التصريح المسجل الذي بثته وكالة الأخبار الموريتانية الخاصة، وهي التي تنشر غالبا بيانات الجهاديين، والذي جاء فيه على لسان عدنان أبو الوليد الصحراوي أحد قادة التنظيم “تعلن جماعة ‘المرابطون’ بيعتها لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي. وندعو كل الجماعات الجهادية إلى مبايعة الخليفة لتوحيد كلمة المسلمين ورص صفوفهم أمام أعداء الدين، كما ندعو كافة المسلمين إلى الالتفاف حول دولة الإسلام والدفاع عن الخلافة”، قابله تصريح آخر لقائد التنظيم مختار بلمختار ينفي فيه الالتحاق بداعش وأميرها البغدادي، ما يفتح مجال التأويلات العديدة حول ما تعانيه هذه الأذرع الجهادية الموالية للقاعدة من تشظ وخلافات، ذلك أن شيوخ هذه التنظيمات وشبابها تسري بينهم انشقاقات داخلية ما بين البقاء على الولاء لخط بن لادن والظواهري أو التحول إلى تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة البغدادي خاصة بعد انضمام العديد من الأفرع القاعدية لداعش ومن بينها بوكو حرام في نيجيريا وأنصار الشريعة في ليبيا وكتيبة عقبة بن نافع في تونس، إضافة إلى التململ الحاصل داخل حركة الشباب الصومالية التي يرغب شق منها في مبايعة داعش.

وتنظيم “المرابطون” الذي ينشط في منطقة الساحل والصحراء، وينفذ في الآونة الأخيرة العديد من الهجمات على مواقع الجيش المالي، إضافة إلى مهاجمته القوات الفرنسية التي شاركت في حربها على الجماعات المسلحة في شمال مالي يتزعمه الجزائري مختار بلمختار الذي يعد مدبر عملية احتجاز الرهائن في موقع عين أمناس للنفط جنوب الجزائر في يناير 2013. وقد تولى بلمختار خلال العقدين الأخيرين قيادة تنظيمات مسلحة متعددة التسميات كلها متناسلة من تنظيم القاعدة، حيث كان أميرا لمنطقة الصحراء في “الجماعة الإسلامية المسلحة” و”الجماعة السلفية للدعوة والقتال” وأميرا لـ”كتيبة الملثمين” في تنظيم ما يسمى بـ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وهو مؤسس “كتيبة الموقعين بالدماء”.

وأكد بلمختار مجددا ولاء مجموعته “المرابطون” لتنظيم القاعدة ونفى بيعة هذه الجماعة لتنظيم الدولة الإسلامية كما أعلن أبوالوليد الصحراوي، مما يبعث على الاعتقاد بوجود شقاق كبير في قيادة الحركة.

وقال البيان المنسوب إلى بلمختار إن البيان الأول الذي أعلنه عدنان أبو الوليد الصحراوي مساء الأربعاء 13 مايو “لا يلزم شورى المرابطين”. ورفض بلمختار بيعة أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، وأكد في بيانه الالتزام والوفاء بما أسماه “بيعة أيمن الظواهري على الجهاد في سبيل الله تعالى”. ووصف بلمختار بيعة البغدادي بأنها لم تلتزم “شروط الشورى في التنظيم وعهودها”، كما أنها خالفت “مخالفة صريحة البيان التأسيسي الذي حدد منهج التنظيم وسلوكه”.

وانطلاقا من الإعلان الأول للمبايعة الذي أعلنه الصحراوي اعتبر الخبير الموريتاني في الشؤون الجهادية في منطقة الساحل، أسلمو ولد صالحي، أن إعلان المبايعة يمكن أن يكون على صلة بتراجع نفوذ الجماعة ويطرح أسئلة حول مكانتها ووضع “زعيمها الأعور”، (وهو لقب يطلق على بلمختار).

وأكد ولد صالحي “في كل الحالات، بروز عدنان أبو الوليد الصحراوي الذي وقّع البيان بدلا من رئيسه، فيه تغيير للاتجاه الأيديولوجي كما أعلنته الجماعة التي تترك القاعدة وتنضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وهي القراءة الأولى التي يمكن أن نستنتجها عن تراجع نفوذ الجماعة”.

وبالعودة إلى نشوء تنظيم داعش يرى المتابعون أن هذا التنظيم ولد من رحم القاعدة، لكنه غيّر مسلكه وانتهج نهجا جديدا في ممارساته وأيديولوجيته، ذلك أن تنظيم داعش ينطلق من مدارات مختلفة، رغم انتمائه إلى خلفية عقائدية واحدة مع القاعدة.

ويرى بعض الخبراء والمحللين أن مآلات الحرب ضد الإرهاب التي يقودها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ستبين قوة كل من القاعدة أو داعش على الصمود وهي في نظرهم اختبار لقوة استراتيجيات كل منهما.

مسألة الولاء لداعش تفجرت بين منتسبي القاعدة من الصومال متمثلة في حركة الشباب وصولا إلى “المرابطون” في المغرب الإسلامي، ما يدعو إلى التفكير في مآلات هذا الصراع بين الحركتين اللتين جمعتهما الخلفية العقائدية وفرقتهما الاستراتيجيات التنظيمية.

مآلات الحرب ضد الإرهاب التي يقودها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ستبين قوة كل من القاعدة أو داعش على الصمود وهي في نظرهم اختبار لقوة استراتيجيات كل منهما

ويأتي رد بلمختار على الصحراوي رفضا لمبايعة داعش ليشير إلى شكل جديد من التنافس بين التنظيمين يتجاوز المقولات العقائدية ليصل إلى الممارسات العنفية، وكأن الأمر أصبح مزايدة في من يتفوق على الآخر من حيث شدة العنف والقتل والتفجير.

هذا من جانب أما الجانب الثاني فيظهر المنافسة ما بين الظواهري والبغدادي حول قيادة المسلمين، كما أن الصراع بين التنظيمين واضح وجلي من خلال المنتديات “الجهادية”، رغم أن كلا منهما يعمل من أجل تحقيق الأهداف نفسها.

كما أن الخلاف لم يعد محصورا في أرض العراق وسوريا، بل امتد إلى كل المناطق التي تنتشر فيها التنظيمات الجهادية، فقد أعلن بعضها مبايعته للبغدادي، في حين رفض معظمها هذه البيعة وبقي محافظا على انتمائه وبيعته للظواهري، وهذا ما قام به تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، حيث جدد البيعة للظواهري الذي أكد رفضه إعلان الخلافة في العراق وسوريا، متسائلا من خلال العديد من البيانات “كيف يتمّ إعلان كهذا من دون مشورة قيادات المجاهدين الذين ثبت صدقهم وولاؤهم ونصحهم للأمّة وسعيهم لإقامة الخلافة الراشدة”، معتبرا أنه “من البديهي والمسلّم لدى كل التنظيمات الجهادية أن إعلان خطوة خطيرة كهذه لا يتم إلا بعد توسيع المشورة”، إلا أن المنطقة الوسطى في التنظيم نفسه ( إشارة إلى ما قامت به بوكو حرام وأنصار الشريعة) أعلنت مبايعتها البغدادي، معتبرة أن “إعلان الخلافة في منطقة العراق والشام يفرض على الجماعات الجهادية مبايعتها”.

يعود أصل الخلاف إلى مبدأ “الشورى”، حيث أنّ البغدادي يتصرف دون أخذ رأي “أهل الحل والعقد” حسب أنصار “القاعدة”، والظواهري في ردّه على إعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” يقول “أخطأ البغدادي بإعلان دولة العراق والشام الإسلاميّة دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا، بل ودون إخطارنا”، وهو نفس الرد الذي جاء على لسان بلمختار، ما يدل على أن المرابطين مرابطون في حضن القاعدة وولاءهم لا يزال لبن لادن والظواهري. وقد حسم الظواهري موقف القاعدة من خلافة البغدادي في إحدى رسائله قائلا “قد بيّنت في كلمتي التي أخرجتها بعنوان ‘شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام’ أن الدولة الإسلامية في العراق فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد، وأن أميرها وجنودها في عنقهم بيعة لجماعة قاعدة الجهاد، وأميرها الشيخ أسامة بن لادن ثم شخصي الضعيف، وقد تكرّر منهم ذلك مرارا”.

 

 

* نقلا عن "العرب" اللندنية