في العدد الماضي (الأسبوع المغاربي-عدد 82)، حول ملف المدينة، تناول المفكر الجزائري محمد شوقي الزين موضوع المدينة من حيث بُعديْها الجمالي والوظيفي، من منطلق أن فكرة المدينة تواقتت مع فكرة الحضارة والتمدُّن، ورأى أنه "منذ النصوص العريقة، كانت المدينة استعارةً لظاهرتين: إحداهما «كونية» هي الكوسموس (...) والثانية «عضوية». في الحالة الأولى، نحن أمام «قيمة جمالية»، من حيث أن الكوني (cosmique) يشير إلى الجمالي (cosmétique)، وفي الحالة الثانية أمام «قيمة استعمالية». ويخلص إلى أهمية السلوك المدني لدى الفرد ودوره في الارتقاء به إلى مصاف المواطن الذي يعي أنه يعيش داخل شبكة من العلاقات ومعها، ومن هذا الوعي "يُكمِّل ما نقُص فيه بالاحتكاك بغيره ويُكمِّل غيره بما نقُص فيهم"، حيث "توفِّر المدينة أساسيات هذا التصحيح المتبادل بما يجعل ممكنًا العيش المشترك".
كما تناول الباحث المغربي وديع بكيطة نشأة المدن في سياق تاريخ الفكر البشري وتطلع البشر إلى الاستقرار الذي تولدت منه أنماط مختلفة من العمران، كانت تجليا لأنساق التفكير السائد آنذاك بخلفياته البدائية السحرية. ويرى أن زمننا المعاصر يشهد "سيادة نمطين للمدينة؛ الأول نمط على الطريقة الرومانية وسلفها اليوناني، ويتجلى في العالَم الأمريكي بدوله وولاياته... وهو نمط يقوم على فكرة التوازن بين من يحكم والطبقة المتوسطة، حيث الفضاء العام هو مجال لكل التجاذبات والتوترات والتحويلات والتغييرات... والثاني هو نمط تقليداني مشرقي يقوم على أساس التماثل بين البنية الدينية والسياسية والإديولوجية، التي هي أصلا سواء". ويخلص إلى "أن أفق ما يسمى بسؤال المدينة/الدولة؟ بشمال إفريقيا وحتى غرب آسيا رهين بإعادة بناء الجغرافيا الذهنية لهذه المجتمعات وبناء هندسة معمارية تُراعي إنسانية الإنسان وليس عبوديته، إن مدننا المغاربية تتناسب وبحق مع جهلنا المركب، لأن البناء الذهني هو نفسه البناء العمراني".
ليندا زديرا، الناشطة الجزائرية في مجال اللجوء والمقيمة بفينيسيا، كتبت عن هذه المدينة التي شاءت الأقدار أن تقيم فيها بعد أن غادرت مدينتها خنشلة. تقول ليندا: "أن تحيا، وتحتك الماء ومن فوقك السماء، وحولك الجدران المُذهّبة والمنحوتات العجيبة، تلك هي مدينة البندقية، فينيسيا الآسرة والعصية على فكرة النسيان والتجاوز". وتستعيد ليندا مدينتها خنشلة "التي تفتقر إلى الترتيب وترقيم المنازل، فهي مجرد أحياء سكنية أو تجمعات عشوائية، الصوت الأعلى فيها للإسمنت المسلح".
عبد المجيد طعام، الباحث والإعلامي المغربي، كتب عن وجدة، وكيف كانت فضاء للبساتين، وكيف زحف عليها الإسمنت منذ الثمانينيات، ففقدت المدينة توازنها البيئي تحت جشع سماسرة العقار. يقول الكاتب: "شهدت مدينة وجدة توسعا أفقيا عشوائيا، لا ينسجم مع الخصوصية العمرانية التاريخية للمدينة، لقد فقدت وجدة هويتها، اختفت مجموعة من الآثار"، يمكن القول أن المدينة بمسؤوليها وساكنتها أمام رهان كبير يتمثل في البحث عن بدائل جديدة تحقق مبدأ التغيير واستدامته"، وبعد سرد للتحولات التي طرأت على المدينة اقترح جملة من المقترحات في ضوء ما تعيشه من حراك جمعوي وثقافي وفي سياق مشروع الجهوية الموسعة، داعيا إلى تضافر الجهود بين ممثلي المجتمع المجتمع المدني والنخب السياسية ودور المجالس المنتخبة في توفير التأطير العلمي كيفيات التدبير الحديث للمدن "من أجل مدينة رائدة قادرة على أن تحقق الأتوتونوميا التي بإمكانها أن توفر للسكان فرص العيش الكريم، تحت ظل ممارسة يومية لقيم المواطنة".
واستضاف الملف الدكتور الباحث الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة، حيث أجرت معه السيدة نجاة فقيري حوارا استعرض فيه مفاهيم المدينة التونسية تاريخا وحاضرا.
ولأننا دأبنا في الأسبوع المغاربي، منذ نشأته، على مواكبة الأيام العالمية بوصفها معالم وإحداثيات تضبط خطواتنا في اتجاه مستقبل آمن، معالم تضافرت على تصميمها كل التجارب البشرية بما انطوت عليه من عبقرية وإنسانية وبعد نظر. يطيب لنا أن نذكر قرّاء الأسبوع وبوابة أفريقيا الإخبارية أن العالم يحتفل بين السادس نوفمر والعاشر منه كل عام بـ “اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية”، ويأتي تخصيص هذه الفترة لتسليط الضوء على الدور الهام الذي يؤديه العلم في المجتمع والحاجة إلى إشراك جمهور أوسع في المناقشات المتعلقة بالقضايا العلمية الجديدة كما إن هذا اليوم يؤكد على أهمية العلم في حياتنا اليومية.
يأتي اليوم العالمي للعلم من أجل السلام والتنمية في العاشر من نوفمبر من كل سنة، وذلك ضمن احتفالية بالأسبوع الأممي للعلم والسلام، والتي انطلقت للمرة الأولى في عام 1986 بوصفه جزءا من الاحتفال بالسنة الأممية للسلام. ونظمت فعاليات ذلك الأسبوع بوصفها مبادرة غير حكومية، وأُعلمت أمانة السنة الأممية للسلام بأنشطة تحضيرية وملخص نهائي للفعاليات التي أقيمت في أثناء الأسبوع. وسعى المنظمون إلى تشجيع أكبر مشاركة أممية ممكنة في تلك المناسبة.
إن السؤال الذي يظل مطروحا هو متى تدرك النخب المغاربية وكيف تدمج مجتمعاتها في أبعاد هذه الأيام العالمية؟ ومتى وكيف تدمج هذه الأيام في ثقافة مجتمعاتها وتجعلها من صميم برامجها التربوية والإعلامية والسياسية؟
السياسة، لدى الإغريق، هي علوم تدبير شؤون المدينة، ونستفيد من التاريخ أن هناك مدنا بادت وأصبحت مجرد أطلال، بعد أن تعرضت إلى التدمير بسبب الغزو ولم تنجح في الدفاع عن نفسها لا بقوة القتال ولا بقوة التفاوض، أو بعد أن تعرضت إلى كارثة أيكولوجية فانعدمت فيها شروط الحياة فهجرها أهلها إلى غير رجعة، أو بسبب وباء أجهز على أهلها، أو بسبب نضوب موارد العيش.
وفي عصرنا الراهن نجد بعض البلدان مازالت مدنها تصارع مشاكل الاختناق في المرور، مثلما هو حال الجزائر العاصمة التي عقد من أجلها، مؤخرا، وزير النقل عيسى بكاي رفقة وزير الأشغال العمومية كمال ناصري لقاء من أجل دراسة الحلول والتدابير الإستعجالية لإنقاذها من الإختناق المروري. بينما تعمل إسكتلندا على إنشاء شبكة تدفئة للشوارع بهدف إذابة الثلوج حفاظا على سلامة المواطنين، أما في السعودية فقد وضعت خطة لتثمين الطاقة النظيفة للسيارات، وستحظى العاصمة الرياض بما لا يقل عن 30% من سيارات كهربائية بحلول عام 2030، وذلك في إطار خطة خفض الانبعاثات الكربونية، والوصول بها إلى مستويات صفرية بحلول عام 2060.
في هذا العدد (انظر الأسبوع المغاربي - عدد 83) في الجزء الثاني من ملف المدينة، كتب الأستاذ الجزائري مخلوف عامر عن مدينة سعيدة، والأستاذ عبد الرحمان غندور المغربي عن مدينة صفرو والأستاذ الليبي محمد قصيبات عن مدينة بنغازي والأستاذ محمد داود عن مدينة وهران، وكتب الباحث مصطفى قطبي عن المغرب وأزمة الهوية العمرانية.