في أجواء يسيطر عليها الترقب، أكد الناطق باسم مجلس النواب (البرلمان) الليبي، فرج بوهاشم، أن البرلمان سيمتثل للحكم الذي ستقرره المحكمة الدستورية العليا بشأن صحة انعقاد جلساته في طبرق من عدمها، رغم قوله، في حوار مع «الشرق الأوسط» في مقر البرلمان بالمدينة الواقعة شرق البلاد، إن المحكمة ستنعقد في العاصمة طرابلس «التي هي خارج السيطرة»، معربا عن اعتقاده أن «مجلس النواب لن يتلكأ أو ينكر المحكمة أو الحكم الصادر أو يطعن في نزاهة الحكم أيًّا كان، رغم علمنا ومعرفتنا بالظروف المحيطة بصدوره».
وقال بوهاشم إن مجلس النواب اضطر لعقد جلساته في طبرق مؤقتا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في كل من طرابلس وبنغازي، مشيرا إلى أن الميليشيات المتطرفة تسعى للحصول على حكم من المحكمة «بأي شكل، سواء بالتهديد أو بالترهيب أو بالترغيب، رغم معرفتها بأن انعقاد جلسات البرلمان في طبرق دستوري».. لكنه أثنى على حوار «غدامس» الذي عقد الشهر الماضي بين عدد من النواب المقاطعين لأعمال البرلمان، ووفد من مجلس النواب، رغم أن نتائج الحوار لم تصل «إلى شيء ملموس بعد».
وأوضح بوهاشم أن نسبة القوات التي تحارب المتطرفين في ليبيا إلى اللواء حفتر «فيها مغالطة كبيرة»، لأن هذه القوات «هي قوات الجيش الوطني الليبي»، لكنه أثنى، في المقابل، على حفتر، وقال إنه «في مقدمة الداعين لمحاربة الإرهاب والتطرف بعد أن تنادى أفراد الجيش الليبي للثأر ردا على عمليات الاغتيال التي طالت نحو 500 من الضباط والجنود».
وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* هل مجلس النواب يتحسب لقرارات المحكمة الدستورية العليا التي ستفصل في دستورية انعقاد مجلس النواب في طبرق، وهل يتخوف من صدور قرار بعدم دستورية استمرار هذه الجلسات في طبرق؟
- في الحقيقة، لا شك في إجراءات المحكمة، التي نعلمها ونعرف جيدا السادة القضاة في الدائرة الدستورية، ولا نشك في نزاهتهم ألبتة، ولكن تخوفنا هو من الظروف المحيطة بالمحكمة ومكان انعقاد الجلسة التي تعقد في طرابلس.. وكما تعلم هذه المدينة خارج السيطرة. وما نعلمه عن تلك الميليشيات المتطرفة، هو السعي للحصول على حكم بأي شكل، رغم معرفتها بأن انعقاد مجلس النواب في طبرق انعقاد دستوري، ولكن نعلم جيدا أنها ستحاول الضغط بشتى الوسائل، سواء بالتهديد أو بالترهيب أو بالترغيب، وبالتالي التخوف يكمن في هذه النقطة تحديدا.. وليس شكا في نزاهة القضاء الليبي.
* لو افترضنا جدلا أن القرار صدر ضد انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق، فكيف سيكون التصرف؟
- لا شك أن مجلس النواب الليبي يحترم القضاء، وسيذهب إلى ما تذهب إليه المحكمة، رغم علمنا وإدراكنا لظروفها المحيطة، إلا أننا نحترم القضاء.. ولا أعتقد، وهذه وجهة نظري، أن مجلس النواب سيتلكأ أو ينكر المحكمة أو الحكم الصادر عنها، أو يطعن في نزاهة هذا الحكم، رغم علمنا ومعرفتنا بالظروف المحيطة بصدوره.
* وبالنسبة للنواب الذين يقاطعون أعمال مجلس النواب، كم عددهم بالتحديد؟
- عدد النواب المقاطعين يتراوح بين 20 و25 نائبا، منهم من يأتي ثم يذهب ويغيب لفترات طويلة، ومنهم من جاء وانقطع عن الحضور، ومنهم من لم يأت منذ البداية.
* وهل ينتمون إلى تيار معين أو إلى مناطق معينة؟
- أغلب المقاطعين محسوبون على التيار المتشدد، وعلى جماعة الإخوان المسلمين. هم «الإخوان» ومجموعة أخرى تتستر بالدين أو «الإسلام السياسي» كما يطلق عليه البعض.
* لكن هناك دوائر أخرى لم تجر فيها الانتخابات؟
- نعم.. هذه ما زالت لا يوجد لها نواب، لأنه لم تجر فيها انتخابات. وهي تشمل 12 مقعدا ستجرى الانتخابات عليها في حال توفر الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في تلك الدوائر. وهؤلاء لا تستطيع أن تدخلهم في عملية جمع وطرح كما يحاول البعض أن يفعل بأن يضيف عدد الدوائر التي لم تجر فيها الانتخابات إلى دوائر النواب المقاطعين. الدوائر التي لم تجر فيها الانتخابات لم تخرج لها نتائج بعد. وبالتالي، فإن إجمالي عدد النواب المنتخبين وفقا للنتائج التي أعنتها المفوضية العليا للانتخابية الليبية هم 188 نائبا، وليس 200 نائب. وبالتالي يكون الخَصم من النواب المقاطعين فقط، وليس من النواب المقاطعين ونواب الدوائر التي لم تجر فيها الانتخابات بعد.
* ما تقييمك لاجتماع غدامس الذي انعقد بين عدد من النواب المقاطعين ووفد من نواب المجلس.. هل هناك نتائج إيجابية لهذا الاجتماع؟
- في الحقيقة، وحتى يومنا هذا، الإيجابي الوحيد هي الروح التي سادت ذلك الاجتماع من حيث أريحية السادة النواب، والحوار كان يسير بشكل جيد، ولم تحدث مشادات.. كان نقاشا أخويا إيجابيا وبناء.. تفاءلنا تفاؤلا كبيرا من الوضع الذي كان سائدا خلال أول جلسة للحوار، ولم تقم حتى الآن أي جلسة أخرى باستثناء الجلسة التي عقدت في طرابلس أثناء حضور السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة.. وهذه الأخيرة كانت جلسة قصيرة جدا، ولم يتم التطرق فيها لأي ملفات. وما وصلنا، وما ورد إلينا هنا، ما زال مجرد شعارات وتصريحات إعلامية فقط، ولم نصل إلى شيء ملموس بعد.
* كم نائبا من النواب الـ20 أو الـ25 كانوا موافقين على الدخول في الحوار؟
- الذين كانوا موجودين نحو 12 نائبا.. أي إن الذين حضروا جلسة حوار غدامس كانوا هم هذا العدد.
* هل كان من بينهم نواب من جماعة الإخوان المسلمين؟
- نعم..
* أثير في الفترة الأخيرة تعريف لـ«عملية الكرامة»، وللواء خليفة حفتر.. وبعض وسائل الإعلام تصر على أنه هو من يحارب المتطرفين، والبعض الآخر يقول إن من يحارب المتطرفين هو الجيش الوطني الليبي.. كيف للبرلمان أن يتدخل لحل هذه الإشكالية.. وكيف يوضح الصورة للآخرين بهذا الشأن؟
- لا شك أن القوات الموجودة على الأرض هي قوات الجيش الوطني الليبي، ونسبتها من خلال وسائل الإعلام إلى اللواء حفتر وتسميتها بـ«قوات حفتر»، هي مغالطة كبيرة جدا. لا شك أن السيد اللواء حفتر فعلا هو في مقدمة الداعين لمحاربة الإرهاب والتطرف في البلاد، وبدأها بالعملية التي عرفت باسم «عملية الكرامة»، وذلك من خلال أفراد الجيش الليبي الذين تنادوا للثأر أو استرداد كرامة الجيش التي انتهكت على يد المتطرفين الذي قاموا بعمليات اغتيال لضباط وضباط صف وجنود تجاوز عددها 500 عملية اغتيال. وهنا تنادى هؤلاء الضباط لاسترداد الكرامة لمواجهة المتطرفين. وكان لسان حالهم يقول: «نحن ميتون.. ميتون، فلنمت في الميدان أشرف من أن نموت على الفراش أو نموت بدم بارد على أيدي المتطرفين». وبالتالي انطلقت المواجهات، وتنادى الشرفاء من الجيش الليبي، وبدأت المعركة بقيادة حفتر بحكم أن أغلب الضباط مغمورون، ولا يعرفهم أحد بشكل جيد، وكذلك الجنود، بينما الشخصية التي كانت معروفة لدى العامة، ولدى العالم، هي شخصية السيد حفتر، وبالتالي أصبح هو الاسم البارز الذي يجري ترديده وتداوله عبر وسائل الإعلام، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه هي قوات الجيش الليبي النظامي، وجميع عناصر هذا الجيش يحملون أرقاما عسكرية.
* هناك كثير من التقارير الغربية وحتى بيانات رسمية غربية تعكس مساواة تلك الدول في خطاباتها وبياناتها بين الجيش الوطني والبرلمان من جانب، والميليشيات المسلحة من جانب آخر.. هل تشعرون بالغضب من مثل هذه التسمية وهذه المساواة؟
- بالطبع نشعر بالغضب.. وبكل تأكيد نحن نستاء جدا من وضع الجسم الشرعي (البرلمان والجيش الوطني) في الكفة نفسها مع الميليشيات التي جرى تصنيف أغلبها على أنها إرهابية. وهذه المساواة هي مساواة بعيدة جدا عن الواقع، وعزونا ذلك إلى جهل هؤلاء الذين يتبنون مثل هذا الكلام عن الوضع الليبي وعن الأمور الحقيقية في ليبيا وحقيقة الصراع الدائر. ولا شك أن من يريد مساندة ليبيا، فعليه أن يسمي الأمور أسمائها، وأن يكون حذرا جدا في تصريحاته وفي مصطلحاته التي يتحدث بها. وهناك من يحاول أن يظهر مجلس النواب على أنه يخضع لسيطرة تيار معين، بينما الحقيقة أن أغلب نواب البرلمان الآن هم مستقلون، وليس لهم توجه مسبق ولا انتماء مسبق، إلا المصلحة الوطنية والعمل على بناء مستقبل الدولة الليبية. كذلك كنا نود من المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه ليبيا، وما زلنا نأمل في ذلك، عن طريق دعم المؤسسات الشرعية في البلاد. وحتى الآن لم يجرِ دعم هذه المؤسسات (من قِبل المجتمع الدولي) إلا بالتصريحات، والتي نعدها مغازلة سياسية لا أكثر، مثل القول: «أنتم شرعيون، ومجلس النواب هو من يمثل ليبيا».. ولكن بالمقابل هناك التصريحات التي أشرت إليها بالتسوية بقولهم «الأطراف» ووضع الجانب الشرعي مع اللاشرعي في الكفة نفسها.

-الشرق الأوسط