منذ سيطرة الميليشيات على طرابلس، تصاعدت حدة الصراع المسلح بينها،فيما تكابد العائلات الظروف المعيشية القاسية وحالة من الانفلات الأمني.وتتزايد انتقادات سكان طرابلس لحكومة الوفاق الوطني بأنها فشلت في حل المشاكل الاقتصادية المعقدة وإعادة الخدمات العامة وتحسين الأمن.
ومع تواصل حالة عدم الاستقرار،وغياب سلطة الدولة، تتواصل أعمال العنف ومسلسل الصراع بين المليشيات من أجل السيطرة على الأرض أو تحقيق بعض المكاسب التي ترسخ وجودها وتفرض سلطتها.
إلى ذلك، عادت ميليشيا بشير خلف الله الملقب بـ "البقرة" إلى واجهة الأحداث من جديد،بعد إختطافها لعدد من أبناء منطقة سوق الجمعة بدعوى انتمائهم لقوة النواصي.وكشفت مصادر إعلامية أن الميليشيا هي المسؤولة عن اختطاف خمسة شباب من بينهم أبناء عائلة الكحيلي،جرى استيقافهم على الهوية.
وتسببت عملية الإختطاف في احتجاجات أدت إلى إغلاق طريق الشط وعدد من الطرق والشوارع في المنطقة، وإطلاق الرصاص وتفجير المفرقعات، وشن حملات تفتيش على السيارات المارة، للقبض على كل من ينتمي إلى منطقة تاجوراء التي يقيم بها "البقرة" ويتخذ منها مقرا لمجموعته المسلحة.
وردد المحتجون هتافات ضد ميليشيا “البقرة”، ذات التوجه الإسلامي المتشدد، كما أطلقوا الرصاص في الهواء.وأفادت وسائل إعلام محلية أن الاحتجاجات تتزايد، والأهالي تطالب بوضع حل لتزايد عمليات الخطف والقتل التي تشهدها العاصمة طرابلس.
**بين "الردع" و"البقرة"
وتأتي عملية الإختطاف في إطار صراع النفوذ بين الميليشيات في العاصمة الليبية،حيث أفادت وسائل إعلام محلية، أن المنطقة تشهد احتقاناً بين ميليشيا قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق وميليشيا "البقرة" ومقرها تاجوراء،على خلفية مطالبة الأخيرة لميليشيا الردع بإطلاق سراح إسلاميين متشددين من سجن معيتيقة، مقابل إطلاق سراح المختطفين.
ونقلت "إرم نيوز"،عن سكان من تاجوراء قولهم: إن ميليشيا البقرة أعلنت الاستنفار الكامل في صفوف قواتها، وإن المخاوف تتصاعد من حدوث مواجهة مسلحة بين الطرفين.فيما أكد مصدر في مطار معيتيقة الدولي؛ ردًا على استفسار لـ "إرم نيوز"، أن المطار يعمل بشكل اعتيادي، وقال: "الأمور طيبة والرحلات مستمرة بشكل طبيعي"، دون مزيد من التفاصيل.
وسبق أن هاجمت ميليشيا "البقرة"،في أبريل الماضي، سجن معيتيقة الواقع داخل مطار معيتيقة الدولي والذي تشرف عليه ميليشيا قوة الردع الخاصة، سعيًا منها لتحرير متشددين إسلاميين، مما تسبب في خسائر في المطار، وإصابة إحدى الطائرات وإيقاف حركة الطيران.وتعهد حينها فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية،بملاحقة المسؤولين عن استهداف المطار.
هجوم "ميليشيا البقرة" على مطار معيتيقة،لم يكن الأول من نوعه،ففي يناير الماضي،أسفر هجومها عليه عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح حوالي ثلاثين آخرين وتسبب في ايقاف الملاحة الجوية من والى المطار.وجاء الهجوم حينها بحسب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،بهدف إطلاق سراح إرهابيين محتجزين في سجن، ينتمون إلى تنظيم "داعش" و"القاعدة".حيث يطالب قادة الكتيبة 33 التي تدين بالولاء لمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني والجماعة الليبية المقاتلة، بإطلاق سراح أشخاص مقبوض في سجن معيتيقة بتهم الاٍرهاب.
ودفع الهجوم برئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية،فائز السراج،إلى إصدار قرار بحل "كتيبة البقرة" وطالبها بتسليم أسلحتها وآلياتها العسكرية،وشكّل القرار مفاجأة لكونه يعد فى حقيقته إقراراً بتبعية هذه الكتيبة لحكومة الوفاق.
لكن الكتيبة تجاهلت القرار وقالت في بيان على موقعها في "فايسبوك"،"إنها غير ملزَمة القرارات التي تصدر عن حكومة الفرقاطة غير المعتمدة من مجلس النواب"، في إشارة إلى حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج. وقالت:"وليس بيننا وبينها عهد ولا ميثاق ولن نكون تبعا لها، وتبعيتنا للشعب الليبي والعلماء الأجلاء"، في إشارة إلى مرجعها الديني الصادق الغرياني.
** عجز حكومي
وبين قرار حل الكتيبة،والتعهد بمحاسبة الميليشيات،يشير الكثيرون إلى عجز حكومة الوفاق كبح جماح الميليشيات،حتى تلك التي تعلن ولاءها لها،وهو ما تجلى واضحا في أزمة مخيم مهجري تاورغاء في طرابلس،الذي تعرض لهجوم مسلح قامت به مليشيات تابعة للأمن المركزي أبو سليم وهو ما أثار ردود فعل منددة.
ووصفت بعثة الامم المتحدة إلى ليبيا،ما حدث بـ"الإجلاء القسري للعوائل النازحة من تاورغاء من مخيم طريق المطار، وتركهم بلا مأوى، للمرة الثانية منذ سبع سنوات.وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، في بيان له،إن "الدخول إلى مخيم للنازحين بينما الناس نيام، وتهديم المنازل وإجبار الناس على الفرار وتركهم بلا مأوى، ما هو إلا انتهاك لكرامتهم وحقهم في الحماية التي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وسبق أن رفضت ميليشيات موالية لحكومة الوفاق عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم بالرغم من الوعود التي أطلقها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،في ديسمبر 2017،وإعلانه عن موعد بدء عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم في الأول من شهر فبراير 2018.وهو ما أكد بحسب الكثيرين عدم تحكم الحكومة في الميليشيات.
إتهامات ساقتها ايضا منظمة "هيومن رايتس ووتش"،في تقرير نشرته في مايو الماضي،قالت فيه إن العديد من الجماعات المُسلحة، بما فيها قوة الردع الخاصة، تعمل تحت غطاء وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي يبدو أنها غير قادرة على كبح جماح هذه الجماعات، أو محاسبة مسؤوليها عن الانتهاكات.
وفي أبريل الماضي،كشفت دراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن الدولي،أن ميليشيات مسلحة في طرابلس سيطرت على مفاصل السلطة في العاصمة طرابلس منذ دخول "المجلس الرئاسي المقترح" في مارس 2016 وعلى الرغم من أن ولاء تلك الميليشيات لحكومة "الوفاق"، إلا أنها تسيطر بالفعل على الحكومة وقرارتها.وأشارت الدراسة الى أن استعانة المجلس الرئاسي بميليشيات مختلفة الانتماءات لحمايته في العاصمة طرابلس شكلت حجر الأساس لفشل الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات.
** إحتجاجات
وتعاني طرابلس منذ سنوات من انتشار الكتائب المسلحة،التي إستغلت الفراغ الأمني وغياب سلطة الدولة.ومنذ تمركز هذه المليشيات داخل العاصمة سقط مئات المدنيين جراء الإشتباكات المسلحة،وأسهمت فوضى هذه المليشيات في ضعف الخدمات الأساسية وتردي الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي.
الأوضاع المعيشية الصعبة وانقطاع الكهرباء وسطوة الميليشيات في طرابلس،باتت إحدى أبرز الأسباب في اندلاع الاحتجاجات المنادية بإسقاط حكومة الوفاق.حيث تتكرر الاحتجاجات في العاصمة طرابلس على خلفية المشاكل الأمنية والاقتصادية والخدمية المتكررة، دون اتخاذ السلطات لتدابير للحد منها وتخفيف معاناة المواطنين..
ويبقى المواطن هو الخاسر الأبرز من وجود الميليشيات،حيث حصدت الاشتباكات بينها أرواح الكثيرين خلال السنوات الماضية،ناهيك عن الاختطاف والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي تزيد من تردي الأوضاع في البلاد.ومنذ 2011،خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضد الميليشيات، مطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.
ومنذ أسابيع بات مشهد الاحتجاجات في عدد من المدن الليبية،عاديا ومتكررا في ظل تردي الأوضاع المعيشية ونقص السيولة النقدية وإنقطاع الكهرباء الذي تزامن مع تسجيل درجات حرارة مرتفعه في البلاد.حيث يحتج المتضاهرون ضد السياسات الحكومية التي عجزت عن حل مشاكل المواطنين.
ومع تكرر الإحتجاجات وتصاعدها،يشير مراقبون، أن موجة الغضب في أحياء طرابلس يمكن أن تتحول إلى انتفاضة شعبية ضد الأوضاع المعيشية الصعبة، ورفض وجود الميليشيات المسلحة التي تسيطر على مفاصل الدولة في العاصمة الليبية،خاصة في ظل إستمرار العجز الحكومي وغياب حلول قادرة على إنهاء معاناة المواطنين.