رأت الكاتبة البريطانية ذات الأصل الفرنسي ميريام فرانسوا سيرا، أن الهجوم المأساوي على مجلة "شارلي إيبدو" مؤخرا لم يكن بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد، وأن المجلة ذاتها مثلت هدفا استراتيجيا هو جزء من خطة أكبر للتكريس لحالة الاستقطاب في فرنسا بوجه خاص وأوروبا بوجه عام.

ونوهت سيرا، في مقال نشرته مجلة (النيو ستيتسمان) البريطانية، عن تاريخ نشاط شريف كواتشي أحد منفذي العملية، كوسيط مالي بين الجماعات الإرهابية في العراق منذ عام 2005 أي قبل عام واحد على نشر المجلة الدانماركية صورا مسيئة للنبي محمد، وأضافت قائلة إن "هذه الخلفية ترجح أن رسوم مجلة شارلي إيبدو ليست هي الدافع وراء ضلوعه في تنفيذ الهجوم، وأنه ربما كان أكثر ميلا للاتجاهات السائدة بين طائفة متزايدة من الشبان المسلمين في أوروبا الناقمين على الأوضاع، في وقت تصاعدت فيه الدعوات بالانتقام من الغرب".

وتابعت سيرا " إن الأخوين كواتشي اختارا (شارلي إيبدو) باعتبارها رمزا في مدينة أوروبية كبرى تشهد جدلا ساخنا حول أوضاع المسلمين في أوروبا، وأنهما فطنا إلى ما يمكن أن يثيره مثل هذا الهجوم من تعميق الصدوع الموجودة بالأساس في المجتمع الفرنسي بسبب قضية توظيف الشباب المغترب الذي يناضل من أجل إيجاد موطئ قدم في مجتمع ينظر لوجوده بعين الريبة".

ولفتت صاحبة المقال إلى أن الأخوين كواتشي إنما اختارا فرنسا دون غيرها مسرحا للهجوم لأنها هي أكثر الدول الأوروبية التي فرضت قيودا على الحرية الدينية على نحو أدانته منظمة العفو الدولية وغيرها من المؤسسات المعنية بمراقبة حقوق الإنسان: من حظر لارتداء الحجاب في المدارس وللنقاب في الأماكن العامة وغيرها من الأمور المثيرة للجدل كالصلاة في قاعات الدرس والأطعمة الحلال.

وأوضحت سيرا أن هذه القيود والمضايقات لم تمرّ مرور الكرام على المتطرفين الذين باتوا ينظرون إلى فرنسا كبلد لا يشعر المسلمون فيه بالمساواة مع غيرهم ولا بالراحة بالعيش على أراضيه، وقد روج هؤلاء بين الشبان المسلمين في فرنسا فكرة الهجرة والالتحاق بصفوف تنظيم "داعش" حتى باتت فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى في تصدير المقاتلين الأجانب لداعش، بحسب الإحصائيات.

ونوهت الكاتبة إلى أن الأخوين كواتشي اختارا مجلة شارلي إيبدو دون غيرها، لأن هذه المجلة نشرت أكثر من مرة رسوما مسيئة للنبي محمد، على نحو يؤجج مشاعر التوتر الموجودة بالفعل تجاه المسلمين المحليين بما يخدم تعميق حالة الاستقطاب.

وأشارت سيرا إلى أنه إذا كانت شارلي إيبدو قد سخرت مرارا وتكرارا من المتعصبين ومن رموز مقدسة عند العديد من الجماعات الإنسانية بشكل عام، إلا أنها أظهرت تخصصا وتواترا وترصدا للسخرية من الرموز الإسلامية أكثر من غيرها بشكل واضح، على أن ذلك كله ليس أيضا سببا كافيا لمثل هذا الهجوم العنيف، بحسب الكاتبة.

وفي ختام مقالها دعت ميريام فرانسوا سيرا إلى ضرورة ألا تقتصر الشعارات المرفوعة حاليا على التضامن مع المجلة المستهدفة ومنشوراتها، وإنما يتعين مقاومة كافة الأصوات التي تستهدف إحداث انقسامات في المجتمع الفرنسي، ودقّ أوتاد المخيمات وإزكاء جو التوتر والاستقطاب المتواجد بالفعل.