بعدَ إهدارِ أكثرَ من اثنين تريليون دولار والتضحية بأرواح أكثر من ستّة آلاف جندي أمريكي في الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان والعراق، فوجِئ المسؤولون الأمريكيون بأعلام تنظيم القاعدة ترتفِع في العراق وسوريا، بل وفي مصر، لتُعيد إلى الأذهان مَقولة الرئيس جورج بوش الإبن، بعد تِسعة أيام من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية أمام جلسة مشتركة لمجلسيْ الكونغرس: "إن السبيل الوحيد لهزيمة الإرهاب كخطر يهدِّد الحياة الأمريكية، هو وقفه وإزالته وتدميره في أيّ مكان ينمو فيه حول العالم". في هذا السياق، دقّ النائب الجمهوري مايك روجرز، رئيس لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب جرس الإنذار لتنبيه الكونغرس فقال لأعضائه: "لا تسمحوا للأوهام أن تُسيْطر عليكم. فتنظيم القاعدة ليس في حالة فِرار، بل إنه موجود ويُمارس نشاطه بحَيوِية في العراق وسوريا، بل وفي مصر، وأصبح للقاعدة أتْباع وجدوا لهم ملاذات آمنة، يمكن أن يشنّوا منها هجمات على الولايات المتحدة وعلى مصالحها في أنحاء العالم". نفس التحذير تكرَّر في اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب بمجلس النواب الأمريكي، حيث أعرب رئيس اللجنة، النائب الجمهوري بيتر كينغ عن مَخاوِفه من أنّ تنامي نشاط الجماعات الإرهابية العنيفة داخل مصر والمستوى المتقدّم، الذي أظهرته في تدبير وتنفيذ هجماتها، يشير إلى ارتباطها بتنظيم القاعدة، الأمر الذي يُـثير قلقا جِدِّيا إزاء احتِمال تهديد المصالِح الأمريكية، بل والأمن الداخلي في الولايات المتحدة نفسها. القلق وصل إلى القيادة العسكرية الأمريكية، كما عبَّر عن ذلك الجنرال راي أوديرنو، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة حيث قال: "في حال ما إذا تمكّنت المنظمات الإرهابية المُرتبطة بشكل أو بآخر بتنظيم القاعدة من فرْض هيْمنتها على مساحات كبيرة من الأرض، خاصة في العراق وسوريا، وتمكّنت من تحويلها إلى ملاذات آمنة، فسيكون بوُسْعها تصدير هجماتها الإرهابية إلى خارج ِمنطقة الشرق الأوسط، بل وإلى الولايات المتحدة، مما قد يُـشكِّل أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي"، على حد قوله.

 

خطر حقيقي أم مبالغ فيه؟

 

عن هذا السؤال، تُـجيب الدكتوره تمارا كوفمان، مديرة مركز صبان لسياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز فتقول: "مع التسليم بحقيقة وجود العديد من التنظيمات المتطرِّفة العنيفة، التي تنتهج أساليب تنظيم القاعدة في عدد من الدول العربية، فإن الأهداف التي تُهاجِمها تلك التنظيمات، أهداف محلية في المقام الأول. لذلك، يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تفرِّق في تقييمها بدقّة متناهية بين أخطار تنظيم القاعدة على الأمن القومي الأمريكي وبين تنظيمات محلية متطرِّفة، تستهدِف بهجماتها أهدافا محلية لأغراض سياسية داخلية". هذا التحليل يتفق معه ستيفن كوك، كبير الباحثين في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، حيث أشار إلى أن الجديد فيما يحدُث في مصر، هو مستوى العنف، وليس بداية الإرهاب ولا أسبابه. فمصر كانت ولسنوات، مصدرا للجِهاد المسلَّح خارج حدودها، كما أن التمرّد المسلّح في شِبه جزيرة سيناء، يعود ومنذ عشرات السنين، للمظالم الإجتماعية المُتمثِّـلة في حِرمان أبناء سيناء من فُرص النُمو الإقتصادي، بالإضافة إلى المعاملة السيِّئة لهم على أيدي قوات الشرطة وإهدار حقوقهم الإنسانية وإسناد أمْر المِنطقة إلى وزارتيْ الداخلية والدّفاع وجهاز المخابرات العامة، وتسبَّب هذا المناخ الشديد القسْوة في خلْق بيئة مؤهَّـلة للجريمة والعُنف والتطرّف. السيد كوك خلُص إلى القول بأن شبه جزيرة سيناء "أصبحت ملاذا لمُقاتلين من خارج مصر، بهدف شنّ عمليات الجهاد ضدّ ما يعتقدون أنه نِظام حُكم غيْر شرعي، وسُرعان ما أعلن الدكتور أيمن الظواهري، خليفة بن لادن في تنظيم القاعدة مساندته لتنظيم أنصار بيت المقدس، الذي ادَّعى المسؤولية عن معظم الهجمات على ضبّاط وجنود الشرطة والجيش، ولكن العنف الدائر على أيْدي تلك الجماعات، هو شأن مصري بشكل رئيسي". غير أن السيد كوك يحذِّر من أن الوضع في مصر يدعو إلى القلق، بسبب عُـمق المشاكل السياسية والإقتصادية والتدهْـور الأمني، وتصاعد عُنف الجماعات المتطرِّفة، وهو ما قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى تهديد المصالِح الأمريكية، ويؤكد أن "عدم الإستقرار الذي تشهَده مصر وتوجّهها نحْو مستقبل حُكم شمولي جديد، يُشكِّل أخطارا على مصالح قومية أمريكية، مثل تهديد أمن المرور البحري في قناة السويس وعرقلة الإمداد والتموين للقوات الأمريكية في منطقة الخليج، وكذلك حقوق عبور الطائرات الأمريكية في الأجواء المصرية، ناهيك عن الأخطار التي قد تهدِّد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية". في المقابل، يرى السيد محمد المنشاوي، الباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه لا يوجد حاليا ما يُبرِّر المخاوف الأمريكية من أن تزايُد نشاط الجماعات المرتبِطة بتنظيم القاعدة في شِبه جزيرة سيناء، يعني تزايُد احتمالات تعرّض الأمن الداخلي في الولايات المتحدة للخطَر وقال: "مع أن تفشّي نظرية المؤامرة بين المصريين، وخاصة من خلال وسائل الإعلام غيْر المِهني، دفع كلّ الأطراف إلى اتِّهام الولايات المتحدة بمُحاولة تقسيم مصر إلى دُويْلات ومساندة الرئيس مرسي ليكون عونا لها في تنفيذ الخطّة، ودفعت نظرية المؤامرة كذلك، الإسلاميين إلى اتِّهام واشنطن بغضّ الطّرف عن انقلاب العسكر على الرئيس المُنتخب، لأن أمريكا لا تريد للإسلاميين أن يحْكُموا، فإن هذه النظرة السلبية إزاء الولايات المتحدة، لم تُـتَـرجم إلى عنف يستهدِف المصالح الأمريكية، ولذلك، فلست ممّن يرون أن هناك مبرِّرا للتخوّف الآن من تعرّض الأمن الداخلي الأمريكي إلى خطر الإرهاب انطلاقا من تدهْور الوضع في مصر وانسِداد أفُـق الحل السياسي".

 

ماذا بوسع أمريكا أن تفعل؟

 

في الوقت الحالي، يؤكِّد الخبراء أن إدارة أوباما لا تستطيع تبنّي نظرية الرئيس السابق جورج بوش الإبن، الداعية إلى مُلاحقة تنامي الجماعات الإرهابية وتدميرها في أيّ مكان تظهر فيه، قبْل أن تُصدّر هجماتها إلى الداخل الأمريكي، لأن فشل الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم القاعدة، رغم حربيْ أفغانستان والعراق الباهظتيْ الثّمن، جعل نِسبة تصِل إلى 52 % من المواطنين الأمريكيين يُـؤمنون بأن الحرب التي شنتها بلادهم على الإرهاب، باءت بالفشل، وسُرعان ما أصبح أوباما يتعامَل مع كونغرس يرفُض التورّط في المزيد من التحرّك العسكري لضرب تنامي نفوذ القاعدة، خاصة في الفلّوجة بالعراق ومناطق سيْطرت عليها تنظيمات متطرِّفة مُوالية للقاعدة في سوريا، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية الناشطة في شِبه جزيرة سيناء. في هذا السياق، يُشير البروفيسور ستيفن لونغ، أستاذ دراسات الأمن القومي بجامعة ريتشموند بولاية فيرجينيا، إلى أن تقلص ميزانية الدفاع الأمريكي أيضا، ضيَّـق مجال الحركة أمام أوباما، ويشير إلى أن "كل ما استطاعت إدارة أوباما عمله لمساعدة نور المالكي، رئيس وزراء العراق لوقف تنامي نفوذ القاعدة في الفلّوجة، هو شحْن صواريخ هيل فاير وتزويده بمعلومات استخباراتية وتقديم خدمات التدريب للقوات العراقية". في مقابل ذلك، يرى السيد ستيفن كوك، أنه بالنظر لوجود مصالح أمنية أمريكية هامّة مع مصر وفي ظل انهِماك المصريين، حكومة وشعبا، في تبنّي نظرية أنهم في معركة وجودٍ ضدّ الإرهاب، الذي يُمارسه إسلاميون بزعمهم، فلم يعُد بوُسْع إدارة أوباما حجْب المساعدات العسكرية إلى أن تظهر ملامِح تحوُّلٍ حقيقي نحو الديمقراطية في مصر، وبدلا من ذلك، يُقدّم السيد كوك توصية عملية لإدارة الرئيس أوباما تتلخص في أنه "يجب أن تُطَـمئِن الولايات المتحدة قادة مصر العسكريين، إلى أنها تقف معهم في مواجهة العنف والإرهاب، وأن تسارع إدارة الرئيس أوباما إلى حثّ الكونغرس على إنهاء تعليق تسليم الأسلحة والمُعدّات العسكرية، خاصة طائرات الأباتشي الحيوية، والشروع في تشكيل مجموعة عمل مشتركة من الضبّاط المصريين والأمريكيين، لتنسيق جهود واشنطن في مساعدة مصر على مواجهة الإرهاب"، على حد قوله.