بين شد وجذب، مازالت الأزمة السياسية تلقي بظلالها على ليبيا، وضع ضبابي لا يمكن التنبؤ بقادمه خاصة مع تجارب ماضيه، فرغم تفاهمات تبدو مشجعة بين الاطراف المتصارعة، الا أن تفاهمات سابقة دفعت نحو تفاؤل أكبر بانهاء الازمة، سرعان ما انتهت الى فشل وعودة الى مربع الانقسامات والصراعات.
هذا الوضع بالرغم من صعوبته فانه يبدو منطقيا، فليبيا شهدت منذ العام 2011، سنوات من العنف والاحتراب ما تسبّب في نمو غريزة الكراهية بين أبناء المجتمع الليبي، هذا الأمر احدث شرخا اجتماعيا وبات الذهاب الى مصالحة وطنية شاملة أمرا مهما جدا لانجاح أي استحقاقات سياسية في البلاد.لكن ملف المصالحة ظل يراوح مكانه وسط حالة الانقسامات.
المصالحة في عهدة إفريقية
هذه الأزمة في ليبيا كان لها تأثيرات اقليمية طوال السنوات الماضية، ومن الطبيعي أن يكون هناك تحرك ديبلوماسي اقليمي في الملف الليبي، لذلك سارع الاتحاد الافريقي للدعوة إلى تنظيم مؤتمر حول ليبيا في محاولة هي الاحدث لدفع الليبيين إلى الحوار والتوافق حول نقاط الاختلاف بما يسّهل الوصول إلى تسوية شاملة.
رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، كشفأن المنظمة القاريّة ستنظم مؤتمرا بشأن المصالحة الوطنية في ليبيا، وقال إثر مؤتمر صحافي اختتمت به قمة الاتحاد الإفريقي التي استمرت يومين، "لقد التقينا مع مختلف الأطراف ونحن في صدد العمل معهم لتحديد موعد ومكان عقد المؤتمر الوطني".مضيفا أن المؤتمر "سيلتئم برعاية لجنة رفيعة المستوى من الاتحاد الإفريقي"، يترأسها الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نغيسو.
وتأتي دعوة الاتحاد الافريقي في وقت تصاعد فيه الحديث حول صعوبة عقد المؤتمر الليبي الجامع أو تنظيم انتخابات في ظل التوترات المتتالية بين الأطراف السياسية والعسكرية وتواصل التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع في ليبيا ويحول دون الوصول لتسوية في هذا البلد الممزق.
ففي 8 يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، الملتقى التحضيري للمصالحة الوطنية، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، في ظل رفض بعض الأطراف وتعنتها، واستمرار مسلسل الانقسامات خاصة في الملفات الحساسة كمعضلة المرتزقة والقوات الأجنبية والميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة في ليبيا.
تحدّى صعب
تمثل المصالحة اولوية قصوى لكن تحقيقها يمثل تحديا صعبا، فالوضع يبدو معقدا بشكل كبير خاصة في ظل وجود حكومتين والحديث عن امكانية تشكيل حكومة ثالثة، فيما تتواصل أزمة القاعدة الدستورية، بينما يمثل الملف الامني معظلة حقيقية مع استمرار وجود المرتزقة والقوات الاجنبية ناهيك عن المليشيات المسلحة ذات النفوذ الكبير والخارج عن سلطة الدولة.
يمثل تعهد الاتحاد الافريقي بملف المصالحة الليبية، تحديا كبيرا للمنظمة الاقليمية كونها لا تملك قدرات فعلية على الأرض في ليبيا، خاصة ان فاعلين دوليين همشوا دوره في البلاد على غرار فرنسا وايطاليا اللتين تمتلكان مصالح كبيرة في ليبيا وتحاولان توسيع نفوذهما هناك.
فالاتحاد الأفريقي، كان سباقا في الدخول على خط الازمة الليبية، حيث شكّل العام 2011 في قمته بأديس أبابا، لجنة للوساطة في أزمة ليبيا، تتكون من 5 رؤساء دول هم رؤساء مالي السابق، أمادو توماني توري وجنوب أفريقيا جاكوب زوما وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز والكونغو دنيس ساسو نغيسو وأوغندا يويري موسيفيني.وبعد رفض وساطته فى فبراير/شباط 2011، إعتزل الاتحاد الإفريقى التدخل فى الأزمة الليبية.
ليعود في مؤتمر يوليو 2016 في كيغالي، لاعلان اهتمامه بإطلاق مثل هذا حوار ليبي، وهو الامر أكده في قمته التاسعة والعشرين بأديس أبابا في يوليو 2017، معلنا تسريع جهوده في المساعدة على التفاوض للوصول إلى تحقيق السلام والإستقرر في ليبيا، حيث أعادت جمعية الاتحاد الأفريقي التأكيد على نيتها في الدعوة إلى حوار مصالحة وطني.
لكن تحركات الاتحاد الافريقي ظلت محدودة، فيما كانت التحركات الفرنسية والايطالية متسارعة وتعددت المؤتمرات في كلتا البلدين وبات الملف الليبي في عهدة أوروبا.ولذلك فان التحرك الاخير للاتحاد الافريقي يمثل فرصة لهذه المنظمة الاقليمية لدعم احدى الدول المؤسسة للاتحاد أولا، ولاثبات وجوده في الساحة الدولية ثانيا.
فالأطراف الليبية وحتى الدول الاقليمية تعول على الاتحاد الافريقي، لتحقيق تسوية في ليبيا ومنع أى تدخلات خارجية تخدم أجندات خارجية تضر مصالح الشعب الليبى وتهدد دول المنطقة.ويرى كثيرون ان الاتحاد الافريقي قد ينجح في إحداث اختراق في ملف المصالحة الليبية من خلال تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وانهاء الصراعات المتجددة في هذا البلد الافريقي.
توافقات... ولكن
شهدت الفترة الماضية، توافقات هامة بعد التقارب بين مجلسي النواب والدولة، والتي توضحت بعد اجتماع القاهرة في يناير الماضي، حين إتفق الطرفان، على إحالة الوثيقة الدستورية لإقرارها طبقًا لنظام كل مجلس، ووضع "خريطة طريق"، لاستكمال العملية الانتخابية، وتوحيد المؤسسات الليبية.
وبدا أن هناك توافقا كبيرا بين الاطراف الليبية حول مسالة تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فرئيس مجلس الدولة، خالد المشري، صرح إن هناك اتفاقا يلوح في الأفق بشأن آلية حل الخلاف السياسي، مشيرا الى وضع خارطة طريق جديدة لقوانين انتخابية بشأن عملية الترشح، وتنسجم تصريحات المشري مع أخرى لرئيس البرلمان عقيلة صالح، قال فيها إن "الانتخابات ستُجرى قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بعد توافق البرلمان والمجلس الأعلى للدولة".
لكن هذه التصريحات المتفائلة لا تعكس حقيقة الوضع على الارض، فالخلافات مازالت تهدد باجهاض جهود التسوية، فمنذ أن أحال مجلس النواب الليبي، التعديل الدستوري الـ (13) الذي ستجري على أساسه الانتخابات الرئاسية، إلى مجلس الدولة للتصويت عليه وإقراره وإبداء الرأي النهائي فيه، إلّا أن التصويت على التعديل الدستوري الـ13 ظل معلقا وسط خلافات داخل المجلس.
وعقد مجلس الدولة جلستين منفصلتين للتصويت على الإعلان الدستوري الـ13 الخاص بالعملية الانتخابية، لكنه فشل في حسم الأمر وسط انقسام بين أعضاء المجلس بين مؤيد ورافض للتعديل المصاغ من مجلس النواب.وأكد الأمر استمرار مسلسل الخلافات بين المجلسين حول بعض البنود وأبرزها مسألة شروط الترشح للانتخابات.
وتثير هذه الخلافات مخاوف من فشل الذهاب نحو تنظيم انتخابات في البلاد، وهو الامر الذي حذرت من خطورته الأمم المتحدة، وقالت في بيان لها، الجمعة الماضي، أن غياب الانتخابات يهدد بتجدد الصراع في البلاد، واكد بيان الامم المتحدة على ضرورة سحب المقاتلين والمرتزقة الأجانب ووقف التدخلات في ليبيا.