دخل عامل النفط القوي مجدداً على مسار الأزمة السياسية في ليبيا، عندما أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، في 26 من أغسطس الماضي، حالة "القوة القاهرة" على جميع الحقول والموانئ، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط "حتى إشعار آخر"، بالتنسيق مع قيادة الجيش الوطني الليبي، وذلك رداً على تغيير رئيس محافظ المصرف المركزي والذي يعتبر منصبه "سياديًا" من قبل سلطات طرابلس.
ورقة النفط بحسب مراقبين لطالما كانت الحل الوحيد الذي تستخدمه بعض الأطراف للتأثير على مجريات الأحداث السياسية، وتبادل الأدوار التي تمارسها محتلف الأطراف للتلاعب السياسي الذي تنتهجه، والتي تدعمها قائمة طويلة من الدول الغربية المستفيدة من الإنقسام والفوضى التي تعم ليبيا.
ويرى مراقبون أن الإجراءات السياسية التي يتخذها معسكر الغرب الليبي، وخصوصًا المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة، أصبحت مبتذلة ومتكررة، فتارة يعتبر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، محافظ المصرف، حليفًا قويًا له، وتارة يدعم المجلس الرئاسي لإقالته من منصبه بشكل غير قانوني، وهذا دليل واضح على أن السياسة في طرابلس تسير وفقًا لأجندات، ولحساب مصالح شخصية.
ويرى محسوبون على المعسكر الشرقي، أن إعلان القوة القاهرة في الحقول النفطية ليس إلا رسالة واضحة ، نظرائهم في الغرب الليبي وداعميه من الدول الخارجية، مفادها أن الفساد السياسي والتلاعب بمقدرات البلاد له حدود وخطوط حمراء، وفي نهاية المطاف نحن من يتحكم بمصالحكم على الأرض وليس حكومة الدبيبة ولا غيرها من النخب السياسية في طرابلس.
ويرى آخرون أن إعلان القوة القاهرة حجم قرار المجلس الرئاسي في الإطاحة بمحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وألقى الضوء على تبعات هذه الخطوة الأحادية التي دعمته فيها حكومة الدبيبة فقط، الأمر الذي دفعه للمسارعة بالحديث عن الإنتخابات "المنسية" وتحديد موعد لإجرائها، لحفظ القليل من "ماء الوجه" .
وتجدر الإشارة إلى أن إطاحة المجلس الرئاسي بالصديق الكبير وتعيين محافظ آخر خلق أزمة جديدة تتعلق بقدرة المصرف المركزي على مباشرة مهماته، ووضع مصداقيته على المحك، وهو ما يفسر طلب المجلس الجديد للمصرف أرقام المرور السرية للتمكن من الولوج إلى أنظمة المصرف، بما فيها منظمة "سويفت"، من المحافظ المقال والذي غادر البلاد خشية على حياته.