دخلت ليبيا منذ العام 2011، في أتون أزمة شائكة دفعت بالبلاد إلى منعرجات خطرة. وأدت المساعي إلى إنهاء الصراع في كانون الأول 2015، إلى توقيع اتفاق سياسي بمنتجع الصخيرات المغربي بإشراف الأمم المتحدة، أفضى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني أنعشت الآمال بعودة تدريجية إلى الاستقرار وإنهاء الفوضى والانقسامات العميقة بين أطراف النزاع، لكنها فشلت في ترتيب الوضع في البلاد.
ونتيجة للأوضاع المتفجرة في البلاد، اتجهت الجهود نحو إيجاد حلول للأزمة الليبية وخاصة من طرف البعثة الأممية للدعم التي ترغب في تحقيق نجاح بعد تتالي خيباتها طيلة السنوات الفارطة، حيث تتضح الرغبة الدولية في سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على شكل العملية السياسية والدولة.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، في 20 سبتمبر 2017، عن خطة العمل من أجل ليبيا والتي تتضمن ثلاث مراحل، وذلك أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عُـقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيريس. وتستوعب الخطة في جزء منها الاتفاق السياسي، لكنها في الوقت نفسه تتجاوزه في مسائل أخرى، في إعلان ضمني بفشل اتفاق الصخيرات.
وبدا واضحًا من تفاصيل الخطة الأممية أن غسان سلامة يسعى لتقديم تصور في شكل خطوات عملية، ويرتكن على مسارات ثلاث أساسية، هي: تعديل الاتفاق، والمصالحة الوطنية، ثم العملية السياسية مُمثلة في الاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في المرحلة الأخيرة. وقد صرح سلامة أن الخارطة الأممية التي تقدم بها ما هي إلا تأطير لمطالب الأطراف الليبية ووضعها في جدول زمني محدد، كمان أكد أنه لم يكن ليعرض خطته دون الحصول على الضوء الأخضر من كل اللاعبين الأساسيين، داخليًا، وإقليميًا، ودوليًا.
ورغم أن الخطة الأممية تعمل على عدة محاور أهمها محاولة تعديل الاتفاق السياسي الليبي بين الفصائل الليبية في مدينة الصخيرات المغربية 2015، إلا ان سلامة فاجأ الجميع بتصريح نشره موقع أخبار الأمم المتحدة بأن خطة عمله لا تعتمد بشكل أساسي على تلك التعديلات، وأنه كلما اقتربت ليبيا من إجراء الانتخابات، أصبحت تعديلات الاتفاق السياسي أقل أهمية، مؤكدا أن العمل من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية قبل نهاية العام، يتصدر أولويات الأمم المتحدة.
وهذه الانتخابات تسبقها المرحلة الثانية من الخطة، والتي تشمل عقد مؤتمر وطني جامع، اعتبره المبعوث اللأممي غسان سلامة "حدث للمصالحة، وليس مؤسسة". وأكد أمام الفرقاء الليبيين خلال جولتي الحوار بتونس لتعديل الاتفاق السياسي، أن المؤتمر الوطني "يشمل الجميع، وذلك لتوسيع رقعة المشاركة في العملية السياسية، خصوصا من لم يشترك أو لم يتسن لهم الاشتراك".
وأعلنت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام والجامع، تأسيسها مطلع نوفمبر 2017، مؤكدة عزمها المضي قدمًا في لم شمل كل الليبيين دون إقصاء ولا تهميش، بحسب بيان التأسيس. ويسعى القائمون على المؤتمر، وفق ما أعلنوه، إلى "عدم تهميش أو إقصاء أحد منه، حيث يمثل كلَّ أطيــاف الشعب الليبي، الفرقاء منهم والأخلاء"، وهدفه "تأسيس ميثاق، تُبنى بموجبه دولةُ المؤسسات والقانون، ويتــمُّ فيها تحكيم القضاء؛ لحلّ الخلافات، وطيِّ صفحة النزاعات المسلحة بين الأخوة".
ومرت أكثر من السنة والبعثة الأممية لم تتوقف عن العمل، ونجحت فى عقد 77 اجتماعا ضم أطياف الشعب الليبي بتنوعه فى العديد من المدن؛ لبحث الآراء، ومناقشة كافة الأفكار للتجهيز لعقد هذا المؤتمر، قابله استمرار الوضع على ما هو عليه بعد الفشل في تعديل الرئاسي.
وخلال اِحاطة غسان سلامة امام اعضاء مجلس الامن الدولي، 08 نوفمبر 2018، عبر الدائرة التلفزيونية، اقترح على اعضاء مجلس الامن احياء فكرة المؤتمر الوطني الجامع والذي ظل قيد المناقشة منذ العام 2017 وتأخر انعقاده نتيجة استمرار القتال والانقسامات بين القادة الليبيين حسب تصريح سلامة.
وقال غسان سلامة أن هذا المؤتمر سيعمل على الاستفادة من مساهمات الآلاف من الليبيين الذين شاركوا في اللقاءات التحضيرية السبعة والسبعين التي عُقدت في جميع أنحاء البلاد وخارجها خلال ربيع هذا العام. وأشار إلى استطلاع للرأي أظهر أن 80% من الليبيين يصرون على إجراء الانتخابات.
وأضاف سلامة بان هذا المؤتمر سيكون قادرا على تمثيل الليبيين والاستماع لاصواتهم وسيكون قادرا على رسم المستقبل السياسي لليبيا ، وحدد الموعد المبدئي لانعقاد هذا المؤتمر بالاسابيع الاولى للعام 2019 وسيمكن من خلاله التجهيز لمرحلة الانتخابات التي اقترح موعدها خلال شهري سبتمبر ونوفمبر من نفس العام.
وقوبل اقتراح سلامة بدعم دولي، حيث شدد البيان الختامي لأعمال مؤتمر باليرمو، الذي انعقد يومي 12 و13 نوفمبر 2018، على ضرورة اغتنام فرصة المؤتمر الجامع من أجل التخلي عن استخدام القوة واعتماد جدول زمني لتحقيق تقدم في توحيد المؤسسات الليبية. ودعا البيان للترحيب بدعوة غسان سلامة في إحاطته الأخيرة لعقد المؤتمر الوطني الجامع مطلع 2019 واغتنامه من أجل التخلي عن استخدام القوة واعتماد جدول زمني لتحقيق تقدم في توحيد المؤسسات.
لكن سرعان ما فشل تنظيم المؤتمر الجامع في موعده الجديد، مطلع العام الحالي في ظل تصاعد أصوات الرافضين للمؤتمر والذين كان من أبرزهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي اعتبره انقلابا على الشرعية والدستور، فيما شن الناطق باسم القيادة العامة للجيش أحمد المسماري هجوما على البعثة الأممية واتهمها بالانحياز.
وترددت الأنباء حينئذ مفادها أن غالبية الخطوات التي اتخذها سلامة تصب في صالح التيار الإسلامي، وسواء كانت عن قصد منه أو دونه، فهي في النهاية جعلت الهواجس تتزايد حيال الخطوات التي يتبعها، وتمنح الجماعات المؤدلجة فرصة للهيمنة على مقاليد الملتقى الجامع، والذي يريد المبعوث الأممي أن يكون نواة لوضع المكونات الرئيسية للحكم في الفترة القادمة.
وفي 27 فبراير الماضي، عقد اجتماع في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بدعوة من غسان سلامة، حضره رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، والمشير خليفة حفتر. واتفق الطرفان بحسب بيان البعثة الأممية، "على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، وسبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها". وأشاد البيان "بالاتفاق على ضرورة الخروج من الأزمة، وإيجاد حلول في إطار مدنية الدولة، وتبعية المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، وإنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات، وصولا إلى الانتخابات".
وقالت تقارير اعلامية أن لقاء أبوظبي قد يكون بدد مخاوف الجيش ومجلس النواب من هيمنة الإسلاميين على الملتقى وفرض خياراتهم. ودفع ذلك العثة الأممية الى تكثيف تحركاتها واتصالاتها مع كل الأطراف الليبية من أجل التحضير لانعقاد الملتقى الوطني الجامع. وأجرى المبعوث الأممي غسان سلامة ونائبته ستيفاني ويليامز الأيام الماضية سلسلة من اللقاءات بأغلب الشخصيات الفاعلة في المشهد الليبي.
هذه اللقاءات انتهت باعلان رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة تحديد 14 إلى 16 أبريل الجاري موعدا لانعقاد الملتقى الوطني الجامع بمدينة غدامس، غربي ليبيا. وفي مؤتمر صحافي عقده في طرابلس، الأربعاء 20 مارس 2019، قال سلامة إن "البعثة تواصل التحضير للملتقى الوطني الجامع ولا بديل عن نجاح الملتقى"، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في طرابلس بين الجيش الليبي وقوات الوفاق ومسانديها لتعلن عن تأجيل جديد للملتقى دون أي أفق لعودته قريبا.
يشار إلى أن مدينة غدامس التي كان من المزمع عقد الملتقى الوطني الجامع فيها، استضافت جولتي حوار ليبي–ليبي برعاية الأمم المتحدة، ففي 29 من سبتمبر العام 2014، كان اجتماع أعضاء مجلس النواب المشاركين والمقاطعين في غدامس بمشاركة (12+12). وفي 11 من فبراير2015، انطلقت جولة أخرى من الحوار فيما عرف بـ"غدامس 2"، ولم تفض هذه الجولة إلى نتائج تذكر.