تشكل بداية العام الدراسي الجديد منطلقاً مهماً نحو تعزيز صور الاهتمام التي يبديها أمهات وأولياء الأمور تجاه أبنائهم الدارسين، سواء الذين للتو يبدؤون مشوارهم التعليمي كالتلاميذ الجدد، أو أولئك الذين يكملون هذا المشوار من التلاميذ القدامى في الصفوف المختلفة. فالمدارس في المغرب تعود لتفتح أبوابها لتلاميذها والفرحة تغمرهم بعد فترة انقطاع طويلة وفق خطط أعدتها الوزارة الوصية بتنسيق مع وزارة الصحة، حيث عملت على تحيين البروتوكول الصحي، وأكدت على ضرورة الالتزام بالتدابير الاحترازية المعمول بها للوقاية من وباء "كوفيد 19".
وعندما يسعفك التأمل في قراءة هذا المشهد الجميل، وهو بمثابة احتفالية يشترك في إحيائها الجميع من أمهات وأولياء الأمور وأبنائهم، تقر يقيناً أهمية الحدث، وتستشعر الفخر بمدى المكانة التي تحتلها قيمة العلم في نفوس الناس، فالمسألة تتجاوز ـ يقينا ـ صورة نمطية تتكرر كل عام في هذا الوقت، بل تذهب بعيداً نحو تأسيس منطلقات مهمة في اتجاه تعميق أهمية صورة العلم من ناحية، وفي استحضار صورة الوطن الزاهية لمستقبل أجمل، وأفضل. صحيح أن المسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببناء مستقبل هذا الشاب، وهذه الفتاة، فبغير العلم لم يعد من اليسير أن يتم هذا البناء بصورته الصحيحة، ولكن محصلة ذلك كله بناء مغرب بكل معززات نجاحاته، والاطمئنان إلى مستقبله، ومستقبل الأجيال فيه، سواء اليوم أو غداً، وكما يقال: ''إنّ غداً لناظره قريب''.
اذن بدأت الانطلاقة الفعلية للدراسة، كما هو مسطر لها، والعمل على إنجاح الموسم الدراسي 2022-2021 لهذه السنة الذي اتخذ له شعارا "من أجل نهضة تربوية رائدة لتحسين جودة التعليم"، حيث تترجم هذه الصورة الاحتفالية وتؤرخ لدينا اليوم، بخاصة نحن، جيل الأمس ذكرى رائعة، حيث نرى أبناءنا اليوم في هذا المكان نفسه الذي وقفناه سنوات جميلة شكلت فينا الكثير من القيم المعرفية، ومن القيم التربوية، ومن القيم السلوكية، ومن القيم الاجتماعية، ولذلك ونحن نستحضر تلك الأيام التي أصبحت ذكرى علينا أن نستشعر أهمية هذا الحدث، ونحن نصطحب أبناءنا إلى ساحات المدارس، هذه المؤسسات الرائعة التي ترفد المجتمع بكوكبة من المتعلمين الذين يتناوبون على خدمة هذا الوطن عبر الأجيال. فالأوطان لن تراهن على أية نجاحات إلا بوجود هذه الكوكبة من المتعلمين في مختلف مجالات الحياة، وهؤلاء المتعلمين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال مرورهم على هذه المؤسسات التي هذبتهم بالقيم المعرفية، والقيم السلوكية، كأهم عنصرين في العملية التعليمية، فبداية ألف شكر وتقدير لكل هذه الجهود التي تبذل لإنجاح هذه الكوكبة من المتعلمين، سلوكاً ومعرفة، والتي وراءها طاقات فاعلة، وآمنة مطمئنة يمثلها هذه الكوكبة الرائعة من أبناء المغرب من المعلمين الأجلاء الأوفياء، الذين عاهدوا الله، واصدقوا الوطن، فلهم من كل القلوب ألف شكر وتقدير، ولهم من كل النفوس الرضا بما يقدمون، ولهم من المشاعر الحب، والإخاء، ولهم الدعاء دائماً بأن يكلل الله مسعاهم، ويعينهم على أداء هذه المهمة ''الأمانة''، فهم ورثة الأنبياء، وهم حاملو شعلة البناء.
ندرك جميعنا أنّ العملية التعليمية قائمة على أطراف ثلاثة: الأسرة، والمدرسة، ووزارة التربية والتعليم، وبالتالي فأي نجاح، أو إخفاق في العملية مسؤولة عنها هذه الأطراف الثلاثة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحمل طرف واحد كامل المسؤولية، ومعنى ذلك فمع ظهور أية بذرة إخفاق في خضم هذه العملية على الأطراف الثلاثة أن تقترب من بعضها البعض لمعرفة مكمن الخطأ والبحث له عن حلول. والذي يجب أن لا يغيب عن البال أنّ هذه المؤسسات ـ المدارس ـ التي تضم بين جدرانها الأربعة مئات الآلاف من تلاميذ وطلاب وهيئات تدريسية، يصبح يقيناً، أنها مبعث إخفاقات كثيرة، إدارية وتربوية، انعكاساً لأسباب كثيرة، فهؤلاء بشر يكثر عندهم الخطأ كما يتوالد عندهم الصح، وبالتالي فالمسافة بين الخطأ والصواب إن لم تجد من يحكمها ويقننها، ويصوب اتجاهاتها نحو الرؤى الصائبة من خلال التخطيط السليم، ومعالجة الإخفاقات في حينها، والوقوف على أي إخفاق دون إهماله حتى لا يستشري في أوصال الجسد، عوامل مهمة لإنجاح هذه العملية، أما أن يحدث شبه قطيعة في الاهتمام بمختلف القضايا التي تحدث في أوصال هذه المؤسسات على الرغم من هذا الكم الهائل من البشر الذي تضمه جدرانها الأربعة فهذا ليس من الحكمة أبداً، بخاصة أن هؤلاء جميعهم في الأطراف الثلاثة يكونون على مستوى متقدم من الوعي بمختلف قضايا العملية التعليمية، لأنهم يعيشونها بكل تفاصيلها، ويدركون في الوقت نفسه مكامن الخطأ والصواب، ويدركون أيضاً الحلول التي من شأنها أن تقضي على كل بذرة خلاف قد تحدث، وقد تعكر الصفو العام بين هذه الأطراف.
صحيح أنّ البيئة المجتمعية تفرز إشكاليات كثيرة، والمجتمع المدرسي واحد من المجتمعات التي سوف تصطدم مع هذه الإشكاليات لكثرة العدد من البشر في المجتمع المدرسي، ومن هنا تأتي أهمية أن تكون الأطراف الثلاثة قريبة من بعضها البعض طوال العام الدراسي لتلاشي مختلف الإشكاليات التي تفرزها البيئة المجتمعية وتصدرها إلى البيئة المدرسية، ولذلك نسمع دائماً عن كثير من المشاكل التي تحدث بين جدران المدرسة الأربعة، وفي المقابل تعاني هيئات التدريس من تصدير المجتمع لمشاكله إلى البيئة المدرسية، وليس الخوف فقط في هذا التصدير، بل الخوف أن تبقى المدرسة هي التي تتلقى المأزق الناشئ ما بين المجتمع وقضاياه التي لا تنتهي، وإشكالية المدرسة أنها مؤسسة تربوية، وهذا يحملها الكثير من العناء، والكثير من المسؤوليات، والكثير من الاتهامات أيضاً من قبل أبناء المجتمع، وكأن هذا المجتمع وأبناءه يعيشون في جزيرة معزولة، وليس هو من يصدر قضاياه إلى المدرسة من خلال من يمثلونه من تلاميذ وطلاب وهيئات تدريسية.
فاليوم نسمع وبملء الأفواه من تسرب آفة المخدرات بين التلاميذ في المراحل المختلفة، وكم تقشعر الأبدان من سماع ذلك، فهذه الفئة هي الموكول إليها بناء الوطن في مراحله القادمة، وكذلك نسمع عن تسرب التلاميذ من العملية التعليمية، حيث يتركون الدراسة في سن مبكرة، ويجدون أعمالا بسيطة تشبع غرورهم المادي لفترة زمنية قصيرة، وهناك مؤسسات تستقبلهم لمثل هذه الوظائف العمالية البسيطة، لأنه لا يوجد حتى الآن قانون ملزم لتكملة التعليم... في عامنا الدراسي هذا لا نريد أن نسمع أنّ هناك نقصاً في عدد المعلمين، حيث يجلس التلاميذ لأسابيع عديدة دون أن يدخل عليهم معلم المادة، فكل المبررات لن تقبل، لأن هناك أجازة طويلة كان بالإمكان لثم كل الثغرات التي حدثت في العام الدراسي المنصرم، وفي عامنا الدراسي هذا لا نريد أن نسمع عن القيام بصيانة أية مدرسة، فهناك أيضاً كانت أجازة طويلة كان بالإمكان أن تجرى مثل هذه الصيانات للمدارس خلال هذه الفترة.