالة سلمها للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة خلال اجتماع معه في تونس، حيث اتهم حكومة الوفاق بدعم تنظيم سرايا الدفاع عن بنغازي واصفاً إياه بالموالي للقاعدة وداعش. 

كما أن اتهامات عدة وُجِّهت إلى حكومة طرابلس بتمهيد الأوضاع لتنظيم داعش” كعنصر تهديد وفاصل جيوسياسي بينها وبين جماعة طبرق، في أية محاولة للزحف، وذلك كتفسير من جانب مراقبين، لقيام حكومة طرابلس بسحب اللواء 166 من مدينة سرت، في فترة من الفترات، في العام الماضي، مما كان سببًا مباشرًا في سيطرة “داعش” على سرت.

وثمة تصريح لسياسي ليبي مقرّب من السرَّاج، ذكر فيه أن حكومة طرابلس، قد أفلست، مما أدى إلى تعويق قدرتها على تمويل الجماعات المسلحة ودفع رواتب قياداتها وعناصرها، مما أدى إلى انفضاض الغالبية العظمى من هذه المجموعات من حولها.

ويذهب البعض إلى أن هذا العامل، كان وراء تأييد لواء الصمود في مصراتة لحكومة السرَّاج؛ حيث إنه كان سوف يصبح معزولاً لو كان قد تبنى موقفًا معاديًا لها، فحتى كتائب مصراتة، تؤيد اتفاق الصخيرات، وحكومة السرَّاج، وكذلك المجلس الرئاسي الذي انبثقت عنه.

تبعًا لهذه التطورات، انتخب مجلس الدولة الليبي، وهو جهة استشارية، ، عبد الرحمن السويحلي، رئيسًا له، وذلك من الجلسة الثانية من دون معوقات، إلا أن الأمور في طرابلس لم تستقر بعد. فبالرغم من إعلان الحكومة في طرابلس مغادرة الحكم ودعوتها لتسليم السرَّاج للوزارات، فإن رئيس حكومة طرابلس خليفة الغويل أعلن أنه يرفض تسليم السلطة، ليكون ذلك هو أول ملمح من ملامح تأثيرات التحالفات القائمة في الشرق الأوسط على الأوضاع الراهنة في ليبيا.

فالغويل أحد الأطراف المحسوبة على الإخوان المسلمين في ليبيا، وهؤلاء – وهو أمرٌ غير خافٍ على أحد – تلقوا خلال السنوات الماضية، كامل الدعم المادي والعسكري والسياسي من المحور التركي القطري.

كما عانت حكومة طرابلس من انتقادات متزايدة من دول الجوار المغاربي ودول الجوار المتوسطي، سواءٌ فيما يتعلق بقضية توطن التنظيمات الإرهابية وتحول ليبيا والمناطق التي تسيطر عليها حكومة طرابلس إلى بؤر انطلاق لتهريب السلاح والمقاتلين، وكانت تونس أكثر من عانت في ذلك، أو نقطة انطلاق مهمة للمهاجرين غير الشرعيين، وهو ملف تزايدت مخاطره الأمنية على أوروبا في الآونة الأخيرة.

وفي سياق متصل، وجه فتحي المجبري نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، اتهامات لأعضاء بالمجلس الرئاسي، حيث أكد أن بعض الأطراف في المجلس تساوم عمداء بلديات منطقة الهلال النفطي للحصول على موارد مقابل التخلي عن مبادئهم الأساسية في دعم المؤسسة العسكرية ونيل حقوقهم.مشير إلى أن "مساومة من هذا النوع مرفوضة وبأن وجودهم في المجلس الرئاسي لضمان ذلك".وجاء هذا خلال اجتماعه، الاحد الماضي، بعمداء بلديات الهلال النفطي في إجدابيا، وفق ما نقلت مصادر إعلامية.

وتأتي هذه الاتهامات، في ظل إنتقادات واسعة طالت حكومة الوفاق مؤخرا، حيث إنتقد المركز الليبي للإعلام وحرية التعبير، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، على خلفية إعتداء الميليشيات المسلحة على المشاركين في الاحتفالية بالذكرى 48 لثورة الفاتح من سبتمبر" بقيادة العقيد القذافي، محملا اياه المسؤولية عن كل الجرائم المرتكبة ضد المشاركين في الحفل لكون الجماعات المسلحة المعتدية تابعه له.

كما لاقى اتفاق عقدته حكومة الوفاق الليبية، مع مليشيا أحمد الدباشي المعروف باسمه الحركي "العمو"، أحد أكبر زعماء المليشيات في مدينة صبراتة، وذلك لوقف تدفق سيل المهاجرين إلى أوروبا مقابل الاعتراف بجماعته ضمن أجهزة الأمن الشرعية لدى حكومة الوفاق وتزويدها بالسيارات والقوارب ودعمها ماليا، تنديدا واسعا حيث إعتبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن سياسات حكومة الوفاق الوطني في عقد صفقات أحتواء ودعم الجماعات والتشكيلات المسلحة وعصابات تهريب البشر ومنحهم الأموال والامكانيات والآليات ومنحهم غطاء الشرعية وإسقاط التهم والجرائم الموجهة لها، يعد تجاوزا خطيرا لمعالجة ملف الهجرة غير الشرعية.

يبقى الأمر في يد الائتلافات الإقليمية المسيطرة على القوى المختلفة في ليبيا، ولكن هذه الائتلافات الإقليمية تعيش بدورها حالة من الانقسامات، سياسيا وأيديولوجيا، بما يقول إن الاتفاق فيما بينها، لا يمكن ان يكون أبدا، خصوصًا وأن بعض هذه القوى لا يملك قراره السيادي في هذه الأمور، بل الأمر في قبضة قوى أخرى أكبر وأقدر، من مصلحتها استمرار هذه الحالة من التفتت والفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وغيرها إلى عقود طويلة قادمة.