تعاني ليبيا، منذ العام 2011،غياب سلطة سياسية موحدة وصراعات متجددة على أكثر من جبهة أثرت بشكل كبير على أمن وإقتصاد البلاد.وعلى الرغم من تحسن الأوضاع الأمنية مؤخرا في ظل تحركات الجيش الليبي الذي تمكن من تحرير عدة مناطق في البلاد،فإن غيا تسوية شاملة مازال ينذر بعودة الصراع على الشرعية بين الفرقاء واعادة الأوضاع الى مربع الصفر وهو ما يستدعي ضرورة البحث عن التوافق.

وتكثفت التحركات من عدة أطراف اقليمية ودولية التي سرعت من وتيرة اتصالاتها بأطراف النزاع في ليبيا، في محاولة لإقناعها بالالتزام بخطة الأمم المتحدة، الرامية إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري والتي تمثل الأمل الأخير الذي يمكن أن ينهي الازمة المستعصية في البلاد منذ سنوات.

تحركات فرنسية

تسعى الدبلوماسية الفرنسية إلى حث أطراف الأزمة الليبية إلى المُضي قدمًا باتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية،وفق ما نص عليه إتفاق باريس،وفي هذا السياق،جدد وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان،الاثنين،دعم بلاده للحلول السياسية في ليبيا، مؤكدا أنه "لا وجود لحل عسكري" للأزمة الراهنة بهذا البلد.

وزار لودريان طرابلس والتقى مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.وأفاد البيان، أن الاجتماع تناول تطورات الوضع السياسي في ليبيا والعلاقات الثنائية.وجدد لودريان "التأكيد على دعم بلاده للحلول السياسية، وأنه لا وجود لحل عسكري للأزمة الراهنة".بحسب البيان.

وأشار وزير الخارجية الفرنسي الى دعم بلاده لخطة المبعوث الأممي غسان سلامة التي من شأنها "العمل على توحيد مؤسسات الدولة وتفضي الى انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية العام ، كما جاء في اتفاق باريس في مايو العام الماضي.

وفي أول إشادة غربية من نوعها بالنجاح العسكري الذي حققته قوات الجيش الوطني، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، لتحرير منطقة الجنوب الليبي من عصابات الإرهاب والجريمة، أشاد وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان بـما وصفه بـ"التقدّم الكبير" الذي تم إنجازه هناك.

والتقى الوزير الفرنسي مع قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، في مقر القيادة العامة بمنطقة الرجمة، الثلاثاء.وقال مكتب إعلام القيادة العامة للقوات المسلحة، إن الجانبين بحثا خلال اللقاء العديد من المستجدات على مختلف الأصعدة المحلية والدولية

يذكر أن باريس استضافت في أيار/مايو 2018 لقاءً هامّاً جمع خصوصاً حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً فايز السراج وتعهدّا خلاله بتنظيم انتخابات في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2018 لكنّ ذلك لم يتحقق في ظل استمرار حالة الصراع وغياب الأمن في عدة مناطق.

ومن ليبيا الى تونس،انتقل وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان،للقاء الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في قصر قرطاج الرئاسي،وذلك في إطار "المتابعة المشتركة لتنفيذ خريطة الطريق في عدد من مجالات التعاون الثنائي، وتجسيد سنّة التشاور بين البلدين الصديقين، حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".بحسب المسؤول الفرنسي.

وأكد لودريان تقدير فرنسا للدور المحوري الذي تضطلع به تونس من أجل ضمان أمن واستقرار المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالملف الليبي، مشيرًا إلى أنه حرص على اطلاع الرئيس التونسي على "التحركات والجهود الفرنسية التي تتكامل مع المبادرة الرئاسية الثلاثية للتسوية في ليبيا"، وفق قوله.

وقال المسؤول الفرنسي إن هناك عناصر انفراج نحو الدفع بالتسوية السياسية في أقرب الآجال لا سيما بعد اجتماع أبوظبي، برعاية الأمم المتحدة والاجتماع الوزاري الثلاثي بالقاهرة لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر، لمتابعة المبادرة الرئاسية، وفق بيان للرئاسة التونسية

تحركات أمريكية.

وبالتزامن مع التحركات الفرنسية،شهدت الساحة الليبية مؤخرا تحركات أمريكية وهو ما كشفت عنه الزيارة التي أجراها كل من سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى ليبيا بيتر بودي وقائد القوات الأميركية في أفريقيا توماس والدهاوسر، إلى طرابلس وذلك عب ساعات من زيارة وزير الخارجية الفرنسية.

ورافقت طائرات عسكرية أميركية الوفد الأمريكي إلى قاعدة أبو ستة البحرية في طرابلس، حيث مقر حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج، الذي وضع زيارة الوفد الأميركي في إطار نهج "التشاور المنتظم الذي أقره البلدان الصديقان حول مستجدات الأوضاع في ليبيا، والقضايا ذات الاهتمام المشترك".بحسب المكتب الاعلامي.

وجدد السفير الأميركي خلال لقائه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج "دعم الولايات المتحدة لحكومة الوفاق، والنهج التوافقي لرئيس المجلس الرئاسي، وما اتخذه من خطوات في هذا الاتجاه".وأكد بيان للمجلس الرئاسي نشر على صفحته بموقع فيسبوك أن الجانبين اتفقا "على دعم خطة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة لترسيخ المسار الديمقراطي من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية، يمهد لها مؤتمر وطني جامع" مؤكدين أن لا حل عسكريا للأزمة الليبية الراهنة.

وتحدث السراج عن جهوده لتحقيق توافق وطني من خلال لقاءاته مع جميع الأطراف الليبية الرئيسية، والتي كان آخرها لقاء أبوظبي الذي جمعه مع المشير حفتر الشهر الماضي، لوضع تصور للخروج من الأزمة الحالية، يعتمد على توحيد المؤسسة العسكرية والمؤسسات السيادية الأخرى، والتأكيد على الدولة المدنية الديمقراطية.

بدوره، تعهد السفير الأميركي بأن بلاده لن تتسامح مع من وصفهم بالمفسدين للعملية السياسية، مشيراً إلى أن اجتماعات طرابلس جدّدت التأكيد على دعم الولايات المتحدة لليبيا، كدولة موحدة وآمنة ومزدهرة، في ظل حكومة قادرة على خدمة الشعب الليبي.

وكشف النقاب عن تعهد أميركي بتقديم دعم بقيمة 500 ألف دولار في صورة مساعدة لاقتناء أسلحة غير فتاكة، في إطار الاستجابة السريعة لدعم جهود وزارة الداخلية لتعزيز قدرات مديرية أمن طرابلس، لافتاً إلى أن هذه المساعدة الجديدة تأتي كتكملة لمبلغ 30 مليون دولار أميركي، المقدمة ضمن المساعدة الأمنية المستمرة لدعم أولويات حكومة السراج.

وتحرص أمريكا على تقديم الدعم لحكومة الوفاق الليبية، والذي بدأ فى مطلع شهر أغسطس 2016، حين شنت القوات الأمريكية هجمات جوية على ما وصفته بمعاقل تنظيم "داعش" فى سرت بليبيا بطلب رسمى من حكومة الوفاق الوطنى الليبية لتكون تلك العمليات العسكرية الأمريكية هى الأولى التى يتم تنفيذها بالتنسيق "المعلن" مع حكومة الوفاق.

تحرك عربي

من جهة أخرى،تشكل الأزمة الليبية أحد أبرز الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، ونظراًلأهمية هذه الأزمة وتداعياتها المختلفة على الأمن والاستقرار في الإقليم، فقد تحولت إلى أولوية قصوى للعديد من الدول العربية وذلك قصد التوصل إلى تسوية تنتشل البلاد من حالة الفوضى وترسي دعائم دولة جديدة.

الى ذلك،أعلنت الجامعة العربية، الأربعاء، عن إيفاد مبعوثها إلى ليبيا، لبحث سبل التسوية الشاملة قبيل انعقاد القمة العربية المرتقبة نهاية مارس/آذار الجاري، في تونس.وقالت الجامعة في بيان إن "الممثل الخاص للأمين العام لجامعة الدول العربية الموفَد إلى ليبيا، السفير صلاح الدين الجمالي، يقوم بزيارة لمدينتي بنغازي وطبرق، يلتقي خلالها بقيادات مجلس النواب، وعدد من الشخصيات السياسية وممثلي المجتمع المدني الليبي"، دون تفاصيل عن مواعيد البدء أو الانتهاء.

وأضافت الجامعة أن "زيارة الجمالي تأتي بتكليف من الأمين العام أحمد أبو الغيط"، مشيرة إلى أن "الزيارة تأتي في سياق التزام الجامعة الثابت بدعم الدولة، ومرافقة الأطراف الليبية؛ بغية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للوضع في البلاد، والتوافق على استكمال المرحلة الانتقالية، وصولًا إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يتطلع إليها الشعب.

وأفادت بأن "زيارة الجمالي تأتي قبيل انعقاد اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوي القمة يوم 31 آذار/مارس الحالي في تونس"، مشيرة إلى أنه "من المنتظر أن يتناول الجمالي آخر مستجدات الساحة الليبية، وسبل تعزيز الدور العربي دعمًا للمسار السياسي الهادف إلى إنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسات الليبية، وإتمام الاستحقاقات الدستورية والانتخابية المنتظرة.

وشهدت عدة دول عربية خلال الفترة الماضية،مجموعة من اللقاءات والاجتماعات،ويرى متابعون للشأن الليبي أن بإمكان الدول العربية إقناع الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي بالتنازل لمصلحة الحوار، خاصة أن كلا من هذه الدول تملك علاقات قوية مع أحد أطراف النزاع، فيما يرى آخرون أن هناك معوقات لحل الأزمة، حيث أن هناك اختلافا بين هذه الدول فى وجهات النظر.

وتسعى جامعة الدول العربية إلى إثبات وجودها في الملف الليبي من خلال تنسيق وتأطير المبادرات الفردية للدول الأعضاء، بحيث يتم بحث تلك المبادرات وتنفيذها تحت إشراف الجامعة.وكانت قد أعلنت في نوفمبر 2016،تعيين الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمالي ليشغل منصب ممثلها في ليبيا.

وتشكل الأزمة الليبية قلقا في دول الجوار الليبي،التي تخشى تسلل متشددين يحاولون الدخول إليها عبر الحدود مع ليبيا،التي مثلت طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد "بؤرة إرهاب"،كما تمثل مصدر قلق دولي خاصة مع استمرار تداعي وتدهور الأوضاع الأمنية فيها حيث تتعثر المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السياسية وتبعاتها الأمنية.