منذ أوائل شهر أبريل الماضي تعالت أصوات المنظمات العالمية و الحقوقية للوقف الفوري لإطلاق النار عالميا، حيث ناشدت 192 منظمة حقوقية حول العالم مجلس الأمن بالأمم المتحدة دعم مبادرة وقف إطلاق النار عالميًا، التي تطالب الأطراف المتحاربة ومؤيديها الدوليين بدء التعبئة فورًا لأجل وضع حد للصراعات التي تهدد حياة المدنيين في جميع أنحاء العالم وتجعلهم أكثر عرضة للوباء.
و تعتبر ليبيا من بين الدول الأكثر تضررا بخطر آفتي الحرب و الوباء رغم ضعف نسب الإصابات بالفيروس التاجي التي لم تتجاوز إلى حد اليوم 64 إصابة. ورغم المناشدات الدولية للوقف الفوري للحروب الدائرة في أرجاء البلاد، إلا أن أزمة الحرب تتقد يوما بعد يوم من "خرق الهدنة" إلى "طيور أبابيل".
أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تقريرها عن الخسائر البشرية في الربع الأول من عام 2020 إلى زيادة بنسبة %45 في الخسائر في صفوف المدنيين مقارنة بنفس الفترة من 2019، نسبة عالية قابلة للارتفاع فالمدني في ليبيا مهدد بـ"الموت" إما بالجوع أو الوباء أو القصف.
أدرجت منظمة الصحة العالمية، ليبيا على لائحة الدول المعرضة لخطر شديد من فيروس كورونا منذ بداية تفشي الفيروس حيث قالت المنظمة "إن قدرات ليبيا للكشف عن الفيروس والاستجابة له ضعيفة، هناك خطر كبير يتمثل في احتمال انهيار النظام الصحي بشكل كامل وسريع في حال انتشار المرض في ليبيا. لن تتمكن السلطات من التعامل مع الأعداد الكبيرة للمرضى، لا سيما في الغرب والجنوب اللذَين يمزقهما النزاع."
و أفادت منظمة الصحة العالمية بوقوع 13 هجوما على مرافق صحية في ليبيا في 2020 حتى أوائل مايو، أدّت إلى تدمير ثمانية مرافق للرعاية الصحية وثلاث مركبات نقل. كما أسفرت الهجمات عن مقتل خمسة موظفين طبيين وإصابة 17 آخرين.
و في هذا السياق دعا الأمين العام الأطراف المتحاربة في ليبيا لتوحيد قواها من أجل التصدي للوباء العالمي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد، وذلك بالنظر إلى الوضع الإنساني المتردي بالفعل إلى جانب التأثير المحتمل لوباء كوفيد-19.
تدمير البينية الصحة الليبية ينضاف إلى معاناة آلاف المدنيين، ولا سيما النازحين والمهاجرين، الذين يفتقرون إلى الأساسيات كالماء والكهرباء والمأوى والغذاء، حيث يوجد أكثر من 8 ألف شخصًا في مراكز احتجاز مزدحمة غير صحية، يواجهون وحدهم خطر الوباء، بينما تواصل السلطات الليبية المتنافسة و الدول الداعمة لها خرق وقف إطلاق النار المتفق عليه.
وطالت الأزمة الليبية المهاجرين حيث أعربت مفوضية حقوق الإنسان عن قلقها من منع سفن البحث والإنقاذ الإنسانية، التي عادة ما تجوب منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط، من دعم المهاجرين المنكوبين، في وقت ارتفعت فيه أعداد مَن يحاولون القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، من ليبيا إلى أوروبا من "الموت" إلى "الموت".
يتحمل المدنيون الليبيون أعباء الأزمة و يدفعون ثمن الحرب و النزاعات" باهضا" فعلى غرار إغلاق المؤسسات الحيوية في ليبيا و تدمير و إغلاق عديد المنشآت النفطية و تعطيل الإنتاج، يعاني الليبيين من نقص فادح في المؤن الأساسية فقد تفاقمت الأزمات المعيشية لليبيين، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في البلاد خلال السنوات الماضية، و بين الحرب و الوباء يعيش الليبيون اليوم أخطر "وضع إنساني" عالمي.
أزمة إنسانية يعيشها المدنيون في ليبيا تتحمل مسؤوليتها السلطات الليبية المتنازعة و الدول الداعمة "لإضرام" الوضع في ليبيا، عوض دعم الوضع الإنساني و السعي لمصالحة وطنية ليبية تخرج البلاد من دوامة أزمات أطاحت ببنيتها الصحية و التحتية و عصفت بأساسيات الحياة للمواطن كالماء و الكهرباء و الغذاء. ليبيا اليوم "أزمة إنسانية" أكثر منها "فريسة" تتكالب سلطاتها و الدول الداعمة على تقسيمها.