انطلقت أعمال القمة العربية الـ30 في دولة تونس، اليوم الأحد، بحضور عدد من القادة وغياب آخرين، وسط تأزم بعض القضايا العربية في ظل الحروب والصراعات.وتضمن جدول أعمال القمة العربية نحو ملفات عديدة أبرزها الأوضاع في ليبيا التي تعيش منذ سنوات حالة من الفوضى والراعات المتجددة بين الفرقاء.
وبدا الملف الأمني الليبي الأكثر حضورا في القمة العربية،حيث قال الرئيس التونسي باجي قايد السبسي،في كلمته أن الوضع في ليبيا "مبعث انشغال حقيقي لنا"،مؤكدا على أن أمن ليبيا من أمن تونس وتأزم الوضع الليبي يطال الجميع في المنطقة،لافتاً إلى أن الحوار والتوافق السبيل الأنجع لإنهاء الأزمة الليبية.
وعبر السبسي عن ثقته بأن "الأطراف الليبية ستتجاوز خلافاتها"، منوها إلى أن "الحوار هو السبيل الأنجع لحل المشكلة بين الأطراف". وأضاف أن تونس "قدمت بالتعاون مع مصر والجزائر مبادرة لمساعدة الأشقاء وفق مسار بعثة الأمم المتحدة لإنهاء مأساة الشعب الليبي".فيما قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن عناصر التسوية السياسية في ليبيا "قائمة"، لكنه أكد أن بحاجة ِإلى "إرادة سياسية لتنفيذها".
وكان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي قد أطلق خلال شهر فبراير 2017 مبادرة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، وحظيت تلك المبادرة بدعم مصر والجزائر، لتتحول بذلك إلى مبادرة ثلاثية، دعمتها الجامعة العربية خلال القمة التي عقدت في منطقة البحر الميت بالأردن في مارس من نفس العام.
وتشكل الأزمة الليبية قلقا في دول الجوار الليبي،التي تخشى تسلل متشددين يحاولون الدخول إليها عبر الحدود مع ليبيا،التي مثلت طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد "بؤرة إرهاب"،مع استمرار تداعي وتدهور الأوضاع الأمنية فيها حيث تتعثر المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السياسية وتبعاتها الأمنية.
وفي غضون ذلك،أكد رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج في كلمته خلال قمة تونس،ثقته في دور الجامعة العربية في مساعدة حكومته على تحقيق الاستقرار الليبي.وشدد السراج على أهمية أن تستوعب كافة الأطراف الليبية انه لا حل عسكري لليبيا داعيا الأشقاء العرب إلى مساعدة بلده في بناء الأجهزة العسكرية والشرطية لتحقيق الاستقرار مثمنا مجهود دول عربية للحل.
ويمثل الملف الأمني أكثر الملفات التي عجزت حكومة الوفاق عن حلها،ورغم إقرارها لترتيبات أمنية تستهدف إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، وإنهاء دور المليشيات المسلّحة، التي تسيطر على العاصمة الليبية منذ سنوات، فإن نفوذ هذه المليشيات مازال حاضرا بقوة في المدينة.ويخشى الكثيرون من تواصل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس،حيث تمثل الفوضى بيئة مناسبة لتحرك العناصر الإرهابية لشن عمليات خطيرة.
وتشهد بعض المناطق في ليبيا توترا أمنيا وتحشيدات عسكرية وخاصة في شوارع العاصمة وسط تحذيرات دولية من وقوع عمليات إرهابية في طرابلس.وتوالت خلال الأيام الماضية تحذيرات العواصم الغربية لرعاياها بضرورة مغادرة العاصمة الليبية طرابلس،بسبب ما اعتبرته أوضاع أمنية صعبة ومخاطر هجمات ارهابية محتملة على مؤسسات حكومية.
ويرى مراقبون أن الوضع الأمني المتردي في ليبيا هو السبب الرئيسي في تمدد الجماعات الإرهابية في كامل المنطقة وتصاعد مخاطرها.فتفاقم الفوضى واللاستقرار،كان له أثر كبير على أمن دول الجوار التي تعرضت لعدة هجمات إرهابية إنطلاقا من الأراضي الليبية وهو ما دفعها لتكثيف تحركها العسكري لحماية حدودها.
وتتصاعد مخاوف دول الجوار من امكانية تحول الأراضي الليبية الى ملجأ جديد لعناصر التنظيم الفارة من سوريا والعراق،خاصة مع إستمرار التحذيرات الغربية من هذه الفرضية،والتي كان آخرها،على لسان رئيس الحكومة الإيطالي، جوزيبي كونتي،الذي أعلن خلال لقاء مع طلاب جامعة "لويس غويدو كارلي" في روما،الأسبوع الماضي،أن مقاتلي تنظيم "داعش" الأجانب العائدين من سورية يشكلون خطرًا في مناطق جغرافية قريبة من إيطاليا جنوب المتوسط، بينها ليبيا.
وقال كونتي،إن "من بين التهديدات الرئيسية، تلك ذات الطابع (الجهادي)"، معتبرًا أنه مع تطور الوضع في سورية، وزوال التنظيم الإرهابي جغرافيًا، فإن "الكثير من المقاتلين الأجانب يتنقلون في مناطق قريبة جغرافياً منا، ولهذا السبب أشعر بالقلق إزاء ليبيا ولن أستهين، على الإطلاق، من مخاطر عدم الاستقرار في الجزائر.
وقبل ذلك نشر مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية المقرب من الاستخبارات،تقريرا أشار فيه إلى انتقال عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد هزيمته شبه النهائية في سورية والعراق، إلى دول الساحل الإفريقي، محذرا من "بيئة خصبة" في ليبيا مع بقاء انتشار تنظيمات مسلحة في عدة مناطق.
وتعاني ليبيا منذ سنوات من فوضي عارمة وانفلات أمني وانتشار للسلاح فضلا عن أزمة سياسية أدت إلي تردى الأوضاع المعيشية وتنامي الجماعات المسلحة،خاصة مع غياب دولة مركزية قوية من شانها بسط نفوذها والخروج بالبلاد من منعطفات خطيرة.وتدفع دول العالم منذ سنوات نحو انهاء النزاع في ليبيا عبر توحيد السلطات في حكومة وحدة تصب جهودها على مواجهة المخاطر المتفاقمة وتحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد الممزق بالصراعات.