ألقت الأزمة السياسية الجديدة في ليبيا وانقسامها بين حكومتي الدبيبة و باشاغا بظلال ثقيلة على قطاع النفط، باعتباره الورقة الأولى التي تستخدم بين أطراف الصراع السياسي كلما احتدمت الخلافات بينهم كوسيلة للضغط وجلب المكاسب السياسية على طاولات التفاوض.
وبدأت الخلافات بشأن زيادة إنتاج النفط منذ بدء الحرب الروسية -الأوكرانية ففي حين أعرب صنع الله عن استعداد مؤسسة النفط لزيادة الإنتاج استجابة لدعوات أميركية وأوروبية، عارض وزير النفط محمد عون ذلك وقال إن الأمر صعب التحقق. ومع ذلك أعلنت الحكومة الإيطالية رسميًا موافقة ليبيا على رفع معدل ضخ الغاز عبر خط أنبوب "غرين ستريم"بهدف التقليل من الواردات الروسية.
وتعهد الدبيبة بالبقاء في منصبه في طرابلس على الرغم من قيام البرلمان بتعيين حكومة منافسة هذا الشهر، ويخشى محللون أن الأزمة قد تتفجر إلى قتال للسيطرة على الحكومة.
وقال الدبيبة أيضا في تغريدة إن ليبيا وضعت خططا سريعة لتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من زيادة معدلات الإنتاج في الأجلين القصير والمتوسط.
في السياق ذاته، قال سفير أميركا ومبعوثها الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إن "هذه الفترة هي الأسوأ لإيقاف ومنع إنتاج النفط الليبي، والوقت الحالي هو الأنسب لرفع الإنتاج، لكي يستفيد الليبيون من ارتفاع الأسعار وتصديره إلى الأسواق العالمية".
وأوضح نورلاند، في مقابلة صحافية، السبت، أن "الولايات المتحدة، إلى جانب مختلف شركائها بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر، تقترح آلية لإدارة عائدات النفط حتى يتم اتفاق بشأن القضايا السياسية الأوسع".
وبين السفير الأميركي طبيعة الآلية المقترحة من بلاده وشركائها قائلاً إنها "ستوزع فقط عائدات النفط على الرواتب والإعانات وإنتاج النفط والسلع المستوردة الرئيسة مثل الغذاء والدواء"، قائلاً إن "ذلك سيتم بشفافية ومساءلة كاملتين"، مضيفاً، "سيكون أصحاب المصلحة الليبيون هم من يقرر ما إذا كانوا سينفذون ذلك، لكنّ هناك أسباباً مقنعة للقادة لضمان ذهاب العائدات لصالح الشعب الليبي فقط".
من جانبه،بدأ رئيس المؤسسة الليبية للنفط مصطفى صنع الله، تنفيذ ما طلبه منه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بشأن تعليق مدفوعات عائدات النفط وتركها في حساب المؤسسة بالمصرف الليبي الخارجي.
ووفق تقرير نشره موقع "إفريقيا إنتلجنس" فإن ما بين 3 و4 مليارات دولار تراكمت بالفعل في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى البنك الذي احترم القرار، ولم يسمح بصرف هذه الأموال لأي جهة ليبية.
ويرى التقرير أن مؤسسة النفط بدأت، وبدعم ضمني من واشنطن، بقطع الإمدادات المالية عن حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها، والرافضة لتسليم السلطة لرئيس الحكومة الجديدة المنتخب من البرلمان فتحي باشاغا.
وتبدو الخطوة هدفها منع الحكومة السابقة من استغلال الأموال في إطالة أمد وجودها، وكذلك ألا يتصرف فيها البنك المركزي الذي يميل محافظه الصديق الكبير لتأييد بقاء الدبيبة.
وتسعى مؤسسة النفط منذ سنوات للحصول على المزيد من التمويل الحكومي لتعزيز إنتاج الطاقة وأغلقت لفترات وجيزة منشآت مختلفة على مدار الاثني عشر شهرا الماضية، مشيرة إلى قيود الميزانية وإغلاقات متكررة لحقول نفطية وخطوط أنابيب.
وتمر العلاقات بين حكومة الوحدة الوطنية وصنع الله بأزمة غير مسبوقة، وهو ما جعل وزير النفط والغاز محمد عون، يدعو الدبيبة لإعادة تشكيل مجلس الإدارة الحالي للمؤسسة الوطنية للنفط، نظراً لأن المجلس الحالي "تم تشكيله بصورة مخالفة للقوانين والتشريعات المنشأة للمؤسسة والمنظمة لأعمالها" وفق تقديره، واقترح تشكيل مجلس إدارة جديد للمؤسسة يتكون من 6 أعضاء برئاسة طاهر رمضان حمد القطعاني. واتهم الوزير الرئيس الحالي للمؤسسة مصطفى صنع الله بأنه "لا يستجيب لنا ولا يعتد كثيراً بما نطلبه منه"
إلى ذلك،يرى مراقبون أنه من الضروري الإستفادة من الظروف الحالية التي يشهدها العالم في تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة لليبيا إلا أن الفوضى في المؤسسات تقف حجر عثرة أمام إلتقاط اللحظة خاصة و أنه توظيف مقدرات البلاد في الصراعات السياسية أصبح سلوكًا متكرّرا منذ أكثر من عشر سنوات لذلك لا يمكن الحديث عن نهوض إقتصادي شامل دون إقامة عقد إجتماعي صلب بالتالي إرساء مؤسسات دولة مستقرّة.