كمن أهمية قطاع الموارد المائية في كونه مرتبطا بالمجالات الحيوية الأساسية للدول مثل الري والزراعة، بالإضافة إلى ارتباطه الوثيق بالنشاطات الحضرية والصناعية ويشكل محور النظام البيئي والصحي وتزداد هذه الأهمية بملازمة قطاع الموارد المائية لعمليات إنتاج الطاقة، مما يجعله أحد الأهداف الرئيسية في الخطط التنموية للدول، ويشكل جزء من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في إجتماعها عام 2015.
وتؤكّد المؤشرات الدولية أن الوضع المائي في ليبيا ليس في أحسن أحواله والقادم غير مبشّر، حيث تشير دراسة صادرة عن اليونيسيف سنة 2017 أن ليبيـا تعد من البلـدان التي تعـاني مـن نـدرة الميـاه، ولاتتجـاوز حصـة الفـرد مـن المـوارد المائيـة المتجـددة108 مـتر مكعب سنويا.
ويـكاد البلـد يعتمـد بالكامـل عـلى الميـاه الجوفيـة التـي تثـل 97 في المائـة مـن إجـمالي حجـم الميـاه المسـتخدمة في الأغـراض الزراعيـة والصناعيـة والمنزليـة. وتسـهم المـواردالأخـرى؛مثـل ميـاهالأمطـاروتحليـة الميـاه والميـاه العادمـة المعالجـة، نسـبةالــ3 في المائة المتبقية.
وتمثـل الميـاه المنزليـة بنسـبة٪12 مـن إجـملي إمـدادات الميـاه في ليبيـا، ولهـا ثلاثـة مصـادر رئيسـية هـي: مـشروع النهـر الصناعـي ٪60، وحقـول الآبـار البلديـة ٪30، ومحطـات تحليـةالميـاه ٪10. ومـن المتوقـع أن يصـل اسـتخدامالميـاهالمنزليـة إلى 860 مليـون مـتر مكعـب في السـنة بحلـول عـام2025 مقارنـة بــ650 مليـون مـتر مكعـب في الوقـت الحـالي.
وفي البلدان التـي تعـاني مـن نـدرة الميـاه مثـل ليبيـا، يعتـبر الوصـول الآمـن إلى الميـاه النظيفـة ومرافـق الـصرف الصحـي والنظافـة المناسـبة مسـألة ضروريـة لتمكـين جميـع الأطفـال مـن تحقيـق كامـل إمكاناتهـم. ولاتـزال نوعيـة الميـاه السـيئة وتلـوثها من بـين الأسـباب الرئيسـية لوفيـات الأطفـال واعتلالهم في جميـع أنحـاءالعـالم.
ويمكـن أن ينشـأ تلـوث الميـاه سـواء في مصدرهـا أوداخـل نظـام توزيـعها، وقد تشـتمل الملوثـات عـلى مـواد كيميائيـة ومعادن طبيعيـة مثـل الرصـاص والزئبـق والزرنيـخ، وكذلـك المبيـدات الزراعيـة والأسـمدة، وعمليـات السـحب مـن العمليـات الصناعيـة وتدفـق الميــاه العادمة.
ويتسـبب تلـوث الميـاه في مجموعـة كبـيرة مـن الآثـارالصحيـة الضـارة، وقد يكـون مهـددا للحياة في بعـض الحـالات. وتعتبر الميـاه الملوثـة هـي السـبب الرئيـسي لأمـراض الإسـهال وهـو السـبب الرئيـسي الثـاني للوفـاة بـين الأطفـال دون سـن الخامسـة في البلـدان الناميـة. والملوثـات التـي تنقلهـا الميـاه مـن مبيـدات الآفـات هـي المسـؤولةعـن مشـاكل الصحـة الإنجابيـة الكبـيرة بـين السـكان المعرضين لهـا، كـما تتصـل العديـد مـن الاضطرابـات العصبيـة بالتعـرض لميـاه الـصرف الصحـي التـي تحتـوي عـلى معـادن ثقيلة.
تحدثت دراسات جيولوجية عن أن ليبيا مقبلة على أزمة مائية، إن لم تُتخذ التدابير اللازمة، كبناء السدود، أو شبكةٍ من محطات التحلية على طول الشريط الساحلي، وهو قريب مما قاله الأستاذ عبدالله بن إدريس مدير مركز أبحاث النهر الصناعي في تصريحات تلفزيونية: "تحتاج ليبيا لبدائل للنهر، لتغطية العجز المائي المتوقع بعد سنوات".
كما ذهب الكثير إلى القول بأن المشروع هو استنزاف تام للمياه الجوفية الصحراوية، أو على الأقل يُصَيِّرُها إلى النضوب سريعا وعاقبته وخيمة على الحالة البيئية بالمنطقة، حيث إن المخزون المائي غير متجدد، وبالتالي سيتم استنزاف كل المياه الصالحة بالجنوب، ما قد يؤدي إلى مقتل الكائنات الحية، ويُهجّر البشر.
في المقابل خالفت دراسات علمية نشرت في مجلة أي أو بي ساينس وتقريرا صادرا من المعهد البريطاني للمسح الجيولوجي كان مقدم ومعد لقسم التطوير الدولي بالمملكة المتحدة ( بأن كميات المياه الجوفية المقدرة حسب التقرير في أفريقيا حوالي (660.000كيلومتر مكعب) وحصة ليبيا من مخزون المياه الجوفية حسب التقرير (99.500كيلومتر مكعب) وهذه الكمية تمثل سدس الكمية الإجمالية في أفريقيا ، متفوقة بذلك على الدول المحيطة. أي أن في ليبيا والدول المحيطة بها أكثر من نصف حجم المخزون من المياه الجوفية المقدرة في أفريقيا حسب التقرير، كذلك وجود دراسات تتحدث عن إمكانية تجدد وتعدية النهر الصناعي من بعض أنهار وبحيرات القارة الأفريقية، لكن نحتاج اليوم وللضرورة القسوة إلى دراسات واقعية تثبت تجدد المياه من عدمها.
وقد أشارت دراسة قامت بها جامعة بريطانية أن مناطق الجبل الأخضر، والكفرة، والسرير، والجفارة، والحمادة الحمراء، ومرزق هي أهم المصادر الأساسية للمياه في ليبيا. وشددت الدراسة على ضرورة إعادة النظر في استثمار مياه النهر الصناعي، بإعطاء الأولوية للإمداد الحضري بالمناطق الداخلية التي لا يمكن تغذيتها بمياه التحلية، إلى جانب إعادة النظر في أولويات ونسب توزيع المخصصات المائية.
وفي السياق ذاته دعت الدراسة إلى ضرورة إعادة استعمال مياه الصرف الصحي التي يتم معالجتها،لافتة إلى أن السعات التصميمية المنفذة تبلغ حوالي 450 ألف متر مكعب، في حين أن السعات التشغيلية تبلغ حوالي 150 ألف متر مكعب يوميا، لتصل نسبة الكميات المنتجة إلى التصميمية 30 بالمائة. وأوضحت أن الكمية القصوى التي يمكن الوصول إليها، تعتمد على معدلات استعمال المياه بالمخططات الحضرية وهي تقدر بحوالي 1.2 مليون متر مكعب يوميا عام 2025. ومن ناحية أخرى أشارت الدراسة إلى إمكانية توريد المياه من الخارج، مقترحة عددا من الخيارات لتوريدها من تركيا والجبل الأسود والغابون. وعزا القائمون على الدراسة أسباب الأزمة المائية في ليبيا إلى التوسع في النشاط الزراعي، وإنتاج المحاصيل الشرهة للمياه، إضافة إلى التدني في كفاءة نظم الري والفاقد في الإنتاج الزراعي، منوهة إلى أن أمانة التخطيط قامت بوضع خطة مشروع لتحليلة مياه البحر، بتكلفة مالية تقدر بـ 1295 مليون دولار
جدير بالذكر أن المـوارد المائية المتاحة في ليبيا تصل إلى 95 بالمائة مياه جوفية، 2.30 %مياه سطحية و0.90 % مياه محلاة 0.66 % مياه صرف. كما أن معدلات الاستهلاك اليومي للفرد من المياه تتراوح بين 150 لترفي اليوم، في التجمعات الصغرى والأرياف لتصل إلى أكثر من 400 لتر في اليوم بالمدن، وأن هذه التقديرات تشمل جانب الاستهلاك المنزلي، وكافة المرافق العامة من مدارس وجامعات ومستشفيات.