رغم التطورات الإيجابية في المشهد السياسي الليبي، يبقى ملف الميليشيات التحدي الأبرز في غرب البلاد خلال المرحلة القادمة، في ظل سعي أمراء الحرب والمسلحين للحفاظ على مكاسبهم المادية والمعنوية التي حققوها بواسطة السلاح والتمرد على القانون.

ويرى المتابعون للشأن المحلي، أن استمرار الميليشيات في مواقعها وممارساتها، وبالنفوذ الذي تمتلكه في أغلب مدن المنطقة الغربية وخاصة مصراتة وزليتن وطرابلس والزاوية، سيكون حجر عثرة في طريق تنفيذ الاتفاق السياسي، وخاصة في بنوده المتعلقة بتوحيد المؤسسات وإعلان المصالحة الوطنية وتنظيم الانتخابات، نظرا لأن عودة الدولة بكامل قدراتها للقيام بمهامها الاصلية بما في ذلك احتكار أدوات العنف المشروع، ينهي دور الجماعات المسلحة، ويسحب منها الامتيازات التي حظيت بها خلال عشر سنوات من عمر الأزمة المستفحلة في البلاد.

وتحاول الميليشيات، مواكبة التطورات الحاصلة في البلاد، بالتنظيم داخل ما يسمى بجهاز الحرس الوطني، الذي تريد له قوى الإسلام السياسي، أن يكون تنظيما عقائديا بشعارات ثورية ذات مرجعية دينية، وبقوة مسلحة ضاربة، بزعم الدفاع عن مقومات ثورة فبراير 2011.

والأسبوع الماضي، أصدر عدد من الميليشيات بيانات تؤكد من خلالها انتماءها للجهاز، وقال القائد الميداني بمليشيات الوفاق، الطاهر بن غربية، إن تلك البيانات استهدفت إظهار قوة الجهاز وإخراجه إلى حيز الوجود، مشيرا إلى أن هذه خطوة أولى تليها خطوات قادمة.

وأوضح بن غربية إلى أن تشكيل الحرس الوطني شهد عملاً كبيرًا عبر عدة لجان شكلت، منها لجان قانونية وإدارية ومالية، ومكاتب قبول، لافتًا إلى أن العملية بدأت في بعض المنتديات والمؤتمرات التي تصب في اتجاه الحرس الوطني، وأن هذه الجهود أسفرت عن بدء خطوات فعلية.

ويهدف الجهاز الذي تسعى الميليشيات الى تشكيله، الى التدخل في وظائف الشرطة والجيش بما في ذلك تأمين مؤسسات الدولة الحيوية وحراسة الحدود والمنشآت النفطية، وهو ما تطمح إليه قوى الإسلام السياسي التي تحاول تحييد الجيش الوطني عن أي دور مهم في المرحلة القادمة.

وكان اتفاق جنيف بين وفدي حكومة الوفاق وقيادة الجيش، الصادر في 23 أكتوبر الماضي، نص على أن « تبدأ فورا عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي سواء التي تم ضمها للدولة أو التي لم يتم ضمها، ومن ثم إعداد موقف عنها من حيث(قادتها، عدد أفرادها، تسليحها، أماكن تواجدها) وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها وبشكل فردي إلى مؤسسات الدولة ممن تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة لكل مؤسسة وبحسب الحاجة الفعلية لتلك المؤسسات أو إيجاد فرص وحلول لمن لا تنطبق عليه الشروط أو لمن لا يرغب بهذا الدمج، من خلال لجنة فرعية مشتركة بدعم ومشاركة البعثة».

وبينما لا يزال هذا البند مسكوتا عنه، أكد المحلل السياسي، عز الدين عقيل، أنه لن تكون هناك مصالحة وطنية ولا عودة للنازحين ولا توحيد المسلحين في ظل بقاء الميليشيات المسلحة، مؤكدا أن كل ذلك مرهون بنزع السلاح وتفكيك الميليشيات وخروج المرتزقة من البلاد.

ويعتقد اغلب المراقبين أن ملف الميليشيات مرتبط بالجرائم المرتكبة من قبلها خلال السنوات الماضية، وبالمصالح الاقتصادية التي لا تزال تحققها بواسطة نفوذها الميداني، وبعلاقاتها المعلنة مع الجماعات الإرهابية ولوبيات الفساد وعصابات الجريمة المنظمة وخاصة في مجالات التهريب والاتجار بالبشر ونهب مقدرات الدولة، لافتين الى أن حكومة فائز السراج كرست نفوذ أمراء الحرب، بالدفع بعدد منها الى مناصب كبرى في المؤسسات السيادية كالأمن والمخابرات والسلك الديبلوماسي.

وبمناسبة الذكرى العاشرة للسابع عشر من فبراير 2011، كشفت منظمة العفو الدولية عن عدد كبير من الجرائم التي تورطت فيها الجماعات المسلحة وأفلت مرتكبوها من العقاب، وقالت إن «العدالة لم تتحقق لضحايا جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل غير المشروع، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتهجير القسري، والاختطاف، التي ترتكبها الميليشيات والجماعات المسلحة» وبالعكس من ذلك « قامت السلطات الليبية بترقية وإضفاء الشرعية على قادة الميليشيات المسؤولة عن الأعمال المروعة، بدلاً من ضمان إجراء المساءلة»، مشيرة الى ليبيا « ما فتئت تعاني من غياب القانون، والإفلات من العقاب على جرائم الحرب التي ترتكبها الميليشيات والجماعات المسلحة المتنافسة. لقد وعدت الحكومات الليبية المتعاقبة بالحفاظ على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، بيد أن كلاً منها قد تقاعس عن كبح جماح الجناة» وفق نص التقرير.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: «على مدى عقد من الزمن، تم التضحية بالمساءلة وتحقيق العدالة في ليبيا باسم السلام والاستقرار. ولم يتحقق أي منهما. وبدلاً من ذلك، تمتع المسؤولون عن الانتهاكات بالإفلات من العقاب؛ بل وتم دمجهم في مؤسسات الدولة، ومعاملتهم باحترام، وما لم يتم تقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة، بدلاً من مكافأتهم بمناصب السلطة، فإن العنف والفوضى والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، والمعاناة التي لا نهاية لها للمدنيين التي اتسمت بها ليبيا ما بعد القذافي ستستمر دون توقف».

وينتظر أن تستمر الميليشيات في مساعيها لإفشال الحل السياسي، ما لم يتخذ قرار دولي حاسم بشأنها، ومالم يتم حلها وجمع سلاحها قبل الاتجاه الى الانتخابات القادمة التي يجمع الليبيون على إنها لا يمكن أن تدور بنزاهة وشفافية، وحراب الميليشيات مسلطة على الناخبين.