دعا الكاتب الليبي إبراهيم النجمي الكتاب ودارسي سيرة الأدب الليبي لإعداد ورقات بحثية والمشاركة بها ضمن مشروع إبداعي للترجمة يحمل جزئه الأول عنوان (الأدب الليبي من أين والي أين).

وقال النجمي في تدوينة له بموقع "فيسبوك" في اطار مشروعنا الإبداعي للترجمة (السبيل إلى الأعمال الأدبية الابداعية الليبية) المتضمن جزؤه الأول إبداعات أكثر من 200 قاصّ ليبي من مختلف الأجيال عن الفترة من 1928 الي 2010 ومشفوع ب 15 دراسة أدبية نقدية تحليلية مصوّرة لكوكبة من نقاد عرب وأجانب، عليه فإننا نوجّه دعوة خاصة لمجاليّ الكتاب ودارسيّ سيرة الأدب الليبي قديمه وحديثه لإعداد وريقات بحثية للمشاركة بها تحت عنوان (الأدب الليبي من أين والي أين)".

وأضاف النجمي "سنتولي ترجمة وتضمين كل المشاركات للدراسات ال 15الأدبية النقدية المذكورة مع الاحتفاظ لأصحابها بحق تأليفها ونشرها وفق القوانين واللوائح المعمول بها في التأليف والنشر والتوزيع الليبي" مضيفا "ونحن على استعداد لتوفير ما يحتاجه الباحث من مراجع ونصوص لدعم مشاركته كما في هذه المشاركة التي تقدّم بها مبدعنا الكبير (خليفة التليسي) رحمه الله عليه في فترة الستينات في احدي الملتقات الأدبية العربية ، والتي قمنا بترجمتها وتضمينها لما فيها من فوائد جمة ولا بد أنها ستكون ذات فائدة لكل من رغب في الكتابة عن الحياة الأدبية في ليبيا وعن القصّ بشكل خاص".

ولفت إلى أن المشاركات تبعث عن طريق : [email protected].

واقتبس النجمي بعضا من كتابات الأديب والمؤرخ الليبي خليفة التليسي والتي تضمنت "لمحة من الحياة الأدبية في ليبيا" قائلا "ظلت ليبيا حتى أواخر القرن السابع عشر تعيش منعزلة عن كافة التيارات الأدبية والفكرية التي أخذت تظهر في العالم الاسلامى تمهد للنهضة الحديثة وكانت الحياة الثقافية تتمثل في بعض المعاهد الدينية والزوايا التي قامت بدور كبير في المحافظة إلى الشخصية العربية والإسلامية لهذه البلاد وقد كان للمراكز الثقافية التي نشأت مع الحركة السنوسية والمعاهد الدينية التي كانت قائمة بطرابلس وزليطن ومصراته وغيرها أثرها البعيد في الإبقاء على عناصر ومنوعات الثقافة العربية والإسلامية ورغم إن ليبيا بحكم موقعها الجغرافي وواقعها التاريخي لم تكن منعزلة عن الشرق والغرب وعن أوروبا إذ شهدت موانيها حركة واسعة وكانت مدنها مراكز ومحطات تجارية هامة ولعبت بتحريها دورا هاما في صراع دول البحر المتوسط وكان هناك اتصال واحتكاك مستمر بأوروبا في العهد العثماني الأول والعهد القرمانلي والعهد العثماني الثاني وقد كانت هذه العلاقة مطبوعة بطابع المواجهة والتحدي والوقوف في وجه الاتجاهات الطلبة ثم أتسمت في العهد الأخير أي العهد العثماني الثاني بطابع الحذر والانطلاق والخوف السلبي وقد ظلت هذه العلاقة تسير في إطارها الحربي والتجاري ولم يكن من الأثر الثقافي ما تحقق لذلك الاتصال الذي قام بين مصر وأوروبا عقب حملة نابليون التي يعتبرها مؤرخو العصر الحديث, نقطة الانطلاق في النهضة الحديثة ولقد كان الحكم القائم في ليبيا حينذاك علي صلة بهذه الحملة وقائدها,وكانت ليوسف باشا القره مانلي ظلت معروفة بنابليون كما قدم عدت تسهيلات لإنجاح حملته ولكن هذه العلاقة ظلت في حدود المطالع السياسية والاستفادة من الصراع القائم في المنطقة بين فرنسا وانجلترا ولم يتحول ذلك إلي التأثير الثقافي فقد كان نشاط البحرية قد استغرق كل اهتمام الحكم القائم".

وأضاف "امتدت هذه الظروف فشملت العهد العثماني الثاني الذي كان يمثل سلسلة متعاقبة من الولاة الذين لم يصنعوا شيئا من أجل تقدم البلاد ولم يكن يتوقع منهم أن يصنعوا شيئا إذا كانت الإمبراطورية العثمانية تمر بلحظات احتضارها وكانت القوى الكبرى حينذاك تآمر عليها وصورة هذا العهد تتم الصورة التي استقرت في أذهان المؤرخين للعهد العثماني الأول".

وتابع "إن استعراض الأوضاع السياسية في هذا العهد وأنماط الولاة والدايات الذين تعاقبوا على الحكم يقدم الدليل الحاسم على ضعف الحياة الثقافية فقد كانوا من المغامرين أو من الرجال المشغولين بشئون الحرب والبحرية ولم يكن للعلم عندهم مكان كما إن أكثرهم لم ينحدر من أصول إسلامية عريقة ولكنهم كانوا من العناصر الطارئة على الإسلام أو من ( العلج ) كما كانوا يسمون حينذاك وفي مثل هذا الوسط لم يكن لينظر للثقافة العربية الإسلامية أن تزدهر وللحياة الأدبية أن تقوم".

وأضاف "ومنذ تلك العصور حمل الأدب الشعبي راية التعبير عن شخصية المواطن الأصيل لقد شاركت ليبيا مشاركة واضحة في الصراع الذي قام حول البحر الأبيض المتوسط وكان لها دور بأرز في نطاق البحرية الإسلامية في الشمال الأفريقي وقد استمرت تؤدى هذا الدور منذ أوائل القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر جنبا إلى جنب مع شقيقاتها تونس والجزائر والمغرب التي كانت تتصدى لحملات الأسبان والبرتغال وقرصان مالطا حتى انتهت هذه المواجهة لسقوط دول الشمال الإفريقي الواحدة بعد الأخرى في قبضة الاستعمار وهكذا يتضح لنا إن هذه البلدان قد واجهت منذ انحسار المد الاسلامى بعد الأندلس مصيرا واحدا ونهضت بمسؤولية واحدة في الدفاع عن الوجود بالاسلامى قد كان من نتائج هذا الموقف إن واجهت فيما بعد تخطيطا واحدا يرمى إلى السيطرة على هذه المنطقة وهو التخطيط الذي نجح الاستعمار في تحقيقه وبات واضحا لدى الناس منذ سقوط الجزائر المصير الذي ينتظر بقية البلدان المجاورة وقد أدي ذلك إلي أن تواجه هذه البلدان ظروفا متشابهه في المخططات التي مارسها الاستعمار وفي مناهجه".


وأردف "على الذين يدرسون تاريخ الاستعمار الحديث في هذه المنطقة أن يعودوا به إلى أصوله التي تمتد إلى الفترة التي خرج فيها المسلمون من الأندلس ورغم انه لن يتيسر لنا تحديد الملامح الثقافية العامة لهذه الفترة تحديدا تاما إلا بتوفر كافة الوثائق منها إلا انه من الثابت إن الحركة الثقافية كانت مختلفة ومحدودة وتمثلت في ذلك الإطار التقليدي كما كانت أكثر ارتباطا في ملامحها العامة بالطبع الثقافي العام الذي انتشر وساد في المغرب العربي فلم يخرج عن دائرة الفكر الفقهي الصوفي بدل علي ذلك ما كان يظفر به المتصوفون من مكانة لدى الولاة وحظوة في المجتمع وقد لاحظ الدارسون أن الطابع العام الذي يميز الحيلة الفكرية في المغرب العربي منذ الفتح الاسلامى سيطرة النزعة الفقهية التصوفية عليه فلم ينجب المغرب شاعرا يرتقى إلي مستوى الشعراء العظام الذين أنجتهم البيئة الأدبية في المشرق وفي مختلف العصور".

وتابع "بدأت ملامح النهضة الفكرية الأدبية في ليبيا تظهر في أواخر العهد العثماني وقد اشتركت في صنعها والتمهيد لها عدة عوامل منها الإصلاحات المحدودة التي ادخلها بعض الولاة وقيام بعض العقبات الأدبية في المدن وحول مراكز الدعوة السنوسية وتأثر البلاد وتفاعلها بحركة النهضة في الشرق العربي وشعورها بالأخطار التي كانت تهددها من وراء الصراع الدولي للسيطرة عليها وقد شهدت البلاد في هذه المرحلة نهضة أدبية تمثلت في ازدهار الدراسات التقليدية وصدور عدد من الصحف وظهور اتجاهات أدبية تتفاعل وتتجاوب مع الحركات الأدبية التي أخذت تنشأ في الشرق وأصبحنا نعثر على صدى الحوادث الكبرى التي كانت تهز الإمبراطورية العثمانية فيما كان يكتب وينشر في ذلك الوقت وبدأ التحدي الأستعمارى يثير شيئا من الاحتكاك واليقظة يندفع إلى الدعوة إلى الاستعداد والتحفز والأخذ بأسباب النهضة والتقدم وكانت النهضة في الشرق العربي قد أخذت تسير بخطوات ثابتة وقد كان لنتائجها تأثير واضح في ربط الصلات بالتراث القديم وظهور بعض الاتجاهات الجديدة في الشعر الذي يقدم إلينا في هذه الفترة أبرز شخصياته التي دخلت تاريخنا الأدبي".

وقال "كان من الممكن لهذه الحركة التي أخذت تنشأ في المدن وحول المراكز الثقافية الدينية المختلفة أن تؤدي إلى قيام بيئة أدبية مزدهرة متطورة لولا أن الاستعمار كان على الأبواب وقد كان اللون الأدبي الغالب على هذه المرحلة كما هو الشأن في كافة البلدان العربية هو الشعر والدراسات اللغوية والدينية وهكذا نرى إن رحلة الشعر عندنا قد انطلقت من ظلال الزاوية والمعهد الديني وحملت إلينا أثرا واضحا من هذه البيئة تجلي في النزعة الصوفية والاتجاه إلي الحكمة والوعظ ولكن صوت التجديد لم يلبث أن هز هذا الشعر هزة خفيفة ونبهه إلي الاهتمام بالقضايا المعاصرة له فارتبط بالتيارات والقضايا السياسية السائدة وحمل التعبير عن النزعة العثمانية واهتم بقضايا الدستور والحريات العامة والدفاع الوطني ورغم هذا الجهد الذي بذله هذا الشعر لتأكيد ذاته والخروج من دائرته القديمة فقد ظل بعيدا عن الوجدان الشعبي الذي وجد في شعره مايغنيه وما يعبر عن تجاربه بصدق وإخلاص في هذه المرحلة نلتقي بملامح المدرسة التقليدية الحديثة في الشعر بكل ارتباطاتها بالإحداث العامة وصياغتها التقريرية وفهمها المحدد للتجديد وكانت هذه مرحلة هامة".

وأردف "قبل هذه المرحلة لم يكن للشر تاريخ في بلادنا وقد كنا نقف ضد الأبيات الممددة التي نعثر عليها في كتب الأدب القديم نسوبة إلى بعض الشعراء الليبية كما يقف الباحث عن الآثار عند صخرة صغيرة أو عمود نقوش ليستل منه على وجود النصر كبيرا والقلعة المنبعة أو المدينة العامرة في ذلك المكان ونلاحظ إن الإحساس بالكيان الوطني قد بدا يظهر في هذه المرحلة بظهور الاتجاهات الوطنية والدعوات القومية وكان من الممكن أن يتطور هذا الشعر واجهاته ليبني ما انتهي إليه على يد شوقي حافظ ومطران والرصافي والزهادي وبشارة الخوري ولكن الاستعمار اخذ ينسخ خيوط المؤامرة ويعد العدة للغزو فانصرف الناس عن الاهتمام بالأدب والحركة الأدبية إلي الاستعداد لمواجهة الخطر الداهم وجاء الاستعمار فاخمد كل صمت وطني واستفاد الاستعمار الايطالي من التجربة الفرنسية في الشمال الإفريقي فحمل معه إلى جانب غزوه الحربي خطة سياسية تقدم علي الإحاطة التامة بالأوضاع الاجتماعية والثقافية وانشأ المراكز للدراسات الاستعمارية لرسم الخطة التي سيسلكها في تعامله مع المواطنين وانتهت به إلي وضع برنامج محدد يقوم علي العناصر التالية التي تصادفنا في خطط الاستعمار الفرنسي القضاء علي العنصر الوطني قطع أصلات بينه وبين ماضيه الحضاري طمس المعالم الشخصية الوطنية محاربة اللغة العربية والثقافة العربية. لقد بذل هذا الاستعمار أمر صراعه مع القوى الوطنية سيطول ويمتد وانه لن ينهي عند حدود الانتصارات العربية وانه سيواجه مقاومة ضارية تتقدم علي الاعتزاز بالمُثل والتقاليد التي تحفل بها الحضارة الإسلامية وان الاستمرار الصلب لهذه القيم من شأنه إن يشعل في النفوس شعلة الصمود والمقاومة والنضال المستمر".

وأضاف "كانت أولي العناصر في هذه الخطة تقوم علي عزل المواطن عن كافة أسباب الثقافة والتعليم ولقد أقام الاستعمار الايطالي بليبيا اثنين وثلاثين سنة خرج بعدها دون أن يخلف أية قاعدة ثقافية ومنذ انزل الأسطول الايطالي إلي الشواطئ الليبية في5أكتوبر 1911 إلي أن اصدر بادوليو منشوره المشهور بإعدام عمر المختار بانتهاء حركة المقاومة الوطنية سنة 1931ترك الشعب كلمته للسيف وقصائده للمعارك وصاحب الشعر الشعبي جميع هذه المعارك وظل هو اللون الذي يسيطر علي الموقف ويعبر عن هموم المواطن بصدق وحرارة ليحمل معاناته ونظرته للحياة ويعبر عن جهاده وصدق بسالته. لقد صاحبه هذا الأدب بمعارك في معاركه في سجونه في معتقلاته في تشرده في مهاجره وفي هذا الشعر تنعكس الصورة الصحيحة لهذه الفترة بكل ما رافقها من كفاح ونضال واستبسال أما الشعر الفصيح فكان إلي جانبه متخلفا تخلفا شائنا لا يحمل أية خلجة من خلجات الوجدان ، كان واعظا بارزا وناظما سخيفا ذا حكمة باردة: فإذا قارنا شعر هذه الفترة بما توفر لنا من إنتاج معاصريهم من الأدباء الشعبيين الذين عاشوا في لهيب المعارك أدركنا الفرق بين الشعر الذي تمرّس بالنضال وعاني تجربة الكفاح وأدرك مستوي رفيعا من الصدق فلم يعد يحجبه عن الوجدان شيئا وبين الشعر الذي لم تساعده الظروف علي التطور فقتلت فيه تلك الروح التي أخذت تظهر في بعض القصائد إبان المراحل الأولى من الكفاح وقبل استقرار الأوضاع للمستعمرين . وهكذا تبدأ مع التحرير مرحلة جديدة في رحلة الأدب الليبي ويبرز من جديد اللون الوحيد وهو الشعر ليسهم في معركة التحرر والاستقلال ويرفع شعارات ويرتبط كل الارتباط بالإحداث الهامة والقضايا السياسية ويلتزم بها التزاما قويا يكاد ينفصل عنها إلي الأغراض الشعرية الأخرى وكانت المدرسة التقليدية الحديثة قد تأصلت وتكامل تكوين شعرائها وحمل كل واحد منهم تجربة طويلة المعاناة الشعرية علي أن ما يميز هذه الفترة من تاريخ تجربتنا الأدبية هو فك الحصار الثقافي والاتصال بالتيارات والاتجاهات الأدبية في الشرق والغرب فقد انفتحت الأبواب والنوافذ وأمكن للجيل الجديد الذي نشا بعد الحرب العالمية الثانية أن يقيم جسوره الأولي للاتصال بالحركة الأدبية في البلدان العربية وقد تميزت هذه الفترة بالإقبال الشديد علي التكوين الثقافي والاستفادة من إنتاج أعلام الأدباء في المشرق العربي وقد كان ذلك من العوامل الرئيسية في تكوين النهضة الأدبية الحديثة".

وزاد "كان الشباب أكثر استجابة إلي الدعوات التجديدية وانفتح السوق أمام الكتاب العربي الذي كان في الماضي يُهرّب تهريبا وانتشرت المجلات الأدبية التي كانت تحمل إلي القارئ ثمرات العقول العربية والأجنبية واطلع علي ألوان حديثة من الأدب لم يألفها من قبل واشتدت صلته بالأدب المهجري والأعمال الأدبية المترجمة وقد برزت إلي جانب الشعر في هذه المرحلة الأدبية والاجتماعية والسياسية وقد كان للبعثات العلمية التي عادت مع بداية الاستقلال أثرها الواضح في تجديد الحياة الأدبية ومدها بأسباب جديدة للحياة والصراع الفكري وعرف الوسط الثقافي صراعا بين مختلف الاتجاهات والتيارات وكانت المناقشات حول القضايا الأدبية الهامة هل الفن للفن؟أم الفن للحياة؟ ومن المهم إن نلاحظ ونحن ندرس ونستعرض تجربتنا الفكرية إن الذين ساهموا في التمهيد لهذه المرحلة لم تتوفر لهم من ظروف العلم ما توفر للأجيال الحديثة الناشئة في هذه السنوات الأخيرة التي توفرت لها كافة الفرص للتكوين الثقافي علي أعلي المستويات الثقافية المحلية والخارجية وإنما كانت فئة مخلصة حملت في نفسها الشوق إلي المعرفة والثقافة والرغبة في بناء الشخصية الأدبية لليبيا فانصرفت إلي إقامة الصلات الفكرية في العالم العربي وقد وجد بعضهم طريقة مباشرة إلي بعض الآداب الأجنبية ويمثل بعضهم الأخر بعمق التجارب الأدبية المنقولة إلي اللغة العربية والتقي هؤلاء الشباب بإعلام القصة والمسرح والفن والشعر من الكتاب العالميين وقد وقع هذا الجيل في البداية تحت تأثير الاتجاهات الرومانسية التي أحيتها في وجدانهم وأرائهم كمجدولين والفضيلة للمنفلوطي والآم فرويد ورفائيل للزيات ولكنه لم يلبث أن تحرر من ذلك وأحاط بألوان جديدة أخري من الأدب الواقعي الجديد والأدب الوجودي . كان هذا الجيل كالجائع الذي تهافت علي المائدة الشهية فلا يعرف ما يختار منها , أما في الشعر فقد أنعكس الصراع بين قديمه وحديثه والتفاف الشباب إلي الاتجاهات الشعرية السائدة ، وكانت السيادة في البداية كما سبقت الإشارة للتيار التقليدي الذي نلتقي في إطاره بأسماء كبيرة من أبرزها الشارف ورفيق وقنابة والفقيه حسن والهوني وميلود مبارك . كان هذا الشعر يبحث عن أمثلة في تلك القصائد التي قدمها حافظ وشوقي والرصافي والزهاوي بمقدار ما أرتبط هذا الشعر في بعض الأحيان بالمدارس التقليدية الحديثة نجده قد تأثر بالدعوات النقدية التي قامت حولها والتي أوجدت في ما بعد اتجاهات جديدة كان لها صدي في وجدان الجيل التالي من الشعراء الذين ارتبطوا بمدرسة " أبولو " و " المهجر " ومدارس الواقعية الجديدة , وتنعكس هذه المرحلة بكل تجربتها بين مختلف الاتجاهات في إنتاج بعض الشعراء الذين بدؤوا تجربتهم الشعرية بالطريقة التقليدية ثم أخذوا يقتفون أثر المدارس الوجدانية فانعطفوا علي دورانهم ووجدانهم ورفعوا أحيانا أشرعتهم ليجوبوا البحار والبقاع التي جابها الملاّح التائه , وأطلت علينا التجربة الجديدة وأختصر بعض الشباب الطريق إليها اقتصارا فلم يقطعوا الرحلة التي قطعها رواده انطلاقا من القديم والعصر عصر سرعة ولماذا يمر الشاعر بنفس التجربة التي مرّ بها " البياتي " و" السيّاب " و " عبدا لصبور " و " الحجازي " فالشاعر الحديث عندنا يسير في هذه الطريق يفلح حينا في التعبير عن ذاته والقضايا التي تشغل أمته ويستوحي في بعض الأحيان لبنات أخري ويستلهم قراراته أكثر مما أستلهم تجربته ويعيش في بعض الأحيان في رمزية ميتة لتوجهات مفصولة عن وجداننا وكان علي النقد أن يذكر بأن هذه التجربة ما تزال في حاجة إلي المعاناة العميقة إلي التصرّف وان شاعرها ما يزال في حاجة إلي أن يقطع أشواطا طويلة حتي يؤكد ذاته فلا نريد للشاعر أن يكون صدي لبعض التجارب العالمية ولا نريد لشعره أن يكون انعكاسا لأزمات خارجية فان ذلك يزيد في انفصاله عن الجماهير . هو في حاجة إلي الأصالة التي تنبع من الشعور القوي بشخصية الأمة , نريد الشاعر الذي يتخذ من تعبيره عن ضمير أمته ولونها الخاص وسيلة يعرض بها نفسه علي الوجدان الإنساني".

وتابع "كان على النقد أن ينبّه أن الشعر الحديث بمعناه الصحيح أصعب من الشعر القديم وأن أستطاع الشاعر القديم أن ينصت بالرنين والتنغيم الموسيقيّ والبيئة المقفلة والحكمة المركّزة وتنوّع الأغراض في القصيدة الواحدة فان ذلك لا يتأتّي للشاعر الحديث الذي ينبغي أن ينفذ إلي الوجدان ويخاطبه بتجربة متكاملة حيّة , ومع ذلك فهي رحلة تستحق الاهتمام والمتابعة وان الدراسة لهذه الأعمال الجديدة فرصة كبيرة لتأدية دوره في بناء النهضة الأدبية وتعود منها بحصاد وافر".

واستطرد "أما القصة فتاريخها حديث في بلادنا ولكنها رغم هذا العمر القصير قد استطاعت أن تثبت وجودها وان تبلغ عند بعض الكتاب درجة من التفوّق والإبداع تضعها في مستوي ا عمال القصصية الناضجة التي يكتبها اللامعون من كتاب القصة في العالم العربي .. هذا اللون الأوليّ من التجارب الأدبية الحديثة في الشرق والغرب وقرأ كتاّبه الكثير مما وصل إلي أيديهم من إنتاج إعلام القصة العربية والعالمية وقد كان الطابع الذي يغلب علي المحاولات الأولي طابعا عاطفيا ذاتيا يقرب بها بين الاعتراف والحكاية والسيرة الذاتية وتسيطر فيها مشكلة المرأة سيطرة تكاد تكون تامة ولكن الزوايا لا تلبث أن تتسع والإحاطة بالواقع تزداد عمقا وتكتب المعالجة بعدا إنسانيا باحتضانها لمختلف النماذج البشرية التي يقدمها المجتمع كملامح مميّزة له تعطي لونه وطابعه علي أن ما يميّز بعض هذه الأعمال تلك النزعة الشعرية التي تسدي في أسلوبها وكيانها فتزيد من تعميق صلة القارئ بها ويبدو أن القصة في بلادنا ستشهد في المستقبل تفوّقا وظهورا علي كافة الألوان الأدبية اهتمام كتاب الشباب بها وانصرافهم إليها لما توفره من إمكانيات للتعبير عن القضايا التي تمتلئ بها نفوسهم وفي إطار الاتجاه الذين يؤمنون بأنه سيتكفّل بحل أزماتهم , وعندي إن الإنتاج القصصي الليبي يوفّر مادة صالحة للدراسة النقدية التي لا يتسع لها هذا العرض ونحن في انتظار أن تطل علينا في المستقبل . القصة الطويلة من خلال عمل تتوفر له كل عناصر الإبداع الفني وفي واقع هذه البلاد وتاريخها ما يقدم مادة يصوغ منها الفنان نعثر علي صورنا فيه وينقلها عنا الناس. أما البحث والدراسة فقد شوهد في الأعوام الأخيرة تطورا ملحوظا والحظ البار في مسيرة هذين اللوحتين هو اكتشاف ليبيا في ماضيها وحاضرها وتقييم ميدان الأدباء والأجداد وإحياء العناصر الصالحة فيه وتحليل ظروف التجربة الثقافية التي مرّت ببلادنا وربط الصلة بالتيارات الفكرية وأعلامها البارزين في العالم وتتوفر الآن كثير من الإمكانيات الطيبة علي هذا المجال وهو ما نراه من خلال جامعاتنا ومؤسستنا الثقافية بما قدمت ما تقدم من دراسات تساهم في الواقع الفكري قديمه وحديثه".