يبدو الوضع الليبي المتأزم التحدي الأكبر الذي يواجه رئيس مصر الجديد عبد الفتاح السيسي ، فالجارة الغربية باتت محكومة من قبل قوى الاسلام السياسي ، وملجأ للجماعات المتطرفة ، ومصدرا لتمويلها وتسليحها ، كما لا يخفي القائمون على الحكم في طرابلس مثل حزب العدالة والبناء الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وكتلة الوفاء بالمؤتمر الوطني العام المحسوبة على الجماعة الليبية المقاتلة المرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة  والمتحالفة حاليا مع الإخوان ، دعمهم للجماعة المحظورة في مصر ومناوئتهم الشديدة لثورة الثلاثين من يونيو

وتمثل الأوضاع في شرق ليبيا صداعا رهيبا للدولة المصرية بعد أن تحولت المنطقة الى بؤرة للجماعات التكفيرية ومنها « أنصار الشريعة » و« جند التوحيد » و« القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي » وبعض الفصائل الأخرى التي تضم في صفوفها عناصر مصرية 

وفي الوقت الذي يرى فيه المراقبون أن الوضع الليبي يسير نحو مزيد التأزم في ظل غياب دولة مسيطرة وملتزمة ، وفي الوقت الذي باتت فيه عديد المؤشرات توحي بإمكانية أندلاع حرب أهلية بين أطراف عدة سواء من داخل منظومة 17 فبراير أو على نظاق أوسع يشمل القبائل والأطراف التي لا تزال موالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي تجد مصر نفسها داخل مواجهة مفروضة عليها لضمان أمنها القومي وإستقرارها الداخلي 

وقد أكد السيسي في نصريحات صحفية  إن مصر لن تسمح للاضطرابات المسلحة في ليبيا بتهديد الأمن القومي لمصر، كما  "لن تسمح بانطلاق أي عمل إرهابي من داخل ليبيا" ضد بلاده.

وأضاف إن الليبيين يريدون بناء دولة تستوعب الجميع لكن هذا لن يحدث في ظل وجود صراع مسلح. وقال "إن المصريين لا يقبلون ما يهدد أو يمس أمنهم وإنه منذ بداية الأحداث الإرهابية في سيناء كان هناك قرار حاسم بأنه لن يسمح بعودة الوضع كما كان »

ويرى المراقبون أن القاهرة قد تجد في الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر وفي القبائل الليبية حليفا مهما لها في مواجهة الجماعات المسلحة التي تتحرك على الأرض من خلال العمليات الإرهابية أو التي تحول دون بناء مؤسسات الدولة في ليبيا ،وكان حفتر طلب دعم ومساعدة مصر في مواجهة القوى المتنامية للمتشديين ، كما أكد أنه لا يمانع في ادخل عسكري مصري لمساعدة الجيش الليبي الذي يقود عملية « الكرامة » 

وتتجه مصر لتطوير علاقاتها مع دول الجوار الليبي في إطار البحث عن إسترتيجيا موحدة لمواجهة الأخطار المصدّرة إليها من داخل ليبيا ، وقد كان لافتا أن محاولات توتير العلاقات بين السيسي والجزائر باءت بالفشل حيث كان الرئيس الجزائري أول من وجه تهئئة للرئيس المصري الجديد مباسرة بعد ساعات من الإنتهاء من العملية اإنتخابية وقبل الإعلان عن النتائج الرسمية ، وحسب مصادر ديبلوماسية فإن عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية نقل الشهر الماضي رسالة شفوية من السيسي الى بوتفليقة تتعلق بمسار العلاقات الثنائية بين البدلين 

كما كان لافتا توجيه مصر دعوة الى الرئيس التونسي منصف المرزوقي لحضور حفل تنصيب السيسي الأحد رغم المواقف الحكومية التونسية ومواقف المرزوقي الشخصية التي كانت مناوئة لثورة الثلاثين من يونيو من دور الجيش المصري في دعمها ، 

وفي إتجاه الجنوب عملت مصر على تنسيق موقفها مع تشاد التي ترتبط بحدود مديدة مع ليبيا ، من خلال زيارة المهندس ابراهيم محلب الى انجامينا ولقائه مع الرئيس ادريس دبي ، كما تعمل القاهرة على توثيق مشاورتها مع النيجر الجارة الجنوبية الأخرى لليبيا 

ويعتقد جلّ المتابعين للوضع الاقليمي أن مصر في زمن السيسي ستعمل على دعم القوى الوطنية الليبية المؤمنة بالإنتقال الديمقراطي وبالمصالحة الوطنية الشاملة وبناء جيش وشرطة قادرين على تكريس وحماية الدولة وسيادة القانون ، خصوصا وأنها تأوي حاليا أكثر من مليون و300 ألف مهجّر ليبي من أنصار نظام القذافي المطاح به ، كما أن عودة الإستقرار  الى ليبيا يمكن أن يحقق فوائد جمّة لمصر من حيث التعاون الإقتصادي والإستثمار وتوفير فرص عمل لأكثر من ثلاثة ملايين مصري ، غير أن ما يجمع عليه المراقبون هو أن مصر لا يمكن أن تتعايش مع قوى التطرف الديني وحكم الميلشيات في جارتها الغربية ،ولا مع تحكّم قوى إقليمية تراها معادية لها في المسار العام للوضع الليبي ، كما أن تدخل مصر المباشر لضرب الجماعات الإرهابية في ليبيا لن يكون إلا بدعم دولي وإسناد إقليمي وبإجماع الدول المجاورة لليبيا وخاصة تونس والجزائر وتشاد