توجد في موريتانيا مجموعة كبيرة من المخطوطات توزعت على شكل مكتبات خاصة في مختلف القرى والأرياف التي أنتج فيها المجتمع البدوي الموريتاني ثقافة نادرة من نوعها, تحت الخيمة وعلى ظهور الإبل وهم يتتبعون مواطن المرعى والكلأ. وتجلى ذلك الإنتاج في حركة علمية واسعة, والعناية بجميع المخطوطات وتراثها في مختلف الحواضر. وقد تم إحصاء أكثر من 700 مكتبة في موريتانيا  تقدر مخطوطاتها بحوالي 40.000 مخطوطا في شتى الفنون والمعارف من بينها تلك الموجودة في مدينتي  شنقيط ووادان  التاريخيتين   , لكن هذه المخطوطات مازالت تعاني من الإهمال وسوء الحفظ بسبب نقص الإمكانيات المادية والخبرات. الشيء الذي أثر بدوره على الجانب الفني في التعامل مع هذه المخطوطات , حيث جاء معظمها مبتور البداية أو النهاية أو الاثنين معاً. و مجهول المؤلف أو الناسخ أحيانا, أو بدون تاريخ أحيانا أخرى, خاصة المخطوطات التي تتناول مواضيع حساسة جداً مثل الفلك والطب و العبودية,والنزاعات القبلية, وتركة الأموال, وبعض الفتاوى الفقهية.   

 

 

 

 

 

 

"مخطوطات موريتانيا  بمختلف العلوم والتخصصات" 

 

تتناول المخطوطات الموريتانية الموجودة في مكتبات مدينتي شنقيط ووادان  مختلف العلوم والتخصصات بداية بعلم الفلك ابرزها  مخطوط تحت عنوان ( المنهج القريب في هيئة العالم اللبيب ) لأحمد بن عبد العزيز اللمطي الفوتي ( ت 1540م. تقريبا و يتناول تعريف علم الفلك وتبين موضوعه ومبادئه الهندسية ومحاولة فهم الأجرام البسيطة. وقد تطرق صاحبه إلى تعريف الزاوية، والمساحة والشكل وتقسيمهما، ووصف الدائرة والكرة. والمخطوط مقسم إلى فصول تناول أحدها المبادئ الطبيعية لهذا العلم دون أن ينسى دراسة البروج وغيرها مما يتعلق بالفلك، وهو على شكل نظم منتظم ودقيق من أجود ما يكون. وكذالك التوحيد والفقه ك( الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام ) لمؤلفه: محمد بن أحمد، أبو عبد الله الملقب : ميارة ( مولود 1590، والمتوفى  1662 )م ويتناول هذا المخطوط علاقة الحكام بأحكام الدين وتعامل القضاة مع العامة في أمور الدين والدنيا.وقد بدأ بذكر القاضي أبو يحي بن محمد بن محمد بن عاصم الذي تولى القضاء عام 838هـ  وأثنى عليه ،كما تطرق للنزاعات والصراعات و الخلافات التجارية وما يجب على المدعي والمدعى،والشهود وأنواع الشهود. وبه باب للوكالة وما يتعلق بها وطبيعة الوكيل وكيفية التوكيل ،والدين وتأديته وكذلك إعارة المال وجميع القضايا المتعلقة بتعاملات العامة الاجتماعية والاقتصادية وما للحاكم والمحكوم وما عليهما في علاقة كل منهما بالآخر اعتمادا على الدين الإسلامي وأحكامه. ومخطوط ( الفتوحات القدسانية بالأجوبة الفلانية) للعلامة سيد محمد بن سيد المختار الكنتي ( ت 1811 )م الذي يتناول الكثير من الأسئلة الهامة في المعاملات اليومية وبيع، بعض المواد الغذائية كالزيت واللحم، وبيعها جزافا أو أشهادا. ويبين شروط الشرع حولها، وموقف العقيدة الإسلامية من ذلك، ويحث على ضبط الكيل، والوزن والميزان، ويستدرك الآية الكريمة:( وأوفوا الكيل والميزان). كما تناول القبور و مجاورتها، ومكانتها و وجوب احترامها. هذا بالإضافة إلى ( نوازل سيد عبد الله ولد حاج إبراهيم) وقد نشر مؤخرا على شكل كتاب لسيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم (مولود 1152م و متوفى 1811 )م و يعتبر مصدرا من المصادر الفقهية الهامة التي يعتمد عليها كثيرا في التعامل مع الأحكام الشرعية.وينقسم المخطوط إلى خمسة أقسام  تتطرق فيها المؤلف إلي كل ما يتعلق ب (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، لحوم الذكاة ، اليمين ،الأنكحة ،البيع وما يتعلق به ، القضاء ، الشهادات ، الميراث ...الخ ).

ومن بين هذه المخطوطات مخطوط في الطب على علاقة بكتاب (الرحمة في الطب والحكمة ) يذكر الأدوية النافعة المأخوذة من الطب التقليدي مبينا كيفية التعامل مع الأمراض المختلفة كحفرة الأسنان ونفخ الفم ووقع الضرس، وأوجاع المعدة، والسعال وأمراض الهضم. وينبه على أن الاعتناء بالصحة خير من شرب الدواء.ويذكر الصحة وشروطها. ومخطوط (العمدة) ويتناول الطب التقليدي بامتياز، مشيرا إلى أن الطب في الأساس علم وعمل يكتمل بعلم الطبيعي،  والضروري من الأمور، ومعرفة الأمراض والعلم بالأسباب، والأعراض التي قسمها إلى ثلاثة – أولها داخلي و ثانيها خارجي وثالثها الضد-. والمخطوط على شكل فصول أو أبواب.  يتناول الباب الأول منها الطبيعة وما فيها من حكمة بديعة كما يذكر المؤلف، ويتناول الباب الثاني طبائع الأغذية والأدوية، ويتحدث الباب الثالث عن الضرورة في استعمال بعض الأشياء.  أما الباب الرابع فيتطرق الأمراض وأسبابها، في حين تناول الباب الخامس ترتيب أعضاء الجسد وكيفية الأمراض التي تصيب كل منها. أما الباب السادس والأخير فقد تتطرق فيه الكاتب إلي العلل،  وعنون أخير أطلق عليه – حكمة العلاج – المتمثلة حسب المحطوط في خلق الله عز وجل لإرادة السبب والتأثير على المتسبب. وأخيراَ خاتمة يذكر فيها ما يجب على المعالج وبعضها يتعلق بالعدالة والصبر.

وقد حظي التاريخ الموريتاني والغربي بنصيبه بين رفوف هذه المخطوطات بداية بمخطوط تحت عنوان (نقلة في التاريخ)  وهو نبذة من التاريخ الموريتاني القديم جمعها صاحبه ، معتمدا فيها على المشاهير والوقائع  والنوادر .وقد ابتدأها من تاريخ  1397-  أي القرن الرابع عشر للميلاد  موافق 1095هـ ، وأنهاها سنة  1977 أي في القرن العشرين للميلاد  موافق 1683هـ -  مؤرخا لكل عام بما وقع فيه من حدث هام ،فهو بذلك سرد تاريخي هام لأهم الإحداث، كموت عالم أو شيخ قبيلة  أو اتفاق بين قبيلتين أو بين القبائل الموريتانية والنصارى .

 

 

 

 

 

 

 

وبالإضافة الى هذه المواضيع وغيرها فقد بينت بعض المخطوطات أهمية العلم و تعليمه مثل: (مفيد العباد سواء العاكف فيه والباد ) ويقول صاحب هذا المخطوط : أحمد بن البشير بن الحسن الغلاوي الشنقيطي ( ت 1861 )م في بدايته إن العلم النافع هوا لذي يستعان به على طاعة الله، وهو الذي يذود بصاحبه إلى الخوف والخشية والتواضع. وذلك مع ذكر أنواع العلوم المختلفة ( كعلوم الفقه والعقيدة   والحساب والتاريخ...الخ )، كما تناول البعض منها  التوحيد كمخطوط ( أم البراهين ) لمؤلفه: : محمد بن يوسف بن عمر السنوسي، أبو عبد الله ( مولود 1428م ، متوفى 1490)م وهو كتاب ذاع صيته في علم التوحيد والتمسك بالعقيدة الإسلامية، والتعلق بالخالق عز وجل. وقد حث صاحبه على ذلك في بداية المخطوط، حيث يقول: " إن أول ما يجب على المكلف شيئان، معرفة الله تعالى ومعرفة الرسل عليهم السلام".ويذكر في آخره أن أهم شيء ، هو النظر إلى وجه الله الكريم. ويعتبر ذلك الركيزة الأساسية التي يقوم عليها هذا العلم. و منها ما تناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والأدب والفلاحة, وغيرها مما يشغل الناس بأسلوب أدبي وعلمي فريد من نوعه.

 

"مخطوطات تحمل إرثا حضاريا معرضة للتلف "

 

تعتبر  الوسائل المتاحة لصيانة المخطوطات  الموريتانية في الوقت الحاضر غير مشجعة, سواء علي المستوى الفردي في المكتبات الشخصية الموروثة أب عن جد, أو على مستوى الرسمي. ويتعلق الأمر هنا بما هو موجودة في قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي الذي اطلعنا عليه عن قرب  , ذلك أن المخطوطات الموجودة فيه شبه مبعثرة و ليست مرتبة على أساس المواضيع أو التواريخ أو الأماكن. وإنما تم وضعها في فهرس متلف هوا لآخر ومبتور يتيه فيه الباحث ويذهب وقته دون الوصول إلى ما جاء من أجله. وهي أمور تمثل عرقلة أمام البحث في هذا المجال .

 

"خلاصة"

 

تحتفظ أغلب العائلات الموريتانية بالمخطوطات في القرى الصحراوية البعيدة بطريقة بدائية لا تحترم قواعد حفظ المخطوطات. ويؤكد الباحث سيدي محمد ولد العربي وجود مخطوطات نادرة في موريتانيا مهدّدة بالتلف وممنوعة من أيدي الباحثين، بعضها مهمل مكتبات المدن التاريخية وأخرى تملكها العائلات الموريتانية وتتوارثها من جيل لآخر تشكو الإهمال والأيدي العابثة وجهل الباحثين والقراء بقيمتها وأهميتها.

ويضيف أن أغلب المخطوطات الموريتانية لا تزال حبيسة بيوت أحفاد العلماء والمشايخ يحتفظون بها ويرفضون عرضها في المعارض أو إطلاع الباحثين عليها، فمالكو المخطوطات يعتبرونها ملكية خاصة ولا يأبهون لقيمتها التاريخية والعلمية والحضارية. ويحمل الباحث الجهات الرسمية مسؤولية إهمال المخطوطات النادرة في موريتانيا، ويعتبر أن منع اندثار هذه المدخرات المغمورة والمبثوثة في كثير من زوايا البيوت يرتبط بتوعية العائلات التي تحتفظ بالمخطوطات بأهميتها وتدريبهم على حمايتها ونفض غبار الإهمال والجفاء عنها، وتحسيسهم بأهمية عرضها وتسهيل اطلاع الباحثين عليها.

ويقوم الباحثون بجهود حثيثة لبعث الحياة بالمخطوطات التي تسمح لهم بعض العوائل بالاطلاع عليها، كمعالجتها وتنظيفها من الحشرات والفطريات والغبار وتصويرها على شرائط ميكروفيلم.