في ظل الواقع الليبي المليئ بالمستجدات، بين انفراج الأفق السياسي وتواصل توافقات الفرقاء خاصة مع تصاعد الجهود الدولية والاقليمية للوصول الى تسوية شاملة تنهي الصراعات في البلاد،مازالت معظلة الهجرة الغير شرعية تفرض نفسها في المشهد الليبي كأحد أبرز نتائج الفوضى التي عصفت بالبلاد جراء التدخل الغربي فيها في العام 2011.
الى ذلك،أعلنت الأمم المتحدة غرق زورق مهاجرين، الثلاثاء، قبالة شواطئ ليبيا، ما أسفر عن 43 قتيلا على الأقل في حين تم إنقاذ 10 أشخاص آخرين،في أول حادث من نوعه بالبحر المتوسط هذا العام.
وفي بيان مشترك أعربت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، عن "حزنها العميق" لحادث الغرق الذي وقع ،الثلاثاء، "الأول في العام 2021 في شرق المتوسط وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 43 شخصا".وأشار البيان الى إن خفر السواحل في مدينة زوارة الليبية انتشلوا عشرة ناجين ونقلوهم للشاطئ.
ومثل التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين على شواطئها، أزمة كبيرة في ليبيا التي إكتضت مدنها بمراكز الإحتجاز وسط ظروف ممأساوية للمهاجرين جراء النقص الهائل في الخدمات علاوة على الإنتهاكات المستمرة على يد الميليشيات حيث يتعرض المهاجرون غير الشرعيين في مناطق غرب ليبيا للتنكيل والخطف والقتل والاستعباد.
ومطلع العام الجاري،أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني أنها رحلت جوا أكثر من 5 آلاف مهاجر من ليبيا خلال العام 2020.وقالت الوزارة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، إنه "بنهاية هذا العام بلغت الحصيلة النهائية لأعداد المهاجرين، الذين تم ترحيلهم عبر الرحلات الجوية 5360 مهاجراً لأسباب مختلفة.
وشملت هذه الأسباب إعادة توطين بعض المهاجرين، وعودة طوعية، وإجلاء إنساني، بحسب البيان.وأضافت أن آخر عمليات الإجلاء الإنساني لهؤلاء المهاجرين نفذت يوم 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وشملت 130 مهاجرا تم إجلاؤهم جوا من طرابلس إلى رواندا.ونظم رحلات عودة المهاجرين جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وكان الزورق أبحر فجر الثلاثاء من مدينة الزاوية على بعد 50 كلم غرب طرابلس.وبحسب الأمم المتحدة قد يكون محرك الزورق تعطل بعد ساعات على الإبحار وغرق بسبب أحوال الطقس.وقال الناجون وهم أساسا من ساحل العاج ونيجيريا وغانا وغامبيا إن جميع الضحايا من دول في غرب افريقيا،وفق ما اوردت فرانس 24.
وقضى أكثر من 1200 مهاجر في المتوسط في 2020 انطلق معظمهم من ليبيا، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.وتخشى منظمة الهجرة ومفوضية اللاجئين من أن يكون عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم العام الماضي في المتوسط أعلى بكثير.وينطلق المهاجرون غير الشرعيين خصوصا من تونس وليبيا للوصول إلى أوروبا عبر إيطاليا التي تعد سواحلها الأقرب.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية أقامت السلطات الليبية مراكز لإيواء آلاف المهاجرين غير النظاميين، ومعظمهم من جنسيات أفريقية.وتحول احتجاز المهاجرين داخل مراكز الهجرة غير الشرعية غربي ليبيا إلى أحد أهم المجالات المربحة، للمليشيات المسلحة وشبكات تهريب البشر، لكسب المزيد من الأموال.
وفي سبتمبر الماضي،انتقد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن الدولي،أوضاع مراكز الاحتجاز التي تديرها حكومة الوفاق.وندّد الأمين العام بـ"الظروف المروّعة والمعاملة السيئة" التي يعاني منها اللاجئون والمهاجرون في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك تقارير عن حالات تعذيب واختفاء قسري وعنف جنسي على أيدي مسؤولي جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية (تابع لحكومة الوفاق) بالإضافة إلى نقص في الغذاء والرعاية الصحية".
وأكد التقرير أن تقديرات الأمم المتّحدة تشير إلى أنّه في 31 تمّوز/يوليو 2020، كان هناك أكثر من 2780 شخصاً، 22% منهم من الأطفال، محتجزين في مراكز مخصصة لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا.وأشار غوتيريش الى أنّه "لا يجوز بتاتاً احتجاز الأطفال، لا سيّما عندما يكونون غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم"، مطالباً السلطات الليبية بنقل هؤلاء الأطفال إلى دور متخصصة لرعايتهم ريثما يتم إيجاد حلول طويلة الأجل لهم".
وأضاف التقرير إنّ "الرجال والفتيان يتعرّضون بشكل روتيني للتهديد بالعنف عندما يتّصلون بعائلاتهم للضغط عليهم لإرسال أموال فدية".ولفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنّه في مراكز الاحتجاز التي تحتوي على مخازن أسلحة وذخيرة يتم تجنيد قسم من اللاجئين والمهاجرين قسراً، بينما يُجبر قسم آخر على تصليح أو تذخير أسلحة تابعة لجماعات مسلّحة، لم يسمها.
وعلاوة على الانتهاكات يواجه المهاجرون مخاطر صحية خاصة مع انتشار وباء كورونا حيث أبدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قلقها من مخاطر تفشي الوباء في صفوف المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين بمراكز تابعة للرئاسي.
وأشارت المفوضية،في بيان لها،إلى أنه ومع تزايد حالات الإصابة بوباء كورونا في ليبيا، فإن هذه المنظمة الأممية قلقة بشكل خاص بشأن المخاطر الكبيرة التي يواجهها المهاجرون غير الشرعيين المحتجزين بمراكز الاحتجاز في ظروف مزدحمة ومرافق صرف صحي سيئة.وأضاف البيان أن مراكز الاحتجاز ما زالت مليئة بهؤلاء رغم الدعوات الدولية لإغلاق تلك المراكز ووضع حد للاعتقال التعسفي في ليبيا.
وسبق أن نبهت المنظمة الدولية للهجرة،في نوفمبر الماضي، من تردي الأوضاع الصحية وتفشي فيروس كورونا بين المهاجرين المحتجزين بطرابلس.ودقت المنظمة، في بيان صادر عنها، ناقوس الخطر، محذرة من أن المهاجرين المحتجزين في أماكن مزدحمة بطرابلس معرضون لخطر الإصابة والوفاة جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا.
وأشارت إلى أن المهاجرين يعيشون في ظروف غير صحية، ويعانون من صعوبة الوصول إلى المياه مما يزيد من خطر تفشي الفيروس، معلنة تنظيم حملات توعية لإبلاغ المهاجرين بالتدابير الاحترازية، وما يجب فعله عند الاشتباه بوجود أعراض لدى عائلاتهم أو أصدقائهم.
أصبحت ليبيا جراء الفوضى التي عصفت بها منذ العام 2011، في مقدمة الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا. وذلك في خضم الفراغ الأمني الذي جعل البلاد عاجزة عن التصدي لمهربي البشر الذين يستغلون أوضاعا وظروف عيش قاسية تمر بها بعض شعوب أفريقيا جنوب الصحراء لكسب أموال طائلة.
واقتصرت جهود الدول الأوروبية، منذ بداية الأزمة على اعتراض المهاجرين في البحر وإيقافهم من أجل إبقائهم خارج أراضيها، حيث سعت إلى تعزيز السيطرة على حدودها البحرية مع ليبيا بهدف تقليل أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر البحر المتوسط، كما قامت بتقديم مساعدات لخفر السواحل الليبية لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر المتوسط ومنعهم من الوصول إلى أوروبا.
وحولت هذه المساعي الأوروبية لإبعاد المهاجرين عن أراضيها، ليبيا من بلد عبور إلى بلد إستقطاب، حيث أجبر الآلاف من طالبي الهجرة على البقاء في ليبيا التي تعاني أصلا من أزمة خانقة بسبب الإنقسامات والصراعات أثرت على الأوضاع المعيشية والخدمات العامة وخاصة قطاع الصحة الذى يشهد ترديا كبيرا بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية.