مع تصاعد حدة الاشتباكات المسلحة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس التي تشهد منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عمليات عسكرية يقوم بها الجيش الليبي في محاولة لتحرير المدينة، تطفو على سطح الأحداث مؤشرات متتالية على وجود تدخلات من أطراف خارجية تهدف لدعم المليشيات المسلحة ومنع سقوطها.
ففي تطور جديد، أسقطت الدفاعات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي، اليوم الثلاثاء، طائرة حربية تابعة للكلية الجوية مصراتة وأسرت قائدها.وقالت تقارير اعلامية أن الطائرة كانت تغير على وحدات تابعة للجيش الوطني الليبي في منطقة وادي الهيرة قبل أن تنجح وحدات الدفاع الجوي في اسقاطها.
ونشرت شعبة الإعلام الحربي صورًا للطيار وهو يتلقى الاسعافات الأولية في مقر عمليات الجيش الليبي إلى مشيرة أن الطيار برتغالي الجنسية ويدعى جيمي اليس.وهو ما أكده أيضا اللواء فوزي المنصوري في تصريحات صحفية اليوم الثلاثاء، حيث قال إن الطيار الذي اسقطت دفاعات الجيش الليبي طائرته اليوم يحمل الجنسية البرتغالية ويدعى جيمي إليس.
وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الجيش الليبي عن اسقاط طائرة تابعة لقوات حكومة الوفاق ويقودها طيار أجنبي، فمنذ حوالي أسبوعين أسقط الجيش الليبي طائرة من نوع ميراج إف 1، قرب قاعدة الوطية الجوية جنوب طرابلس، وأعلن عقب ذلك عثوره على متعلقات تشير إلى أن قائدها واحد من المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون في ليبيا.
وقال حينها أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية اللواء في بيان له إنه "عُثر على كرسي الطيار والباراشوت ومتعلقات الطيار التي تضمنت بعض الطعام وشارة الاسم".وأضاف أن الشارة "كتب عليها اسم بوريس رايس وهو طيار مرتزق من دولة الإكوادور يقاتل بجانب المليشيات الإرهابية".
كما أظهرت صورا نشرتها وسائل إعلام عالمية ومحلية، في ابريل الماضي، طيارين أجانب يقاتلون في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق، ومنها الطيار الذي قصف مزدة وسوكنة وترهونة ومطاري الوطية وطرابلس، واسمه فريدريك شرودر أمريكي الجنسية من مواليد نيوجرسي يناير من العام 1974م، عائلته تقيم فى فلورسينت بولاية كولارادو.
وكانت "بوابة إفريقيا الإخبارية" قد نشرت تحقيقا، في وقت سابق، حول الطيارين الأجانب الذين يعملون في قاعدة مصراتة الجويّة والذين وصفهم تقرير الخبراء التابع للأمم المتحّدة بـ"الطبارين المرتزقة"، حيث كشف التحقيق كافة التفاصيل المتعلّقة بهؤولاء المهندسين والطيارين، من عقود ومرتبات، والذين يعملون في صيانة وقيادة طائرات الميراج وقصف المواقع داخل ليبيا.
وتتجه أصابع الاتهام تركيا في وصول هؤلاء المرتزقة الي ليبيا، وكان الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة العقيد أحمد المسماري كشف في وقت سابق عن رصد المخابرات التابعة للقوات المسلحة، وصول 9 فنيين جويين مرتزقة إلى ليبيا عبر مطاري مصراتة وطرابلس.وأضاف المسماري أن الميليشيات التي تسيطر على المنافذ الجوية بالمدينتين ساهمت في دخول هؤلاء الذين وصلوا إلى ليبيا عبر مطار اسطنبول لمساندة الجماعات الإرهابية.
وبدوره قال الناشط السياسي الليبي، رضوان الفيتوري، أن حكومة الوفاق، "تستعين بطيارين أجانب لمحاربة قوات الكرامة، موضحا أن العسكريين الليبيين الشرفاء لا يرضون بمحاربة الجيش الوطني".وأكد الفيتوري في تصريحات نقلتها فضائية "العربية"، في وقت سابق، أن تركيا أقامت جسرا جويا يربطها بسوريا وليبيا لنقل الدواعش للمشاركة في القتال ضد قوات الكرامة.
وتصاعدت التحذيرات من احتمال نقل تركيا لمتشددين "إرهابيين" من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق وميليشيات طرابلس التي تدعمها أنقرة في القتال ضد الجيش الليبي.وخاصة بعد أن تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضع قدرات بلاده تحت إمرة قوات حكومة الوفاق في طرابلس لصد هجوم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.
وأكد أردوغان أن تركيا ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة ومنع المؤامرة والعدوان على الشعب الليبي"، في إشارة إلى العملية العسكرية التي يقودها الجيش الليبي لتطهير العاصمة طرابلس من الإرهاب، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه معه رئيس حومة الوفاق فائز السراج.
وأعلن الجيش الليبي مؤخراً عن اعتقاله لمرتزقة أتراك كانوا يقاتلون إلى جانب الميليشيات المتشددة في طرابلس، ونشرت بوابة أفريقيا الإخبارية صورًا لجوازي سفر المعتقليْن، ويُدعى أحدهما سويوك دمير، والثاني ألتينوك فولكان.وهو ما اعتبره مراقبون تأكيد صارخ على مدى تورط حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطالة أمد الأزمة الليبية.
وأكد الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، مرارًا من أن تركيا تعمل على "نقل إرهابيين من سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى ليبيا".فيما حذر السياسي الليبي ياسين عبدالقادر الزوي في تصريحات نقلها موقع "إرم نيوز"، من أن الرحلات الجوية بين طرابلس وتركيا تصل إلى 5 رحلات يومية وهذا أمر مثير للشكوك على حد قوله بالنسبة لدولة مثل ليبيا في حالة حرب، واعتبر أن هذا الأمر دليل على أن هذا الطيران يستخدم لـ"أغراض غير سليمة".
وانخرطت تركيا في الصراع الليبي، دعما للمليشيات الموالية لها، وظهر ذلك جليا بعد ضبط السلطات الليبية في أكثر من مرّة بموانئها، شحنات أسلحة موجهة للمليشيات المسلّحة، على متن سفن تركية.كما حرصت أنقرة إيواء قيادات مصنّفة على لائحات دولية للإرهاب، أبرزها القيادي في تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة الموالي لتنظيم القاعدة المطلوب عبدالحكيم بلحاج، و"مفتي الإرهاب" الصادق الغرياني وغيرهم.
ويمثل نقل العناصر الارهابية الى ليبيا مصدر قلق للعديد من الدول التي تخشى أن تتحول البلاد الى ملاذ جديد للارهاب بعد سقوطه في سوريا والعراق.وفي هذا السياق، أكد المحلل الأمريكي البارز جيم هانسون رئيس مجموعة الدراسات الأمنية في واشنطن قال في تصريح لقناة فوكس الأمريكية إن عددًا من مقاتلي داعش وتنظيم القاعدة انتقلوا بالفعل إلى ليبيا للقتال في صفوف قوات حكومة الوفاق، معتبرًا أن ذلك دفع ترامب لتبني موقف مؤيد لقوات حفتر.
وبدوره، اعتبر وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، الجمعة في حوار مع صحيفة لوفيغارو أن انخراط بلاده في الملفّ الليبي يدخل في اطار عملية (مكافحة الإرهاب)، والحؤول دون (انتقال العدوى)، إلى الدول المجاورة التي تعد أساسية لاستقرار فرنسا.واعترف لودريان بدعم بلاده لحفترالذي وصفه بأنه قاتل ضدّ الإرهاب في بنغازي وجنوب ليبيا، وهذا ما يصبّ في مصلحة باريس وجيران ليبيا، وبلدان الساحل.
وتصاعدت الاتهامات لحكومة الوفاق بالتعويل على المرتزقة وهو ما كشف عنه الهجوم على قاعدة تمنهنت الجوية التي تقع على بعد 30 كيلومترا عن مدينة سبها أكبر مدن الجنوب الليبي، منذ نحو أسبوعين، والذي تبنته حكومة الوفاق في وقت تحدثت فيه تقارير اعلامية عن أن منفذيه هم عناصر ارهابية ومليشيات المعارضة التشادية المتحالفة مع إبراهيم الجضران.وأظهر مقطع فيديو، مرتزقة من المعارضة التشادية، وهم يشاركون في الهجوم، بحسب ما أكدت "سكاي نيوز" عربية.
وتنتشر في الجنوب الليبي العصابات الأجنبية التي تمثل خطرا يتهدد البلاد، وفي نوفمبر الماضي، حذرت صحيفة "لوموند" الفرنسية من خطر المرتزقة الأجانب القادمين من تشاد والسودان، إلى الجنوب الليبي، مشيرة إلى أن وجودهم بمثابة قنبلة إقليمية موقوتة.وأوضحت الصحيفة أن رئيس بلدية سبها، عاصمة فزان، المنطقة الجنوبية في ليبيا وصف المرتزقة بـ"الاحتلال الأجنبي"، مشيرة إلى أنه في ظل الانقسامات التي تعاني منها البلاد بين بنغازي وطرابلس، والجمود السياسي منذ أكثر من سبعة سنوات، فإن الجنوب الليبي بات مسرحاً لصراع أشد خطورة.
وقالت إلى أن "المشير حفتر التقى الرئيس التشادي إدريس ديبي، 16 أكتوبر/تشرين الأول، للتعاون بتبادل المعلومات لتطهير تلك المنطقة (الساحل والصحراء)، من تلك المرتزقة المسلحة التي تهدد الأمن الإقليمي للمنطقة ووجدوا من الجنوب الليبي ملجأ لهم.مشيرة إلى أن "قوات الجيش الوطني الليبي تهدف إلى إقصاء المعارضة المسلحة التشادية الموجودة في ليبيا، لتحالفهم مع مليشيات مصراتة وطرابلس.
واستندت الصحيفة، إلى تقرير لفريق من الخبراء بالأمم المتحدة حول ليبيا، كشفوا فيه أن "عدد هؤلاء المرتزقة المدربين في الجنوب الليبي عام 2018 ما بين (2000 إلى 3500 مسلح)، وأطلقوا عليهم اسم (المرتزقة الأجانب)".ووفقاً للصحيفة فإن هؤلاء المرتزقة التشاديين دخلوا في اشتباكات، بجانب مليشيات "اللواء الثالث" و"سرايا الدفاع عن بنغازي" القريبين من تنظيم الإخوان، كما غزوا منطقة الهلال النفطي في مارس/أذار 2017
وحول مخاطر هؤلاء المرتزقة، أشارت الصحيفة إلى أن هذه المرتزقة، تسببت في نشر الإرهاب والجرائم والعصابات، ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني في فزان، وارتفاع حالات الاختطاف للحصول على فدية.ورأت الصحيفة أنه، بفضل جهود الجيش الوطني الليبي، فإن تلك المليشيا قد ضعفت، كما استطاعت القوات وقف توغل اللواء الثالث في فزان.
وطبقاً لـ"الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم"، يعرّف المرتزق بأنه مجند خصيصاً للقتال في نزاع مسلح ويكون دافعه تحقيق مغنم شخصي أو مكافأة مادية، ولا يكون من رعايا أطراف النزاع ولا من أفراد القوات المسلحة لطرف في الصراع. وتسهم أنشطة المرتزقة بليبيا في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية من خلال عمليات النهب والتجارة بالمخدرات والأسلحة واختطاف الرهائن، ونهب حقول النفط وتوسيع عمليات الهجرة غير المشروعة.