بدأت حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي تتحرر تدريجيا من المربع الرمادي الذي دخلته بقرار من مجلس الشورى الذي اختار عدم دعم أي من المرشحين للاستحقاق الرئاسي، وذلك في تطور لافت من شأنه إعادة خلط الأوراق قبل نحو عشرة أيام من دخول البلاد في الصمت الانتخابي.

وقال مصدر مُقرب من المكتب التنفيذي لحركة النهضة في تصريحات نشرتها صحيفة ”العرب”، إن قيادة هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان، قررت الابتعاد عن الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، والقطع معه مؤقتا أثناء الدورة الأولى للاستحقاق الرئاسي المُقررة يوم 23 نوفمبر.

وأكد أن حركته وزعت تعميما داخليا على قواعدها “شددت فيه على عدم التصويت لصالح المرزوقي خلال الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية”، كما تضمن هذا التعميم الأول من نوعه منذ صدور قرار مجلس الشورى المُتعلق بالبقاء في مربع الحياد بالنسبة للاستحقاق الرئاسي، تأكيدا على ضرورة “الابتعاد عن أجواء الحملات الانتخابية للمرزوقي، إلى جانب عدم المشاركة في عمليات الاقتراع إن اقتضى الأمر ذلك”.

وأرجع هذا القرار إلى ما وصفه بـ”عنجهية مقيتة” أبداها المرزوقي خلال اجتماعه قبل ثلاثة أيام مع راشد الغنوشي، وإلى سعي النهضة إلى التأكيد على موقفها المُحايد حتى لا تخرج من اللعبة السياسية نهائيا أثناء المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة.

وبحسب مصادر متطابقة، فإن الغنوشي اجتمع قبل أيام قليلة مع المرزوقي بترتيب من السفير القطري لدى تونس الذي كثف من تحركاته مع الفاعلين السياسيين منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، منهم الباجي قائد السبسي.

وتصرف المرزوقي خلال الاجتماع بـ”فوقية وعنجهية”، وبلغة “استفزازية” تضمنت اتهامات للنهضة بـ”التخلي عن الثورة واستحقاقاتها”، والدخول في “مربع الثورة المضادة”، وصولا إلى التأكيد أنه ليس في حاجة لدعمها في مواجهة “الثورة المضادة” و”رموز العهد البائد”، لأنه سيعول على “الثوريين”، بحسب مصدر “العرب”.

غير أن مراقبين اعتبروا أن مثل هذا القرار كان مُتوقعا لعدة اعتبارات أولها أن حركة النهضة الإسلامية لم تعد تثق في المرزوقي، كما أنها تخشى ارتداد صلاته بعدد من الذين يُحسبون على التيار السلفي التكفيري عليها لجهة التشويش على الخطاب الجديد الذي تسعى إلى تسويقه تحت يافطة “الواقعية السياسية”، بالإضافة إلى جملة من العوامل الأخرى الداخلية والإقليمية.

وربط البعض هذا القرار الذي تصفه الأوساط السياسية المُقربة من حركة نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي المُرشح الأبرز للاستحقاق الرئاسي بـ”المناورة التكتيكية الجديدة”، بإشارات كان تلقاها راشد الغنوشي من الجزائر التي لا تُخفي عدم رضاها على المرزوقي.

وتبدو هذه المبررات معقولة، ولها ما يدعمها سياسيا في هذه المرحلة الدقيقة بالنظر إلى المأزق الذي وجدت حركة النهضة الإسلامية نفسها فيه بقرارها البقاء في المربــع الرمادي، وهو قرار اختلفــــت القراءات في تفسير أبعاده، بسبب الضبــاب الذي أحاط به.

ورغم المؤشرات الدالة على أن القرار المذكور بصيغته الأولى يخدم بالأساس المرشح منصف المرزوقي الذي يحظى بدعم بعض قواعد النهضة المحسوبة على جناح “الصقور”، فإن ذلك لم يمنع البعض من المرشحين للاستحقاق الرئاسي القول إنه لصالحهم، وخاصة منهم المرشح الهاشمي الحامدي رئيس “تيار المحبة” الذي رأى أن قرار النهضة يصب في مصلحته “لأن غالبية أنصار النهضة ليس لهم اختيار غيره”.

وفي المقابل، اعتبر المرشح مصطفى بن جعفر، الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، حليف النهضة سابقا، أنه “كان حريا بحركة النهضة أن تتخذ موقفا واضحا من الانتخابات الرئاسية”، مشيرا إلى أن الفرصة متاحة أمام التونسيين لتدارك الموقف والتصويت لفائدته، فيما لم يتردد سليم الرياحي مُرشح الاتحاد الوطني الحر، مفاجأة الانتخابات التشريعية، في وصف قرار النهضة بـ”المناورة المكشوفة”.