بعد فوزه بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب لسنة 2014، عن نصه المسرحي "البندقية والذئاب"، التقت بوابة إفريقيا الإخبارية الأستاذ عادل اضريسي، ابن مدينة سوق السبت في عمق المغرب غير النافع، كما صنّفته فرنسا ذات استعمار، أعددنا هذا الحوار الصحافي وفتح لنا عادل قلبه وأوراقه، عرجنا عن الحالات الإبداعية الإنسانية الصادقة، عن الثقافة وهموم المثقف، في مزيج متناغم من الأفكار العميقة والخصبة، لنضع بين أيدي القراء هذه المادة الثقافية الدسمة.

- ماذا يشكل لكم الفوز بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في صنف المسرحية؟

اغتنم هذه الفرصة أولا لأتقدم بالشكر الجزيل للإعلامي المتميز سعيد غيدَّى على هذه الاستضافة وعلى دعمه المستمر للمبدعين الشباب خصوصا في مدن لطالما صنفت ضمن خانة "الهامش" العقيم ، كما أتقدم بالشكر الجزيل لفرقة الأوركيد المسرحية ببني ملال على حفل التكريم المميز الذي نظموه احتفالا بي بمناسبة هذا التتويج. وإلى كل أساتذتي الأجلاء وأصدقائي على الدعم المستمر.

أن يفوز كاتب ما بجائزة لا يعني أنه بالضرورة كاتب متمرس وذو جودة عالية في نصوصه و ألا يفوز لا يعني أنه ليس 'كاتبا" وأن نصوصه لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ولكن جائزة بقيمة جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب والتي يشرف على تقييم النصوص فيها كتاب مميزون وباحثون أكاديميون لهم باع في مجال الكتابة والنقد، ومبدعون أكفاء، لابد وأن يكون لها وقع إيجابي في نفسيتي، لطالما كتبت أشعارا ونصوصا مسرحية عديدة لكنها ظلت لسنوات حبيسة الرفوف، وهذه فرصة لتخرج الى القارئ العزيز من هذا الباب، وكذلك فرصة لإغناء الساحة المغربية في مجال التأليف المسرحي خصوصا مع النقص الحاصل في هذا المجال. وهذا الفوز بقدر ما هو شهادة اعتراف بملامسة كتاباتي للمعايير العالمية للبناء الدرامي، يعد تكليفا لي ببذل مزيد من الجهد في هذا المجال وتكريس الذات للبحث العلمي قصد تقديم الأحسن والاجود في بحر الكتابات الابداعية وطنيا وعربيا ولما لا دوليا مستقبلا.

- كيف جاءت فكرة المشاركة في الجائزة؟

هذا سؤال يحيلنا مباشرة على سؤال جوهري في مجال الكتابة وهو : لماذا أكتب؟ وباعتبار الكتابة شكلا من أشكال التواصل مع الآخر، ليس من المعقول أن تكون الكتابة للذات فقط رغم أنها تنبعث في بداية الأمر من هواجس ذاتية معينة، لأجد نفسي مفكرا في ضرورة نشر ما أكتب حتى أشاركه مع القراء. وكنت قد أنهيت ديوان شعر كان جاهزا للنشر، ولأصدقك القول اصطدمت دائما بالإشكالات المادية ومصاريف لا أقوى عليها، لتنتابني في بعض الأحيان فكرة المسابقات والجوائز التي تكون عبارة عن نشر المنتوج الأدبي ، لكنني لم أكن أعيرها اهتماما كافيا ربما لعدم ثقتي بمصداقيتها، ولذلك لم يسبق أن شاركت فيها. وفي مجال الكتابة المسرحية، بعض نصوصي لا يعرفها إلا أعضاء فرقة الأوركيد المسرحية وأعضاء فرقة كواليس، إما بقراءة مقاطع منها أو في جلسات حوار جماعية، وبالتالي فالمشاركة جاءت بشكل من الاشكال بعد ملاحظة ردة فعل القارئ والذي يتمثل في هذا السياق بأعضاء الفرقة، وبعد أن أرسل لي الصديق المبدع يونس شفيق إعلان المسابقة، قررت أن أشارك هذه المرة وهي الأولى في صنف الكتابة المسرحية، وكان انتقاء نص "البندقية والذئاب" بمساعدة من الأصدقاء في فرقة الأوركيد وفرقة كواليس وكذلك الشاعر فهد الصايغ.

- أنتم تشتغلون في المسرح منذ مدة، كتابة وتمثيلا وإخراجا، أين يمكن تصنيف هذا النص المسرحي أقصد المدارس المسرحية العالمية المعروفة؟

الكتابة محطة من محطات الابداع، وطبيعة النص المسرحي لا تفرض بالضرورة أسلوبا معينا في عملية الإخراج، فالمخرج المتأثر بالتجريب قد يمارس هذا التجريب على نص معد أصلا ليتلاءم وهذا النوع من الابداع كما أنه قد يمارس تجريبه على نص عبثي أو واقعي أو تجريدي. لذلك يبقى النص المسرحي كيفما كان اسلوبه قابلا لكل المدارس الإخراجية فالأمر رهين بمدى تمكن المخرج من المدرسة التي يريد الاشتغال عليها، ومدى قدرته على التحوير ومهاراته في الانتقاء ودقته في البناء الدرامي للعرض. وباعتبار الاخراج كتابة ثانية للنص المسرحي في إطار تعدد الخطابات وتزاوجها، لابد للكاتب الجيد ألا يقول كل شيء وألا يجعل من نصه نصا كاملا وشافيا للغليل فقط من عتبة القراءة، بل لابد أن يكون نصا ناقصا، ولا أقصد بمفهوم النقصان هنا، تلك الاختلالات التي من الممكن أن يحتويها النص على مستوى البناء بشكل عام، بل أتحدت هنا عن فراغات تثير الجدل والاسئلة الكثيرة في نفسية القارئ، وهي الاسئلة نفسها التي يمكن للمخرج أن ينطلق منها ويتمها على خشبة المسرح.

"البندقية والذئاب" نص من هذا النوع، نص قابل ليتوافق والرؤى الاخراجية المعروفة، هو رمزي لمن أراد ذلك، مفرط في العبثية لمن أراد، وفضاء خصب لمختبرات التجريب المسرحي. وهو مفتوح لتلك الكتابة الثانية للمخرج والتي تحدثنا عنها سالفا.

- باعتبار أن الحالة الإبداعية المغربية بالخصوص عرفت نوعا من الركود مؤخرا خاصة على مستوى الأجناس الأدبية المعروفة، كيف يمكنك التحدث عن جنس المسرحية في واقع مغربي أقرّ أنه لا يقرأ؟

فعلا، الأزمة أزمة قراءة، ولكن لابد أن نعلم أن معظم النصوص المسرحية الناجحة في فضاءات العروض المغربية، مسرحيات غير منشورة كمنتوج أدبي يغني المكتبات المغربية، ومعظم الفرق المغربية لا تنطلق من نص مسرحي جاهز ومنشور، بل غالبا ما يكون الاشتغال اشتغالا على شكل ورشات مسرحية تخرج بعروض جيدة لكن إن أردنا عزل النص عن مكونات العرض الاخرى نكاد لا نلمسه ولا نجده، كما أن معايير الدعم قد تكون إشكالا من الاشكالات خصوصا مع دعم مسرحيات لا تليق بالأدب المغربي ولا ترقى لتمثيل المغرب في ساحة المسرح العربي، وفي نظري لابد أن يخصص جزء مهم من الدعم للاشتغال على نصوص مسرحية جيدة لكتاب مغاربة، وكذلك مع تخصيص جزء مهم لتشجيع الاشتغال على النصوص العالمية وعلى الاقتباسات العلمية. ولابد أن نقر أن التأليف المسرحي لا من حيث الجودة ولا من حيث الكم لم يصل بعد إلى ما نتمناه.

- ماهي قراءتك الانطباعية لواقع المسرح المغربي؟

لم نصل بعد الى تسمية حقيقية "للمسرح المغربي" في ظل التفريق الحاصل بين مسرح يعتبر "مسرح هواة" ومسرح آخر يعد "مسرحا احترافيا" والإشكال في تلك الحدود الفاصلة بين الهواية والاحتراف، فهي حدود مبنية على فرق تدعم وأخرى تمارس المسرح بعيدا عن هذا الدعم، وليس عن تقسيمات علمية وأكاديمية ونظرية صرفة لهذه الممارسة، كما أن الزخم الحاصل من حيث الانتاجات المسرحية والتي تصنف في خانة "الهواة" تجعلنا أمام جملة من الاسئلة الجوهرية في طبيعة الممارسة المسرحية في المغرب، والتي تفرض علينا إعادة النظر والتأمل في حقيقة التنظير له، فلا يمكن لخطابات متلونة الاشكال ومتعددة الزوايا أن تسجن في خانة نظرية واحدة، بل لابد من تحديدات واصفة للمسرح المعاصر، كما أن معظم الفرق المسرحية تصنف نفسها في خانة المجربين، وأنا أسأل إلى متى هذا التجريب؟ ألا يتبع التجريب الخروج بنظرية واضحة نبني عليها ابداعنا، ولا أرمي هنا إلى توحيد أساليب الاشتغال، بالعكس، جمال الفن في ذاك الاختلاف، لكن ينبغي لهذا الاختلاف أن يكون مصحوبا ببحث حقيقي وبتنظير يجيب عن اشكالات الممارسين.

- هل الكتابة المسرحية المغربية مؤهلة لتنافس أعمال عربية مشهود لها بالقوة والتواجد داخل الساحة المسرحية العربية؟

هل كل الكتابات المغربية تنشر؟ وهل كل ما ينشر تشتغل عليه الفرق المسرحية المغربية؟ وسبق وقلت أن معظم الفرق تشتغل على نصوص غير منشورة سالفا ولا تتوفر عليها الخزانة المغربية، وهنا أحيلك إلى حدود النص العالمي، في نظري ، نص عالمي ليس بالضرورة نصا من تأليف كتاب من خارج الحدود وليس بالضرورة نصا من تأليف شكسبير أو يونيسكو أو موبيار وغيرهم من عمالقة الكتاب العالميين، بل النص العالمي نص فيه سر من أسرار العالمية والكونية ونص يعالج قضايا العالم أجمع، وإن ذاك النص المفرط في العاليمة هو ذاك النص الذي يوفر شروط الفرجة أينما قرأ وعرض ومهما كان البلد الذي احتضنه، هذه عالمية من حيث التيمات، غير أن هناك عالمية من حيث الغرابة التي تعطيها خصوصية بلد ما، أي أننا قد نجد نصا مفرطا في الخصوصية ولا يعالج إلا قضايا من ثقافة بلد ما، لكن عالميته لن يكتسبها من تيمته لكن من تلك الغرابة والدهشة التي يجدها المشاهد العالمي فيه، وما ساحة جامع الفنا وما تعج به من أشكال فرجوية التي يتحلق عليها المشاهدون من مختلف البلدان ويبدون إعجابهم وانبهارهم إلا مثال على هذه العالمية، ولكي أعود الى سؤالك أقول لك أن هناك نصوصا مغربية كثيرة بهذا النفس العالمي والتي من شأنها أن تنافس بقوة في الساحة العربية بل وأن تتفوق على المستوى العربي، لكنها لم تحظَ بفرصة لتقديم منتوجها عربيا في ظل الامكانيات المحدودة التي تتوفر عليها.

- الذي يطلع على نصوصك المسرحية الأخرى يلمس فيها كتابة شاعرية مليئة بالصور الانزياحية والمجازية الكثيرة، هل هذا يعني تكسير لتوقعات الناقد وخلخلة جنس المسرحية؟

لطالما كتب النص المسرحي بنفس شعري ولطالما كتب الشعر بنفس مسرحي، بعد نصوصي قابلة لتكون قصية شعرية طويلة، لكن جنس المسرحية حاضر بشكل آخر وما هذه الشاعرية إلا على مستوى اللغة، فهناك تلك المؤشرات التقنية التي تجعلك أمام نص مسرحي، كما أني لا أكتب كل شيء ولا أكثر من الارشادات الركحية التي من شأنها أن تشوش على القارئ وتقتل الخيال لديه وتكون معيقة للمخرج في إبداع أكثر في ما بعد، والجدير بالذكر أني أقرأ باللغتين العربية والانجليزية، هذا ربما ما اتاح لي رؤية العالم من زاوية أخرى وما اتاح لي قراءة عمالقة الأدب المسرحي بلغتهم الأم، وهذا ربما سر تلك اللمسة العالمية التي أحاول أن اصبغ بها نصوصي.

- ماهي داوفعك في الكتابة؟

الكتابة حاجة وضرورة، وأنا لا أكتب لأكتب، بل الكتابة عندي كالأكل، فكما آكل عندما أشعر بالجوع، أكتب عندما أحس أني بحاجة للكتابة، وهذا بعيدا عن التصنع وارغام النفس، كما أني عندما أكتب لا أبالي بتوقعات الناقد أو توقعات القارئ، أنا أكتب كما أحسست وألا انطلق من خطة جاهزة أو "باريم" معين أنسج على منواله، اتبع تلك الاحساسات إلى نهايتها، قد يكون المنتوج في الأخير مقبولا وجيدا وقد لا يكون تبقى هذه مهمة القارئ. أنا ككاتب ينتهي دوري بإنهاء النص.

وباعتباري جزءا لا يتجزأ من هذا العالم فلا يمكن أن اتخلص من هواجس الاشكالات المجتمعية التي تطارد كل انسان، قد أقولها مباشرة وقد تختفي بين السطور.