يحذر العاملون في مجال الصحة من التأثير السلبي للمواجهات الدامية تشهدها ليبيا منذ سنوات، على الخدمات الطبية في البلاد، التي تعاني عدة سلبيات ونقائص لم يتم التعامل معها إلى اليوم. فقد أصبح الموظفون يعملون فوق طاقتهم في ظل ظروف صعبة للغاية، في الوقت الذي يعجز فيه المصابون بأمراض وجروح خطيرة عن الوصول إلى المستشفيات والعيادات. 

ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الوضع الصحي في ليبيا، التي تعاني من نزاعات مسلحة، قد أصبح حرجا للغاية، وذلك نتيجة نقص الإمدادات الطبية والتمويل المالي على مستوى كافة الجهات المسؤولة في البلاد. وفي هذا الإطار رسم المتحدث باسم مكتب المنظمة في ليبيا الدكتور أحمد سالم، صورة قاتمة لوضع المرافق الصحية في ليبيا قائلا لأخبار الأمم المتحدة:"آخر إحصائية للمرافق الصحية في ليبيا، في مسح شمل المستشفيات، وجد أن من بين حوالي 95 مستشفى، تعمل أربعة فقط منها بقدرة تتراوح بين 75% و 85%.  كما أن 45% من هذه المستشفيات تم إغلاقها، هذا بخلاف المرافق الصحية الأخرى، و وفقا للإحصائيات فإن 40% من المستشفيات تعمل بنصف طاقتها، كل هذه المخاطر تهدد بانهيار النظام الصحي في ليبيا".

وأكدت منظمة الصحة العالمية سنة 2016 أن حوالي 50 مليون دولار أمريكي ضرورية على سبيل الاستعجال لمواجهة حاجات الإغاثة لقرابة مليون شخص في ليبيا التي تمزقها الأزمة ويستمر فيها النزاع بينما تتعثر عملية السلام التي بدأت منذ نحو عام، وتصطدم بعدة عقبات. وأشارت إلى أن هذه الوكالة الأممية للصحة وشركاءها يواجهون أيضا مصاعب جدية على الأرض، فهناك نقص حاد في عمال الصحة لأن غالبية الممرضين أجلوا من هذا البلد سنة 2014.

وعلاوة على كل ذلك، لا تكاد مؤسسات الصحة كالمستشفيات والمخابر وبنوك الدم تؤدي الحد الأدنى من عملها بينما لا تتوفر أدوية الحالات المستعجلة واللقاحات بكمية كافية. ولكن المتحدث الرسمي أكد أن منظمة الصحة العالمية لا تقف مكتوفة الأيدي حيال هذه الأزمة، بل تبذل قصارى جهدها لتوفير الموارد الأساسية من خلال العمل مع منظومة الصحة الليبية.

وبينما أشار السيد سالم إلى توفير المنظمة لمجموعات الأدوية للمصابين بالصدمات والإصابات الجسدية وغير ذلك من العقاقير الأساسية الأخرى، بما فيها المجموعات المتعلقة بالأمومة والطفولة، حذر من خطورة شح الموارد على المنظومة الصحية الليبية. إذ قال: "ولكن مع النقص الشديد داخل ليبيا والموارد البسيطة لمنظمة الصحة العالمية، مازال النظام الصحي الليبي يهدد بالانهيار إذا لم يتم تدارك الوضع في القريب العاجل".

يعتبر المتحدّث الرّسمي بآسم الهلال الأحمر الليبي محمد المصراتي أن الخدمات الصحية في ليبيا، المتراجعة أصلا بسبب الانفلات الأمني والقتال في بعض المدن، مهددة بالانهيار. مضيفا لسكاي نيوز عربية أن:"هناك صعوبات جمة تواجه عمل القطاع الطبي في ليبيا، لا سيما في طرابلس وبنغازي، من بينهما مغادرة العمالة الأجنبية، علاوة على استهداف منشآت وطواقم طبية وسيارات إسعاف.

وتتعرض سيارات إسعاف للقصف أثناء نقلها لجثث قتلى، رغم أن المسلحين من كل الأطراف يعرفون أن الهلال الأحمر الليبي يقف على مسافة واحدة من الجميع ولا علاقة له بالتجاذبات السياسية التي تطورت إلى مواجهات بالأسلحة، حسب المصراتي".

حسب منظمة أطباء بلا حدود إن وضع النظام الصحي في ليبيا بات اليوم في وضع حرج للغاية. فقد أقفلت عدة مستشفيات وأصبح وضع مستشفيات أخرى صعباً بسبب تدميرها أو نقص الطاقم الطبي ذي الخبرة والنقص في الأدوية والمعدات الأساسية وبخاصة الأنسولين ومعدات غسل الكلى. والعديد من المستشفيات في ليبيا كانت توظف الممرضين الأجانب، لكن معظمهم قد غادر جراء الحرب ضد معمّر القذافي في العام 2011 وجراء النزاع المسلح بين النزاع المسلّح بين مؤيدي وأعداء الإسلام السياسي.

وفي المستشفى الحكومي في زوارة الذي يقع بالقرب من الحدود التونسية، يقدّم فريق من منظمة أطباء بلا حدود تدريباً عن الاستجابة للطوارئ وعن العناية المركّزة لتسهيل عملية رعاية الجرحى. فمستشفى زوارة هو المستشفى الوحيد المجهّز لاستقبال لتقديم رعاية الطوارئ. ونتيجة القصف الأميركي والهجمات التي أطلقتها قوات الدولة الإسلامية ليبيا في شهر فبراير/ شباط 2016 في صبراطة، تمكّن المستشفى من استقبال قرابة خمسة عشر جريحاً.

وفي شرق ليبيا تواجه المنظمة مشكلة نقص الموظفين المدرّبين والنقص في الأدوية في المستشفيات. وفي هذا السياق أفادت منسّقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود مليكا سائم: "نقدّم دعماً مشابهاً في المستشفيات التي تستقبل الجرحى". بالإضافة إلى ذلك، تعاني ليبيا من أزمة نزوح بحيث يهرب الناس من العنف. 

فبنغازي وحدها تستقبل أكثر من 100,000 نازح و توزّع طواقم منظمة أطباء بلا حدود إلى النازحين المواد الغذائية وتقدّم لهم في عيادة افتتحت في 20 فبراير/ شباط 2016 استشارات في طب الأطفال وطب النساء والتوليد مع التركيز على طب الأطفال وبتعاون وثيق مع منظمة غير حكومية محلية.

ويظهر النقص في تغطية التطعيم وارتفاع وفيات الأمومة كتداعيات إضافية للأزمة الصحية في ليبيا لذلك، توفّر المنظمة اللقاحات لمراكز صحية موجودة في المناطق الشرقية والغربية. لكن رغم تدهور نظام الرعاية بشكل كبير، القليل جداً من المنظمات الإنسانية تتبع خطى منظمة أطباء بلا حدود وتقدّم المساعدة الإنسانية.

 ورغم موارد ليبيا النفطية التي تجعلها بلداً غنياً، إلّا أنها ليست اليوم كذلك. كما أن النظام الصحي يعكس حالة البلد ولم تعد المستشفيات مجهّزة بمعدات حديثة بل إن المعدات نادراً ما تعمل نتيجة عدم صيانتها وتغيير قطعها. وأضافت سائم إن: "ليبيا بلد لا ترى فيه الصعوبات مباشرة لكن الاحتياجات كبيرة جداً، وقد لاحظنا أن وضع الرعاية الصحية تدهور منذ أن بدأنا العمل هنا منذ عام واحد".