سلط الكاتب والأديب الليبي إبراهيم النجمي الضوء على أدب القصة الليبية مؤكدا أنه وتحت عنوان السبيل إلى الأعمال الأدبية الليبية نقل إلى اللغة الانجليزية مجمل ما سطر الكتاب الليبيون في أدب القصة القصيرة.
وتحدث النجمي عبر صفحته بموقع "فيسبوك" عن "السيرة الجماعية لأدب القصة الليبية" "1928-2010" قائلا تحت عنوان " السبيل إلى الاعمال الادبية الليبية " نقلت إلى "اللسان الانجليزي مُجمل ما سطّره الكتاب الليبيون في أدب القصة القصيرة من 1928م ، التاريخ المتفق عليه في الأوساط الأدبية الليبية لظهور أول قصة ليبية قصيرة للدكتور وهبي البوري إلى 2010 م ثم أخترت باستشارة معظمهم ومساعدة مجايليهم ودارسيهم ما رأيناه يمثلهم من أعمال أو يكوّن لنا ولو شبه فكرة عامة عنهم مشفوعة بسيرهم الذاتية واصداراتهم بأغلفتها وعناوين مخطوطاتهم وهوامش لما ورد في اعمالهم من أسماء لمواقع ومدن وقري وأشخاص وأمثلة وأقوال وكذلك رأيت توزيع لوحات فنية تشيكلية ومناظر من بلادنا لكبار فنانينا، وبذلك بدا العمل أشبه ما يكون بعمل موسوعي . لكن ما شغلني وهمّني – فوق هذا كله – هو تركيزي البالغ علي تحقيق منهج وثيق الصلة بالترجمة بل لهو في تقديري روحها والتفكير في ضرورة انجازه على النحو المبتغى والمأمول وهو تجاوز المفهوم التقليدي الذي عادة ما يحصر وظيفة الترجمة في النقل إلى الحفاظ على حرمة اللسان وخصوصيته والنأي به عن أي تطويع أو تطبيع ، وجعله وكما هو سبيل عطاء وثراء واثراء، فالواقع أن لكل لسان خصوصيته التي يجب احترامها وتوظيفها في ما يطهّره ويزكّيه كما يتوجب تفهّم مسألة أنه سبيلنا إلى اللغة والتأكيد على أنها قيمة مشتركة بين العالمين، وليس لكل أمة أو جماعة لغة كما المٌتوارد بل لسان وهذا نطق به القرآن، والقول بغير هذا هو تكييف عمدي للغة وممارسة حجر عليها لان وجودها من خلال التحام لسان بآخر ، وليس من لسان واحد لا تأثير فيه أو عليه من هذا اللسان أو ذاك ، وإنها– أي اللغة – لتبدو بذلك أقرب أو أشبه ما تكون بقطار محطاته الألسن إن أيّ لسان في حيّزه أو نطاقه هو لغة وهي ستظل ناقصة ولربما صارت إلى نكوص واحتواء أو انقراض اذا ما أنطوت على نفسها أو عاشت بمعزل عن لسان غيرها".
وأضاف "بعض القصاصين بالكاد أخترت لهم نصوصا للترجمة وكدت أطبّق عليهم مقولة (بضاعتكم رُدّت اليكم ) ذلك أنهم لا يملكون من العربية غير حروفها ويكتبون الانجليزية بحروف عربية، أو يكتبون بعربية انجليزية ! لا تحس بأنهم عرب بل أجانب أو مستشرقون عرب".
وتابع النجمي (السبيل) "عمل انقطعت أنشره الكترونيا باللسانين بقصد افادة متعلمي وممتهني الترجمة من جهة وإستفادتي بأراء ذوي الدراية والخبرة من جهة أخري، وكانت تغمرني السعادة بينما أري كثيرين يعلنون لي اطلاعهم عليه وتتواصل معي معاهد وكليات لغات غير عربية فتختار نصوصا رأت تدريسها أو اطلاع طلابها عليها كما نلت منهم شهادات تقدير وشرف وانضممت الي هيئات تحرير بعض مجلاتهم الادبية ونشرت بها اشعار لشعراء ليبيين، والجميل أن بعض من الكتاب العرب أبدوا استعدادهم لحذو حذو (السبيل) حفظا لادب بلدانهم والتعريف به داخلها وخارجها ما ذكرني بما عملت في سِنيّ المُبكرة حين تقفّيت خطي الاوائل من مؤسسينا كمنير البعلبكي اللبناني وأحمد زكي المصري ، الأول الذي غطت تراجمه وقواميسه دنيا العرب وصار ذِكْره علي كل لسان والثاني الذي أسس مجلة العربي الشهيرة فصيّرها لكل العرب حين أفرد لكل قطر بابا من أبوابها".
وأضاف النجمي "مهمة ليست بالسهلة في بلد كبلدي توالت عليه الحروب فسلبته خيراته وفرّقت بين أخوته وأخّرته وحرمته من الاستقرار وما أبقت لنا من تاريخه وآثاره وأدبه وتراثه إلا لماما كذخائر الدكتور " عبدالله مليطان" المٌدونة والموثقة لأدب الليبيين والتي أعتمدتها كمصدر رئيس لي وأضفت اليها ما أضفت من ضائع أو مٌستجد".
وأردف النجمي "(السبيل الي الاعمال الادبية الليبية) عنوان لم أشأ تسميته بغير ذلك، لم أستسغ دعوته (أعمال كاملة) بل فضّلته هكذا عسي ان يكون سبيلا لكل مَن ألتمس في نفسه القدرة علي السير فيه لاستكمال ما قد لا أتمكّن من استكماله ، والحق اني فكّرت طويلا بينما أقف عند مسألة البداية ورأيت أن تكون بالقصة ، قصيرة كانت أم طويلة أو عريضة ثم تليها بقية فنون الادب الأخري المعروفة ، على أني ما أرتضيت أن تكون البداية بالقصة القصيرة إلا مجاراة وزدت ملحقا بها ما أسموه (القصة القصيرة جدا) و(الومضة) معتبرهما من جنسها وتسميتهما سابقتان لأوانهما كونهما لم يتخلقا بعد وشأنهما شأن أي مصطلح يقترحه الاوروبيون فيمرره مريدوهم وخدمهم لنا ونبتلعه كطعم ك " العولمة " وما سواها من مصطلحات نفعيّة استهلاكية ، ثم رأيت في ما بعد ضرورة توسيع المشروع بإحلال (الابداعية) مكان (الادبية) فصار (السبيل الي الاعمال الابداعية الليبية) علي اعتبار أن ثمة ابداعات أخري ذات صلة وثيقة بالأدب كالفنون المهنية والتشكيلية والتراثية وغيرها".
وتابع النجمي "أن أدب القصة الذي أودعناه في (السبيل) شمل عدد 200 مائتي كاتب من مختلف الأجيال والمستويات، وضمّناهم 14 أربعة عشرة دراسة أدبية تحليلية مصوّرة لعرب وأجانب عن الأدب الليبي عامة والقصة خاصة، لكن – وللحق – ان الدراسات جميعها ما كانت بذاك المستوي المطلوب اذ بدا بعضها غير موضوعي ومتشابه أو منقول وهو أمر مردّه برأينا الي عدم وجود الدّارس المؤهل أو الناقد المنهجي الذي يتناصّ مع العمل ويتعمّق فيه ولا يني يحلل ويقارن ويبرز ظواهره وبواطنه، ولان النقد الحق منهج وممارسة و اطلاع دائم وانشغال بالبحث عن الجديد والمتجدد فلقد لمست ألا شيء – فعليا- لدينا من ذلك اللهم إلا بعض محاولات لا تعدو أن تكون انطباعات أو وجهات نظر شخصية أكثر منها دراسات واثقة وجادة ، ومن الواضح أن أصحابها غير باحثين ومطلعين ولعلهم لا يدرون أو يعلمون ولو بنسبة بسيطة بالمائة من الكتاب ال 200 وكنت في كل مرة أناقش بعضهم في أمر كهذا أجدهم يعزونه الي تقصير ما دعوه بجهات عامة أو حكومية في تكوين مؤسسات ومراكز بحثية وعدم تفريغها لباحثين ودّارسين وتوفير المال اللازم لهم ، لكن الامر – واقعيا – لا يبدو كذلك فالجهات لم تقصّر في دعم الثقافة بل وأنشأت حتي قصورا لها رغم عيش مواطنيها في العراء والمقابر وعليه فالمشكلة في من هم علي رأسها والذين – غالبا – ما يكونون موظفين مختارين ، مبرمجين ومؤتمرين بأمر الدولة وسياستها ومهمتهم توجيه حواس المواطن جميعها لها وتعويده على تمجيد حاكمها حتى في احلامه، وبذلك فلا خيار أمام الباحث سوي القبول بما يريدونه أو مغادرة ساحتهم وأنا – من جهتي - لم أقبل لا بهذا ولا ذاك فلقد كان عليّ أن أضغط على عواطفي، وأعمل في صمت ، وأقول كما قال عمر المختار لما قال له (غرتسياني) (لِمَ تقاتلنا ونحن أكثر منك عدة وعتاد ا)(أعرف ، وانما أؤدي واجبي) وأنا كذلك – وباختلاف التفاصيل – أعرف ، وأعرف اني أعمل وحسب من منطلقين اثنين مباركين هما (وقل اعملوا- التوبة )5 " و (عليكم أنفسكم – المائدة 105)".
وزاد النجمي "كثيرون يستغربون لعدد كتاب كبير كهذا لا يتوفر حتي ربعه في بلد كبريطانيا، لكن لا غرابة في ذلك فلعل الرقم كان أكبر في فترات بعيدة سابقة لم يشهد الليبي فيها بعدٌ ظهور المرحلة الصناعية ويتوجه فعليا الي الانتاج ، وهذا ما يقول به واقع تاريخ أمم وجماعات كثيرة اذ نراها كلما قلّ أو أصاب انتاجها وهن تعاظم تفكيرها وساد، وكما هو وضع الانسان الافريقي الذي كان طوله في ازدياد بملاحقة ثمار أشجاره العالية ثم ما لبث أن أخذ في التناقص ما ان غزاه الاوروبيون وقطعوها فخشّبوها ! وبأي حال فان عدد مائتي كاتب في بلد لا يتجاوز سكانه الستة ملايين يعتبر رقما قياسا لربما وضعهم على رأس قائمة كتاب وأدباء العالم".
وأضاف النجمي "ان الكتاب الليبيين والقصاصين بوجه خاص لهم وضعهم الادبي المختلف بل المتميز عن غيرهم من كتاب العرب ، وهذا ما يمكننا لمسه من خلال متابعتي لنصوصهم التي سأتناولها – باذن الله- بالدراسة ولا أقول النقدية ، بل التحليلية التفسيرية تحت عنوان (السيرة الجماعية لادب القصة الليبية) وهي مبادرة رأيت اضافتها الي مبادرة الترجمة وحرصت فيها على تناول ذات النصوص المترجمة بحيث يتوفر النصان العربي والانجليزي لدي لطلاب هواة وتعلّم الالسن وذوي البحث والدراسة ، وأكون بذلك لبّيت أو أستجبت لرغبة مٌطالبيّ بنشر النّصين معا فوسّمتهما بتقصّيات تناصّية وشروحات تفصيليّة تحليليّة".
وتابع "ان اختياري لعنوان (السيرة الجماعية لأدب القصة الليبية) انما هو نابع من سيرة الليبيين أنفسهم ، طرق عيشهم ، سلوكياتهم ، ثقافتهم وفنونهم وتراثهم ، ولم أجد ما أدعو به أدبهم وأنا أعاينه وأتقصّاه وأتقفّاه الا بأدب (ضِمني) أي منهم واليهم وليس تعبيريا بل فاعل ومؤكد و كذلك (وئاميّ) كونه موائم وليس بمخاصم أي خلو من الصراعات وان وجدت فهي بمعني الوئام وليس الخصام . انه أدب جماعي وله خصوصية لا أحد بمستطاعه ادراكها دون الالمام بتاريخ أهله ، ولعل تجاهل معظم دارسي وباحثي العرب لهو ناتج عن عدم الالمام به ومعرفة طبيعته ، وهذا وان بدا مؤسفا على نحو ما لما فيه من اقتطاع وسلخ لفكر عن أدب وفكر أمته الا أنه كان في صالحه كونه ظل في مأمن من تأثيرات مناهج واديولوجيات مستوردة لم تعد تصلح حتي باهلها عملوا على التدليل بها في أسواق فكر وأدب العرب وبيعها بأبخس الاثمان . ان أدب الليبيين ليس مسقطا به من السماء لكنه يقف علي أرض غير أرض الآخرين ، كيف ولماذا ، هذا ما سنعرفه جميعا من خلال هذه السيرة الجماعية التي أعمل علي دراستها هنا من خلال أعظم أعمال القصص الابداعية ، وعلى أية حال فحسبي اني بعض منها وليس عليّ أن أري اليها بعين ناقدة أو أتحرّي عليها وأتابعها كرجل مخابرات فأنا لا أؤمن بالنقد الا في المصارف وأقضل احلاله وإبداله ب (المواءمة) ولنا ان شئنا اعتماده كمصطلح نعمل علي تقنينه وتأكيده من واقع ما تزخر به ثقافتنا العربيه من ذحائر نادره وعظيمة، ومن منطلق هذا فحسب ستجدونني في هذه الدراسة مُتناصا مع الاعمال جميعها ومنطلقا في عملية مؤائمية قوامها تعزيز الثقة في السيرة والتأكيد عليها".