من أعقد المشاكل التي طفت على سطح الأحداث في ليبيا بعد 2011 هي مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا و بالأخص إلى السواحل الإيطالية، على اعتبارها معضلة يتشاكل فيها المحلّي والخارجي دون أي أفق لها في الحل على المدى القريب.
ويأتي معظم المهاجرين خاصة الأفارقة بعد تجميعهم في أماكن التقاء داخل كل دولة على حدة، ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة إلى طرابلس وهناك ينتظرون عدة أسابيع إلى أن تنتهي عصابات التهريب من استكمال تنسيقها مع بعض عناصر الشرطة وخفر السواحل مستخدمة في ذلك -كما يقول بعض المهاجرين - الرشوة.
طرحت هذه الظاهرة مشكلة شديدة التعقيد خاصة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي إذ مارست عديد الضغوطات على دول الضفة الأخرى من المتوسطة إلا علاج هذه المسألة يتجاوز التعامل الأمني.
تنتهي حياة عديد المهاجرين يومياً خلال محاولاتهم تجاوز الحواجز بين الدول أو غرقا أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط، أملا في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية هرباً من عوامل الفقر والبطالة والحاجة التي يواجهونها في بلدانهم الأصلية، حيث نبهت المنظمة الدولية للهجرة مؤخراً بشأن مخاطر تنامي الانتهاكات الفظيعة بحق المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط، من دون أن تحدد الجهات المعنية بهذا التنبيه نقلاً عن مختصين قولهم إن المسؤول الأول عن هذه الانتهاكات هي عصابات تهريب البشر، فضلاً عن تقاعس بعض حكومات الدول عن القيام بأدوارها لحماية هؤلاء المهاجرين.
في نفس الصدد، أشار تقرير أعدته صحيفة الشرق الأوسط أن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين يبدأون رحلة برية طويلة وشاقة وخطرة من دول الكاميرون والنيجر والسنغال ودول أخرى، للوصول إلى الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، تمهيداً لعبورهم البحر ليقعوا ضحية عصابات تستولي على أموالهم وتعذبهم وتقتلهم أحياناً أو تكتفي بسرقة نقودهم وطعامهم وشرابهم ليموتوا جوعا وعطشا.
ومضى التقرير في التوضيح أن الناجين من هذه العصابات وهم قلة يتمكنون من الوصول إلى ليبيا أو الجزائر أو تونس أو المغرب أو مصر لينتهي الحال بهم على الأغلب ضحايا لأعمال أشبه بالعبودية، في ظل ظروف قاسية، إذ يتم زجهم بأعمال البناء والزراعة والأشغال الشاقة مقابل أجور قليلة لا تكفي لتوفير أدنى مستوى من المعيشة اللائقة.
لإيجاد حلول ناجعة لهذه المعضلة الكونية تسعى بعض الأطراف الليبية بإيعاز من نظيرتها الدولية ببعض الإجراءات العاجلة من ذلك التقى النائب بالمجلس الرئاسي عبدالسلام كاجمان، الأربعاء، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ماريا دوفالي ريبيريو، والمنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإغاثي ، بحضور منسق برامج الأمم المتحدة الاغاثي في ليبيا محمد صالح.
من جانبه اأكدت ريبيرو على وضع حلول جذرية لمسألة الهجرة والتسلل إلى أطراف ليبيا، موضحه بأن هناك برنامجين سيبدأ تنفيذهما مع بداية 2019، وهما برنامج الشراكة الاستراتيجية مع ليبيا، و خطة الاستجابة الإنسانية في ليبيا عامة، مركزه بالخصوص على الجنوب الليبي.
كما تم خلال اللقاء، الاتفاق على التنسيق والتكامل بين مكتب النائب وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا على تكوين فريق عمل مشترك بتكليف مستشاري النائب، بالإضافة إلى الاتفاق على مواصلة التشاور بخصوص الهجرة مع وزارة الداخلية والخارجية و الشركاء الدوليين برعاية مكتب النائب.
ويرى مراقبون أن ملف الهجرة لا يمكن علاجه بالمقاربة الأمنية الصرفة أو تحميل دول الجنوب المسؤولية فقط لأن هذه الظاهرة أمست كونية شأنها شأن الإرهاب حيث تتحمل دول الشمال جزء من المسؤولية جراء أزمة التكافؤ العامة التي يعيشها الكون في ظل عالم مفتوح.
حيث أن عملية الإصلاح الحقيقية تنطلق بداية من النظر في أساس المشكل الذي يدفع ملايين البشر للمخاطرة بحياتهم و تجاوز المياه أملا في جنة منتظرة ما وراء البحار.