شكلت خصائص الهجرة المغربية نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتطورها التاريخي، محور ندوة عقدت الخميس ضمن فعاليات الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء حول " حضور المغرب ببلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا".

وفي هذا الصدد، اعتبر مدير معهد الدراسات الإفريقية يحيى أبو الفرح أن المغرب تربطه بإفريقيا جنوب الصحراء علاقات تاريخية وثقافية وبشرية قديمة جدا، تعود إلى قرون مضت، حيث إن قساوة الصحراء الكبرى لم تكن يوما حاجزا في وجه تطور هذه العلاقات، بل على العكس من ذلك، شكلت حلقة وصل تربط المغرب بعمقه الإفريقي طبيعيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

وفي معرض حديثه عن دراسة ميدانية أنجزها المعهد بتنسيق مع مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، سلط من خلالها الضوء على الخصائص التي تميز الهجرة المغربية نحو الدول الإفريقية خصوصا نحو السنغال والكوت ديفوار، أبرز أبو الفرح أن الطابع التجاري هيمن تاريخيا على هذه الهجرة بجميع مكوناته، إلا أن العقود الأخيرة عرفت بعض التحولات بعد أن بدأت مكونات أخرى بالظهور كفئة الطلبة، والنساء في ما عرف بظاهرة التأنيث التي شهدتها الهجرة المغربية سواء من خلال هجرة النساء أنفسهن أو عبر التجمع العائلي أو القادمات من أجل الدراسة، وهو ما نتج عنه ارتفاع عدد النساء المقاولات.

وأضاف أن من أهم التطورات التي عرفتها هذه الهجرة، التي تميزت بكونها ذات طابع حضري على اعتبار أن جل المهاجرين كانوا من التجار المنحدرين من حواضر المملكة، هناك سرعة اندماج المغاربة في المجتمعات الإفريقية، وارتفاع نسبة الزواج المختلط، علاوة على تنوعها المجالي، إذ أنها بعد أن كانت متمركزة في البداية بكل من مالي والسينغال والكوت ديفوار ، امتدت نحو بلدان إفريقية جديدة في بنيات ديموغرافية واقتصادية متنوعة.

ومن جهته ركز المؤرخ عبد الواحد أكمير ، مدير معهد الدراسات الأندلسية والحوار بين الحضارات، على الجانب الروحي في العلاقات الإفريقية المغربية، ودور الزوايا الصوفية في تعزيز الوجود المغربي خاصة ببلدان غرب إفريقيا. وقدم في هذا المجال مجموعة من الشهادات التاريخية التي توثق لحركية التجار المغاربة في القرون السابقة ضمن الفضاء الإفريقي، وتمكنهم من نسج علاقات قوية مع المجتمعات الإفريقية إلى حد الانصهار، مشيرا إلى أن القوافل كانت بمثابة الوسيط والحامل الثقافي والحضاري الذي أتاح للعادات والتقاليد المغربية أن تترسخ خارج حدود المغرب، في دلالة على التلاقح الحضاري الذي جمع بين ضفتي الصحراء الكبرى.

وأوضح أن الهجرة المغربية نحو غرب إفريقيا تميزت بالدينامية والتحول عبر التاريخ، فبعد أن كانت هجرة تجارية في المراحل التي سبقت الاستعمار الأوروبي للمنطقة، تحولت في الخمسينيات من القرن الماضي إلى هجرة اقتصادية، حيث شهدت تلك الحقبة التأسيس لمشاريع اقتصادية كبيرة تجاوزت حدود البلدان التي لها علاقات تقليدية مع المغرب كمالي والسينغال، نحو وجهات جديدة من أهمها الكوت ديفواروالغابون، لتنتقل في ما بعد الستينات نحو مجالات جديدة حاولت من خلالها مواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته بلدان المنطقة عقب تحررها من الاحتلال.

ومن جهته قدم الخبير الاقتصادي رضوان الطويل قراءة تحليلية للواقع الاقتصادي الإفريقي، ومقومات التنمية وانعكاسها على الواقع المعيشي لبلدان المنطقة، لا سيما ما يتعلق بالحد من البطالة وتوفير الشغل وتقليص معدلات الفقر، والقضاء على الفوارق الاجتماعية.

ومع إبرازه للمؤهلات الطبيعية والبشرية التي تتميز بها هذه البلدان، والتي تخول لها أن تكون قوة اقتصادية صاعدة لها كل إمكانيات المنافسة العالمية، شدد على أنه يمكن الرهان على تقوية العلاقات البينية على مستوى القارة لخلق نوع من التكامل الاقتصادي يجعل منها كتلة لها موقعها في المنظومة الاقتصادية العالمية.