أسابيع قليلة من الذكرى 15 لاعتلائه عرش المغرب، شوهد الملك محمد السادس في شوارع تونس بقميص وجينز خلال زيارة رسمية لهذا البلد، مؤكدا وصف وسائل الإعلام الأجنبية له بالملك المتواضع.

أما داخل المملكة فالتوترات متصاعدة. حيث يواجه النشطاء والصحفيون المؤيدون للديمقراطية مزيدا من القمع، فيما تحاول الحكومة ترويض معارضة متشبعة بثورات الربيع العربي منذ 2011.

أحد الصحفيين، علي أنوزلا، يواجه عقوبة قد تصل إلى 20 سنة سجنا بتهمة التحريض على الإرهاب عندما تحدث عن فيديو يعتقد أنه لمجموعة مسلحة (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي). وهو الفيديو الذي هاجم النظام الملكي ودعا إلى الجهاد في المغرب.

صحفي آخر، مصطفى حسناوي، يقضي حكما بالسجن لمدة أربع سنوات بسبب ادعاء الحكومة أنه كان على علاقاته مع الجهاديين في سوريا. وكان الحسناوي قد شرع في إضراب عن الطعام أواخر شهر مايو الماضي احتجاجا على اعتقاله.

معاذ بلغوات، مغني الراب الذي كان من الوجوه المؤيدة لحركة 20 فبراير الديمقراطية سنة 2011، ينتظر محاكمته بتهم ملفقة تتعلق ببيع تذاكر مباراة لكرة القدم بشكل غير قانوني. وقد حكم في وقت سابق على نشطاء في الحركة من ستة أشهر إلى سنة واحدة سجنا بسبب مشاركتهم في وقفة احتجاجية في 6 ابريل الماضي.

في 2011، عندما لجأ المغاربة للشارع، استجاب الملك بسرعة لمطالب المعارضة المتزايدة، واعدا بإصلاح شامل للممارسات غير الديمقراطية وبمزيد من الحرية واحترام حقوق الإنسان.

كما سمح أيضا بإعداد دستور جديد، وهو نفس الحل الذي لجأ إليه والده، الملك الحسن الثاني، سبع مرات عند مواجهة الأزمات خلال 38 سنة من فترة حكمه (توفي سنة 1999).

لكن الكثيرين يعتقدون أن إصلاحات محمد السادس لا تعدو أن تكون تجميلية. وترى المفوض السامي لحقوق الإنسان نافي بيلاي، أن هناك غيابا للإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الموعودة، لا سيما ما تعلق منها بحقوق الإنسان.

"هناك العديد من الإشارات المهمة الواعدة في ظل الدستور الجديد، لكنها تحتاج لأن تُترجم إلى أرض الواقع بالنسبة للشعب المغربي"، جاء في تصريح السيدة بيلاي للصحفيين في ختام زيارة للمغرب دامت ثلاثة أيام شهر مايو الماضي، التقت خلالها الملك محمد السادس. وأضافت أن "هناك توقعات كبيرة بشأن الأثر الإيجابي للإصلاحات، لكن لا يمكن تحقيقها قبل إصدار القوانين المنظمة لها".

يرى نشطاء في مجال حقوق الإنسان أن الضجة التي أثيرت حول هذه الإصلاحات يقابلها قليل من التغير على الأرض.

"في مجال حقوق الإنسان، يُعد المغرب ورشا كبيرا لا تتوقف فيه مراسيم تدشين مشاريع كبرى كل مرة وأخرى"، يقول إريك غولدشتاين، نائب مدير هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. "بينما تواصل السلطات اعتقال وسجن المتظاهرين والمعارضين بتهم ملفقة وتعنيف المظاهرات السلمية، لا سيما في الصحراء".

وأضاف السيد غولدشتاين أن تهم الإرهاب الموجهة للصحفي أنوزلا كان الهدف منها تخويف الآخرين من مغبة تجاوز 'الخطوط الحمراء'".

لكن المعارضة تطورت بشكل ملحوظ منذ انطلاق حركة 20 فبراير، معلنة الرغبة المتزايدة لدى المغاربة لتحدي الحكومة.

"لقد رفضت معظم ألوان الطبقة السياسية المناقشة العلنية للقضايا الحساسة التي تهم دور النظام الملكي واحترام حقوق الإنسان وتوزيع الثروة والفصل بين السلطات"، يقول مروان المرابط، وهو ناشط من الدار البيضاء ومؤيد قوي لحركة 20 فبراير.

الأمر مختلف الآن، يضيف المرابط، فالجهر بالمعارضة عرض صديقه، كريم لشقر، لنهاية مأساوية، حيث توفي في ظروف غامضة أثناء احتجازه من طرف الشرطة في 27 مايو أيار في مدينة الحسيمة شمال البلاد.

"كان كريم ناشطا قياديا" يتابع المرابط. "إن الرواية الرسمية للمصالح الأمنية ملتبسة ومتناقضة وتفتقر للاحترام الواجب اتجاه عائلة الضحية."

قالت منية بناني الشرايبي، أستاذة الدراسات الدولية في معهد الدراسات السياسية الدولية بجامعة لوزان في سويسرا والباحثة في الحركات الديمقراطية المغربية، أن "النظام يتابع الشخصيات المعارضة في قضايا جنائية أو في قضايا الإرهاب، كما هو الشأن بالنسبة لأنوزلا، بهدف طمس وضعيتهم كخصوم سياسيين ومنعهم من أن يصبحوا أبطالا أمام الرأي العام".

"يصنف المغرب ضمن البلدان التي تقع في الخانة الرمادية، أي لا هو نظام سلطوي ولا ديمقراطي، حيث القمع يمارس بشكل انتقائي ومنتظم"، تقول الأستاذة بناني الشرايبي، مضيفة، "بما أن حركة الاحتجاج كانت قوية مقابل نظام غير واثق من نفسه، فقد كانت قوات الأمن تدرك جيدا أن القمع الجماعي هو ما من شأنه أن يشعل النار ويضخم من حجم الحركة."

ومع ذلك، فإن السلطات لا تتخوف من استهداف أفراد مثل الصحفي أنوزلا، خصوصا أن النظام القضائي، حسب بعض الخبراء، لن يتساهل معهم.

"تستطيع الدولة أن تسجن أي ناشط تريد. القانون لا يهم كثيرا هنا"، يقول رضا أولمين، محام بالدار البيضاء ورئيس مجموعة القانون والعدالة، المهتمة بإرساء مبدأ سيادة القانون في المغرب.

"لا يزال القضاء غير مستقل رغم مقتضيات الدستور الجديد، الذي جاء فقط لتهدئة الشارع"، يقول أولمين، مضيفا أن هناك "بعض التقدم الملموس مع إنشاء نادي القضاة"(2011)، المكون من مئات القضاة المطالبين بمزيد من استقلالية القضاء.

لقد نفى وزير العدل، مصطفى الرميد،  في عدة مناسبات التهم التي وجهت للحكومة بشأن تعذيب المعتقلين وتوجيه اتهامات ملفقة ضد المنشقين. وقال أن الدولة ليست مسؤولة عن بعض التجاوزات الفردية.

إن رجال القانون المغاربة عاكفون على معالجة أوجه القصور في النظام القضائي ومن المتوقع أن تخرج قوانين تشريعية بشأن حماية حقوق الإنسان في الأسابيع القليلة المقبلة.

"هناك إرادة لإصلاح المنظومة الحالية وقد جرى نقاش مكثف استغرق أكثر من سنة حول هذا الموضوع"، يقول اعتماد الزاهدي، عضو في البرلمان المغربي، مضيفا أن "هذه الأمور لا تتحقق بين عشية وضحاها وإن كان الكثير قد تحقق بالفعل، مثل حماية المهاجرين غير الشرعيين وتقنين وضعيتهم."

يقول الخبراء أن المغرب تعامل بدهاء مع المقترحات المهمة التي تقدمت بها المعارضة السياسية ونجح في نزع فتيل الغضب والإحباط الذي أصاب معظم المغاربة. لكن الكثير من المتتبعين يعتقدون أن هذه الاستراتيجية محدودة.

"لقد همشت المملكة قوى اليسار والنقابات والمجتمع المدني، والآن يعيد الإسلاميون نفس السيناريو"، يقول المرابط". "لكن قريبا سيجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الشعب وسيفقدون صمامات الأمان للاستمرار".