بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على اختفاء الطبيبة النفسية الليبية وعضو مجلس النواب المنتخبة سهام سرقيوة ،أطلقت منظمة العفو الدولية حملة دولية تدين فيها استمرار اختطافها مطالبة بالكشف عن مصيرها والإفراج الفوري وغير المشروط عنها.
حادثة اختطاف النائبة سرقيوة عنوة من بيتها وسط هلع عائلتها في بنغازي منذ 17 جوان /يوليو الماضي ،تعتبر واحدة من عشرات قضايا خطف واغتيال و تعنيف تطال النساء في ليبيا ،سواء لدوافع سياسية أو لدوافع دينية متشددة.
ومع اختلاف الدوافع بقيت المرأة الليبية أسيرة الصراعات والإقصاء تفتقر إلى الكثير من حقوقها السياسية والاجتماعية على حد سواء.
الحاضرة المغيبة
يعتبر الدستور الليبي الذي وقعت المصادقة عليه عام 1951 قفزة نوعية في تاريخ المرأة الليبية، حيث فرض إلزامية التعليم الأساسي، مما ساعد الليبيات على التحصيل العلمي، ومن ثم الانخراط في العمل في مجالات مختلفة. كما منح دستور 1951 المرأة مساواة مع الرجل في مجالات متعددة ومختلفة، إذ نص الدستور في مادته الحادية عشرة على أن"الليبيون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين أو المذهب أو العنصر أو اللغة أو النسب أو الآراء السياسية والاجتماعية".
شكل هذا الدستور نقلة نوعية في الحياة الاجتماعية للمرأة الليبية بتشكيل أطر عمل نسوية خاصة بها، لعل أبرزها و أولها هذا الحركة النسائية الليبية التي أطلق عليها اسم جمعية النهضة النسوية، إذ قامت السيدة حميدة طرخان المعروفة باسم حميدة العنيزي بتأسيس هذه الجمعية النسوية عام 1954، وكانت أول جمعية نسوية مقرها بنغازي تطالب بحق النساء في تقلّد مناصب سيادية وعلمية عليا.
كما رسمت فترة حكم معمر القذافي ملامح جديدة لتطوير واقع حقوق المرأة الليبية، إذ فتحت التشريعات الجديدة الباب للمرأة لاقتحام أبواب العلم والخدمة الاجتماعية، بما في ذلك انتسابها إلى قوى الأمن والجيش في البلاد. رغم ذلك اعتبر البعض هذه التشريعات صورية لم ترقى إلى مستوى تطلعات المرأة الليبية و رغبتها في المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية و الاجتماعية للمجتمع الليبي و عانت لسنوات من القمع و التغييب و الاضطهاد .
وعلى الرغم من أن ليبيا صادقت على اتفاقية "سيداو CEDAW" التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979 والتي مهّدت للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. لكن ليبيا وضعت بعض التحفظات على بعض بنود الاتفاقية التي لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية. لذا بقي وضع المرأة الليبية صعبا ومكبلا بين المصالح السياسية والبنى الاجتماعية القائمة على التمييز والقبلية.
من النكسة إلى النكبة
ساهمت المرأة الليبية و منذ بداية التحركات الاحتجاجية المناهضة لحكم معمر القذافي في فبراير 2011 ،وكانت حاضرة في الشوارع وشاركت في المسيرات من أجل الدفاع عن حقوقها وفرض مكانتها التي غُيّبت لسنوات ،فرغم وجود ترسانة من القوانين الضامنة لحقوقها إلا أنها كانت قوانين صورية في غالبها.
ورغم أن المرأة الليبية حصلت على بعض المكاسب بعد أحداث فبراير، وأصبحت متواجدة في المجالس التشريعية والهيئات السياسية، بما يقارب 16 في المائة. كما تم تأسيس العديد من مجموعات الدفاع عن حقوق المرأة والمبادرات النسائية. إلا أن جُلّ الناشطات في المجال الاجتماعي أكدن أن المرأة الليبية لا تتمتع بالكثير من حقوقها مشيرين إلى أنَّ الصراعات الدائرة على السلطة وأعمال العنف المستمرة و عدم استقرار الوضع السياسي و الاجتماعي على حد السواء يهدد بقوة مكاسب المرأة الليبية.
تقول جميلة فلاق العاملة في وزارة الثقافة الليبية في احدى تصريحاتها لصحيفة عربية تعبيرا عن الوضع الراهن للمرأة الليبية: "لقد حصلنا في البداية من خلال أحداث فبراير 2011 كمواطنين على العديد من الحرِّيات. ولكن من وجهة نظر معظم الرجال فإنَّ دور النساء قد انتهى عند ذلك الحدّ أيضًا. والرسالة الموجهة إلينا هي: ’شكرًا لَكُنَّ على كلّ شيء والآن يجب عليكنّ العودة إلى المطبخ".و يعتبر البعض الاخر أن للإسلاميبن بعد 17 فبراير ، دوراً كبيرا في تردي أوضاع المرأة الليبية في الجوانب السياسية والحقوقية والاجتماعية، و اعتبروها من أصعب العقبات التي تواجهها المرأة الليبية و التي لم تشهد مثلها بعد الإستقلال و في فترة حكم القذافي.
تضييق..اختطافات...اغتيالات
و مع بداية سلسلة اغتيالات و اختطافات نسائية دق ناقوس الخطر مدويا معلنا تهديدا حقيقيا لمكاسب المرأة الليبية ففي الخامس والعشرين من شهر جوان / يونيو 2014 اغتيلت الناشطة والحقوقية سلوى بوقعيقيص برصاصة في الرأس في منزلها بمدينة بنغازي الليبية.
وتعتبر سلوى بوقعيقيص المناضلة والمحامية من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان زمن معمر القذافي، وهي أول من خرج في شهر فيفري/فبراير 2011 ،و انضم إلى المتظاهرين في مدينة بنغازي ،كما مثلت مدينتها كعضو في المجلس الوطني الانتقالي، وهي من أحد مؤسسي هذا المجلس.
ثم قام مجهولون باغتيال الناشطة فريحة البركاوي العضو المستقيل من البرلمان الليبي عن مدينة درنة أمام مدرسة التوفيق التي تدرس بها بحي باب شيحا.
وقد عرفت السيدة البركاوي بمواقفها الجريئة وانتقادها لأعضاء المؤتمر الوطني العام الليبي والتجاوزات الحاصلة في ذاك المؤتمر، وهو ما دفعها إلى تقديم استقالتها من المؤتمر في فيفري / فبراير 2014 ليتم اغتيالها 17 جويلية /يوليو2014.
أما حادثة اختطاف عضو مجلس النواب سهام سرقيوة من منزلها واقتيادها إلى مكان مجهول ، صبيحة يوم الإربعاء 17 جوان /يوليو الماضي فقد أكد برلمانيون أن عملية الاختطاف جاءت على خلفية تهديد نواب تصريحات سهام الرافضة للعدوان على طرابلس.وأفادت صحف ليبية تعرض بيت سرقيوة في بنغازي إلى هجوم في الساعات الأولى من صباح الأربعاء من قبل مسلحين تابعين لقوات حفتر،وخلال ذلك، أصيب زوج سرقيوة بالرصاص في ساقه، وتعرض ابنها البالغ من العمر 16 عاما للضرب المبرح.و قد حملت منظمة العفو الدولية خليفة حفتر مسؤولية الكشف عن مصيرها ومكان وجودها وحمايتها من أي نوع من التعذيب.
و لم يقتصر الاختطاف عل النائبات، فمنذ 21 يوما اختطفت سيدة مسنة تبلغ من العمر 70 سنة من وسط بيتها في بنغازي أيضا في وضح النهار على يد مجموعة مسلحة مجهولة الهوية حسب وصف أهلها.وهي مقبولة الحاسي والدة لاعب نادي النصرالليبي أحمد الحاسي، والذي نشر على صفحته دلائل عمل والدته في معالجة المرضى بالأعشاب وبطريقة مرخصة.
و طال المرأة الليبية أنواع عديدة من التنكيل بها حيث تعرضت للتهديد والاغتصاب من قبل المليشيات، حتى أن عددا من الصحفيات والمحاميات والقاضيات تعرضن للتهديد، وهو ما جعلهن يعزفن عن مواصلة أنشطتهن ويهاجرن إلى دول أخرى حفاظا على حياتهن. حسب تصريح بعض الناشطات الحقوقيات.
و قد دعت العديد من المنظمات الليبية على غرار اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان و الدولية على غرار منظمة الأمم المتحدة الى حماية المرأة الليبية من العنف و حماية حقوقها السياسية و الاجتماعية وأدانت بشدة ما يطالها من انتهاك جسدي ومعنوي محملة كل الأطراف المعنية مسؤولية حمايتها و ضمان حقوقها، لكن وضع المرأة الليبية ظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بالوضع العام للبلاد التي شهدت تقسيمات و تهديدات حالت دون استقرار الوضع منذ 17 فبراير2011.