تناقلت وسائل إعلام مغربية وليبية، قبل أسبوعين، خبرا بشأن بإمكانية زيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للمغرب للقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري. اللقاء الذي طال أمده والذي تم الإعداد له خلال السنة الماضية، لم يكتب له ان يعقد، رغم عدة زيارات متزامنة للشخصيتين للمغرب.
مناسبة ترويج الخبر، كانت مرتبطة أساسا، بالاختلاف حول تقاسم أو تطبيق تفاهمات "قيل" إنه تم الاتفاق عليها في جولات خمس عقدت بمدينة بوزنيقة ، ضواحي العاصمة المغربية ،الرباط، حول المناصب السيادية.
وكان أعضاء ممثلين لمجلسي النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، قد اتفقوا في مدينة بوزنيقة المغربية بداية العام على معايير وشروط تولي رؤساء المناصب السيادية، وذلك ضمن جهود إنهاء أزمة الانقسام المؤسساتي والسياسي بين شرق ليبيا وغربها، تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة نهاية العام الحالي، لكن الاتفاق لم يرى النور على مستوى التطبيق.
*إحياء أمل مغربي
اللقاء بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، اذا ما عقد فإنه سيحيي الآمال المغربية بالعودة للمساهمة في جهود المصالحة في ليبيا، خاصة وأن الديبلوماسية المغربية، حاولت لعدة مرات، عقد هذا اللقاء على الأرض المغربية، وتتويج الدورات التفاوضية الخمسة في بوزنيقة، بتوقيع عقيلة والمشري، على تفاهماتها، والتي بقية مجرد مسودة، ولم ترقى لاتفاق.
*لقاءات بوزنيقة
تعتبر الديبلوماسية المغربية، لقاءات بوزنيقة، ملاحق لاتفاق الصخيرات، التي لا تبعد عنها سوى كيلومترات، على نفس الشاطئ الأطلسي، وبالتالي فهي استمرارية لصيرورة الحضور المغربي في الملف الليبي، ديبلوماسيا استخباراتية.
لكن هذا الإلحاق ، شكل معضلة مع اطراف اخرى، لا ترى في صخيرات2015 ، مرجعا يتم التأسيس عليه للمصالحة الليبية، بينما ظل المغرب لفترة يرى رؤية ( وفاق) السراج والمشري، مما زعزع ثقة اطراف اخرى في وساطته، وعندما تدارك ( المسألة) آملا في تجديد دوره ، اكتفي بمجلس النواب الليبي ، دون ان يتجرأ على التعامل مع اطراف اخرى، خوفا من تشكيك الحليف الاخواني في مصداقية جهوده.
*الصخيرات في البداية
في 17 ديسمبر 2015، تم توقيع اتفاق سلام بين الفرقاء الليبين، سمي بإسم البلدة المغربية التي عقدت فيها مفاوضات واستمرت لأشهر الصخيرات، ، تحت رعاية الامم المتحدة.
الاتفاق كان يقضي بإعتماد خارطة طريق واضحة للأزمة، لإنهاء الأزمة و تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية وهيئة تشريعية، لكن الأمور ولم تسر كما كان مخططا لها فانهار الاتفاق بصورة شبه رسمية، ودخلت البلاد في مرحلة صراع جديدة اشتدت وتيرتها بالإنقسام الداخلي واستعانة جهة ما بالمرتزقة والمليشيات لحماية مصالحها في الهيمنة والتمكين لنفسها.
خلال هذا الفترة، ورغم الانتقادات والتنبهات من اطراف ليبية، بعضها موقعة على اتفاق الصخيرات، وجهات اخرى، ظل المغرب، متمسكا بالاتفاق ، فقط لأنه وقع في المغرب، بحجة أنه معترف به دوليا، دون ان يسأل نفسه هل تم تطبيق الاتفاق كما وقع؟
هذا التعلق بالصخيرات، كاتفاق، ابعد المغرب عن لعب دور الوسيط المحايد، قبل ان يعود الى محاولة لملمت "بعضا "من الفاعلين ، آملا في العودة بقوة للعب دوره، لكن هل يعود الأمس؟
* اقصاء برلين
بالتزامن مع دعوات لعقد لقاءات بوزنيقة الليبية، عقد مؤتمر دولي حول ليبيا، بحضور الفاعلين الدوليين في الملف، وبثقل قوي وتأييد وحضور الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، استبعد المغرب من دعوات الحضور، بينما حضرت دول جوار ليبيا، بصفتها معنية بما يجري في جوارها.
الخارجية المغربية، اعتبرت أنذاك ، أن دورها مستهدف من جهة ما تعاديها، خلفيات هذا الاستبعاد، ستكون احد الملفات الرئيسية ،التي أدت إلى أزمة ديبلوماسية ، لا زالت لم تعرف طريقها للحل، بين المغرب وألمانيا، أدت إلى استدعاء المغرب ،لسفيرته برلين للتشاور، ولم تعد.
اليوم يروج، أن المغرب تلقى دعوة من الخارجية الألمانية لحضور لقاء بمستوى وزراء الخارجية حول ليبيا، لكنه لم يبدي اهتمام.
* لم الاهتمام؟
رغم كل ما سبق، المغرب لا زال يعتبر الاهتمام بالملف الليبي، استراتيجي، سياسيا وأمنية واقتصاديا، بحسب الفاعل السياسي المغربي خالد زراري.
من الناحية السياسية، فالحضور السياسي المغربي في ليبيا، سيخلق توازن مع سياسات المشرق،لأن هناك شد وجذب حقيقي لهذا يرى زراري ان الدور المغربي يجب ان يكون حاضرا.
ويضيف بأن المغرب يستوعب هذا الدور جدا ، وهو حضور يضمن طرح المغاربي مشترك، في مقابل الطرح المشرقي، وهذا يجعل بحسبه الحضور المغربي مرحب به من قبل الاوساط الليبية.
اما النقطة الثانية للاهتمام المغربي بالملف الليبي، فتجد ملك هو في جوانب الامنية، خاصة بكل ما يتعلق بالارهاب، ومحاصرة ومنعه من التغلغل في البلدان المغاربية والساحل، يشير زراري.
ولا يخف ان هناك ارق مغربي ، يتعلق لتخوفه من وصول نظام في ليبيا داعم لجبهة البوليساريو، أو يمكن أن يدعم خلق كيانات مزعجة اقليميا.
اما العنصر الثالث ويتعلق بالجانب الاقتصادي وهو مهم، وأن كان المغرب، لم يوليه اهتمام كبير بحسب الفاعل السياسي المهتم بالشأن المغاربي، عكس بقية الجهات المتدخلة في ليبيا : "التي تبتز ليبيا اقتصاديا وتبحث عن مصالحها".
ويخلص الى أن المغرب مهتم بجاليته وكفاءته في ليبيا وأيضا بدعم مساهمة شركاته في إعادة الاعمار ، اضافة الى أبعاد اخرى للعلاقات بين البلدين ،منها ماهو اجتماعي وتاريخي وثقافي.
*المغرب يبادر من أجل ليبيا
اما المحلل السياسي المغربي، عبد المجيد الحمداوي، فيرى أن المغرب ظل وفيا بالالتزامات، ورحب في هذا الاطار "بانتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ومدعما لها إلى حين توحيد المؤسسات وتحقيق الاستقرار وكذلك تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في موعدها".
وأضاف ان المملكة المغربية في هذا الصدد ظلت متمسكة بقاعدة أساسية "لإنجاح مهمتها وهي الانفتاح على كافة الأطراف الليبية من أجل تقريب وجهات نظرها لتسهيل مسلسل العملية السياسية وهذا التصور الاستراتيجي فتح مسارا فعليا وفعالا في سبيل إيجاد تسوية للأزمة".
وعلى هذا الأساس، استطاع المغرب ، بحسبه في " إنجاح جولات الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة، بدون إراقة الدماء مع الالتزام بالمقاربة الأممية الداعمة للحل السياسي للأزمة الليبية"، وأشار الى ان " المغرب حاول توفير المناخ المناسب لتقريب وجهات نظر الأطراف الليبية عبر جولات حوار انتهت بالتوقيع على اتفاق سياسي حظي بتوافق القوى الداخلية. وهذا شيء مهم يحسب للدبلوماسية المغربية".
أما فوائد تلك المبادرات، والتي ستؤدي لخلق الاستقرار بليبيا ، فإنها سيكون لها انعكاس ايجابي لا محالة على" المنطقة المغاربية برمتها، وسيساهم في تعزيز الوحدة والشعور المغاربي الذي طالما تحلم به الشعوب المغاربية. والمغرب مؤمن بأن وحدة الدول المغاربية، هو أساس قوة كل دولة من الدول المشكلة له".
وذهب الى القول بأن : "دور المغرب على المستوى الإقليمي والقاري لقي إشادة وتقدير من العواصم الغربية والعربية ومن عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، وهذا إنجاز مهم في العلاقات الدولية".
وأضاف أن "الدور البناء والفعال للمغرب في المنطقة وأن الحكمة والرزانة والعقلانية التي دبر بها القضية الليبية منحته مكانة دولية متميزة نظرا لما قام به من دور ريادي في تيسير الحوار الليبي منذ انطلاقته من أجل انتشال ليبيا من براثن الفوضى والفراغ اللذين خلفهما الانقسام السياسي والمؤسساتي".
كشف ان المغرب عازم على " اعادة فتح سفارته في ليبيا لتقوية التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، حيث تعول الرباط على فتح السوق الليبية لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وفي الختام يوضح ان " المقاربة الدبلوماسية التي نهجتها المملكة المغربية إزاء الملف الليبي، مقاربة تقوم على كون القضية الليبية ليست دبلوماسية ولا تجاذبات سياسية، بل هي قضية ترتبط بمصير بلد مغاربي شقيق، وإن المغرب عكس ما يدعي البعض، ليس له أجندة ، ولا أي مصلحة التمييز بين الليبيين، بل إن الليبيين بالنسبة للمغرب إخوة وأبناء لذلك الوطن وإخوة لنا ويعتبر أن الجميع يتحلى بروح المسؤولية من أجل ليبيا موحدة"، كما يقول.