في ظل الصراع الذي تشهده ليبيا منذ أشهر في العاصمة طرابلس ومع استمرار التدخلات الخارجية التي تؤجج الحروب في البلاد وخاصة تركيا الداعم الرئيسي للمليشيات والتنظيمات الارهابية،قررت الدول الأوروبية تنفيذ مهمة بحرية جديدة في البحر الأبيض المتوسط تهدف إلى مراقبة تطبيق قرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.

وكشف موقع "رادار" الإيطالي، مساء الأحد، أن العملية الأوروبية "إيريني" لمراقبة تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، دخلت حيز التفعيل، وذلك على الرغم من الاعتراض الرسمي من قبل حكومة "الوفاق" الليبية.وبحسب الموقع فإن العملية "تتبع أول مهمة كجزء من العملية إيريني الجديدة"، مشيرا إلى أن طائرة "فيرتشايلد دورنير" قامت بمهمة دورية لمدة 6 ساعات قبالة شرق ليبيا يوم الأحد، وهبطت الطائرة مرة أخرى في قاعدة "سيغونيلا" الجوية في جزيرة صقلية الإيطالية الساعة 12:32 بتوقيت أوروبا.

وأضاف الموقع الإيطالي أن العملية "إيريني" تستهدف بشكل رئيسي "دعم تنفيذ حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على ليبيا، وهي تفعل ذلك باستخدام الوسائل البحرية والجوية".وتابع أنه إلى جانب هذا الهدف الرئيسي، فإن العملية لديها سلسلة من المهام الثانوية حيث ستوفر المراقبة لمنع صادرات النفط غير المشروعة من ليبيا، وستقوم ببناء القدرات والتدريب لخفر السواحل الليبي والبحرية، وستدعم مكافحة شبكات تهريب البشر والاتجار بهم.

ويأتي ذلك، رغم اعتراض رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، الذي أبلغ رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، الخميس الماضي، اعتراض حكومته على عملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.وقال السراج في بيان نشرته صفحة وزارة الخارجية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تلقينا ببالغ الأسف نبأ تنفيذ عملية إيريني، وكنا نتوقع من دول الجوار الأوروبي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 بشأن حظر توريد السلاح إلى ليبيا".

ويأتي هذا الرفض في غرب البلاد للعملية الأوروبية الرامية لمنع توريد الأسلحة إلى ليبيا بسبب ارتباط حكومة الوفاق وحلفائها بتركيا التي تعتبر الداعم الأكبر للمليشيات عبر السلاح والمرتزقة.ويخشى تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" المسيطرة على حكومة الوفاق وأمراء الحرب في طرابلس ومصراتة،من أن تعرقل العملية "ايريني" عمليات الدعم التركي بالسلاح والمرتزقة، أو ستجعله على الأقل تحت الضوء الأممي.

وتحاول تركيا بشتى الطرق دعم حلفائها في طرابلس ودفعت بآلاف المرتزقة والعناصر الارهابية الى الاراضي الليبية بتواطئ من حكومة السراج،حيث أكد الناطق باسم الجيش أحمد المسماري أن التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس استغلت الهدنة المعلنة في 12 يناير الماضي واستقدمت "مجموعات كبيرة من المرتزقة السوريين ومن جنسيات أخرى".

ونقلت صحيفة "الشرق الاوسط"،عن المسماري قوله أنه "طبقاً لمصادر من داخل ما يعرف رئاسة أركان الجيش الوطني السوري التابع لتركيا، فإن هناك أكثر من 17 ألف إرهابي انتقلوا من سوريا إلى ليبيا، عاد منهم إلى سوريا ما يقرب من 1800، بينهم مصابون وجرحى، وسقط منهم أكثر من ألف قتيل".

وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان،الأحد 26 أبريل/نيسان 2020،أن تركيا جنّدت قرابة 10 آلاف مقاتل للحرب في طرابلس، مشيراً إلى أن "أعداد المقاتلين المجندين الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن، بلغ 7400 مرتزق، بينهم مجموعة غير سورية. في حين أن عدد المجندين الذين وصلوا إلى المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 2500 مجند.

كما أشار المرصد إلى أن هناك مئات من المقاتلين يستعدون للانتقال من سوريا إلى تركيا،وأكد إرسال تركيا نحو 37 من إرهابيي تنظيم داعش إلى ليبيا، قائلا: "هؤلاء الدواعش باتوا الآن في ليبيا وبعلم المخابرات التركية".وأشار المرصد إلى قيام تركيا بتفريغ إدلب (مدينة عرفت بكونها مركز تجمع المتشددين في سوريا) من الجهاديين وإرسالهم إلى ليبيا ومناطق أخرى في شمال أفريقيا.

وتحولت حكومة الوفاق الى بوابة للمخططات التركية الساعية الى مد النفوذ في البلاد وتحقيق أحلام أردوغان التي لم يتوانى في كشفها صراحة في أكتوبر الماضي حين زعم أن بأن "الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،وأضاف "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية" مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.

وبالتزامن مع رفضها للعملية الأوروبية لمراقبة حظر توريد السلاح،ترفض حكومة الوفاق وحلفائها الالتزام بالدعوة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لفرض هدنة إنسانية بمناسبة شهر رمضان.وشككت في نوايا الداعين إلى هذه الهدنة، قائلة إنها تسعى إلى منح الجيش الوطني الليبي فرصة لالتقاط أنفاسه،بعد تراجعه الميداني في الفترة الماضية.

أبرز هذه التصريحات أطلقها عبد الرحمن الشاطر، عضو مجلس الدولة الاستشاري، بقوله إن "أوروبا ترغب وتصر على أن يحكم ليبيا ديكتاتور دموي".ووصف الشاطر،في تغريدة له، عبر حسابه الرسمي،على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر":قراءة الدول الأوروبية للوضع في البلاد،بأنها خاطئة وتداعياتها وخيمة عليها.وأضاف "هؤلاء الذين يقودون أوروبا بهذا التفكير المصلحي يفقدونها هيبتها ويمرغون قيمهم الحضارية في الوحل. فوضوه ليحكمكم إن كنتم ترونه أهلا للحكم؛ أما نحن فلا".

وكان الممثل السامي للاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وجهوا دعوةً إلى جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا لـ"استلهام روح شهر رمضان الفضيل، والانخراط في استئناف المحادثات، من أجل وقف إطلاق النار بشكل حقيقي".ودعت الأوساط الأوروبية جميع الأطراف الليبية إلى استئناف محادثات السلام.وجاء في البيان "نود ضم أصواتنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والقائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا ستيفاني توركو وليامز في دعوتهما إلى هدنة إنسانية في ليبيا".وأضاف البيان "ندعو جميع الأطراف الليبية إلى استلهام روح شهر رمضان المبارك واستئناف المحادثات في سبيل وقف حقيقي لإطلاق النار.

ويلقي رفض الهدنة الضوء على اصرار حكومة الوفاق على تحدي الجميع خدمة لأجندات تركيا على حساب الليبيين.وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش خالد المحجوب،في تصريح لـ"اندبندنت عربية "، أن "قوات الوفاق لم تحترم ولو مرة واحدة التزاماتها السابقة"، قائلاً إنها "تتلقى أوامرها من أنقرة وليست حرة في الوفاء بتعهداتها".واعتبر المحجوب، التصريحات التي تتهم أوروبا بمحاولة دعم موقف الجيش بالدعوة إلى هدنة إنسانية، "هراءً لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق".

وتواصل حكومة الوفاق وميليشياتها عرقلة الجهود الدولية لإرساء دعائم وقف إطلاق النار لتركيز الجهود على مواجهة كورونا في وقت تمر فيه ليبيا بظروف أمنية وسياسية معقدة.وأدانت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، الأحد، خرق قوات حكومة الوفاق المتحالفة مع النظام التركي للهدنة الدولية التي ‏ترعاها الأمم المتحدة في ليبيا، وقيامها باستهداف المدنيين بقصف مدينة ‏ترهونة جنوب شرق العاصمة طرابلس.

ودعت المؤسسة   بعثة الأمم المتحدة في ليبيا للاضطلاع ‏بواجباتها و"إدانة الإرهابيين الحقيقيين والتحقيق فى جرائمهم ضد المدنيين ‏خلال محاولتهم السيطرة على تلك المدن خلال فترة الهدنة.وطالبت المؤسسة بعثة الأمم المتحدة بتصعيد الأمر إلى مجلس الأمن ‏وإصدار قرار بإدانة حكومة الوفاق وميلشياتها المسلحة والبدء فى التحقيق ‏بجرائمهم وتحويل المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية المنوط بها وفقا ‏لقرار المجلس رقم 1970 لعام 2011 التحقيق بجرائم الحرب في ليبيا.

وتتواصل المؤشرات على الأرض حيال عجز حكومة السراج أمام سطوة المليشيات حيث شهدت طرابلس يومي السبت والأحد،اشتباكات ورماية متبادلة بين قوة الردع وكتيبة ثوار طرابلس التابعتين لقوات الوفاق.وأكدت تقارير اعلامية أن سبب الاشتباكات، التي استُعملت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، يرجع إلى إلقاء قوة الردع الخاصة القبض على أحد الأشخاص المعروفين داخل كتيبة ثوار طرابلس من دون إيضاح دوافع الاعتقال.

ويتهم مسؤولون حكومة الوفاق بالتعويل على المليشيات والعناصر المتطرفة لمواجهة القوات المسلحة،وأكد عضو مجلس النواب محمد العباني،لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن غالبية التشكيلات المسلحة التي تقاتل في صفوف الوفاق "مجرمون، (حسب وصفه) وأن عليهم تسليم أسلحتهم، ومن ثم إيداعهم السجون ومحاكمتهم محاكمة عادلة".

ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، يصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات وتعويلها عليها اضافة الى استجلابها للغزو التركي الساعي لنهب ثروات البلاد.